فشلت محاولات الفلسطينيين لمنع مخطط تهويد جديد للأقصى، وهذه المرة يستهدف حائط البراق، ما يسميه الإسرائيليون حائط المبكى، إذ صادقت ما تسمى اللجنة القطرية للبنى التحتية الوطنية على إقامة مشروع قطار هوائي معلق يصل إلى حائط البراق لخدمة اليهود، للوصول إلى تلك المنطقة المقدسة للفلسطينيين، بعد ما رفضت الاعتراضات التي قدمها الفلسطينيون، وركزوا فيها على "المس بالمشهد التاريخي للبلدة العتيقة، كما أن السلال الهوائية لن تحل مشكلة الوصول إليها". وسيكون طول القطار 1400 متر وسيطرح المشروع على الحكومة للمصادقة عليه لبدء تنفيذه، علماً أن وزارة السياحة التي بادرت بهذا المشروع رصدت ميزانية أولية بقيمة مئتي مليون شيكل (قيمة الشيكل 3.6 دولار). ووفق المخطط، ستشمل المرحلة الأولى من المشروع بناء ثلاث محطات: أولها ستقام بالقرب من مجمع المحطة القديمة بالقرب من مسرح الخان، وتقع المحطة الثانية قرب موقف للسيارات قرب جبل الخليل. وستبنى المحطة الثالثة على سطح مجمع "كيدم" قرب باحة حائط البراق.
ووفقاً للمشروع ستكون كل عربة قادرة على نقل ما يصل إلى عشرة ركاب، وفي ساعات الضغط، ستكون نحو 70 عربة على الخط وتتسع لثلاثة آلاف راكب كل ساعة. في المقابل، ادعت اللجنة أن "تطوير البنى التحتية في منطقة حائط المبكى، (البراق) وتحسين خدمات وسائل المواصلات العامة هو إشكالي بسبب القيود التي يفرضها النسيج المادي والثقافي والديني والأثري والتاريخي وقيود الملكية الخاصة الحساسة حول البلدة العتيقة، والتي لا تسمح بأعمال تطوير على نطاق واسع". وأضافت اللجنة أن هدف المشروع الأساسي "تحسين الوصول إلى البلدة العتيقة، والتخفيف من الازدحامات المرورية القائمة اليوم، والتي تتفاقم في الأعياد".
الصراع على الأقصى بات مركباً
يعتبر الباحث في معهد السلام "هرتمان"، والمدير السابق لمعهد القدس للبحوث السياسية، د. مئير كراوس أن الصراع على الأقصى بات مركباً أكثر من أي وقت مضى. ويرى كراوس أنه تجري المنافسة على القدس كلها، ولكن هذه المنافسة تكون أقوى عند الحديث عن الأقصى وتصبح مقلقة. ويقول "للشعبين والدينين تطلعات متضاربة بالنسبة إلى الحرم، وكل طرف لا يتردد في نفي علاقة الطرف الآخر. أيام النفي الفلسطيني للصلة اليهودية بالحرم هي كأيام النزاع القومي، وتعبيره الشهير كان ادعاء عرفات في مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000 بأن الهيكل اليهودي كان في اليمن. ولكن في الجانب الإسرائيلي أيضاً توجد محاولات نفي للصلة الإسلامية. قبل بضع سنوات شاهدت ما يجري في الحرم في ليلة القدر، حيث وصل إلى الحرم نحو 250 ألف مصل وقفوا وركعوا وعادوا وركعوا وفقاً للعادة الإسلامية. وفي الغداة لم يكن هناك ذكر لهذا الحدث الجماهيري في وسائل الإعلام الإسرائيلية. هذا الصمت هو نوع من النفي الذي يمنع الجمهور الإسرائيلي من النظر على نحو سليم إلى العلاقات الإسلامية بالحرم".
احتدام المنافسة
وبرأي الباحث الإسرائيلي فإن المنافسة باتت مركبة في ضوء ادعاء الطرفين بأن ما هو مقدس له يجب أن يكون تحت سيادته وبملكيته. إن جوهر التعدد الديني للمدينة يستوجب من كل محبيها ثورة فكرية: فهو يستوجب اعترافاً متبادلاً بصلة كل الشركاء في المدينة وتطلعاتهم الثقافية، الروحية والدينية. الشعب اليهودي ملزم بأن يعترف بأن المكان المقدس له، هو في الوقت ذاته، مكان مقدس وبيت صلاة يومي للمسلمين. والمسلمون ملزمون الاعتراف بأن المكان المقدس لهم هو المكان الأكثر قدسية لليهود، وفق كراوس، الذي شدد في طرح موقفه أنه لا يتجاهل مسألة السيادة على القدس والتي توجد في قلب النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ويضيف: "ولكنني أقترح النظر إلى مسألة القدس انطلاقاً من العلاقة التاريخية، الروحانية، الثقافية، الدينية والإنسانية. هكذا مثلاً فإن الاعتراف بالمكانة الدينية والروحانية للبلدة القديمة والحوض المقدس لكل الأديان، يمكنه أن يضع الأساس الفكري للتفكير في هذا المجال كمجال مقدس مشترك، تعريفات السيادة والملكية لا تنطبق عليه".
الفجوة بين شطري المدينة تتسع
في بحث أجرته الباحثتان ميخال كورح وتامي غبريئيلي من معهد القدس لأبحاث السياسات، في يوم احتلال القدس كشفا معطيات تشير إلى أن الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتفاقم. في الجانب الفلسطيني من البحث، أشارتا إلى أنه قبل أن يكون بالإمكان الإجابة على مسألة عوامل جودة الحياة يجب ملاحظة مشكلتين تثقلان حياة الفلسطينيين في القدس، الأولى تعريف الهوية الشخصية للسكان في شرق المدينة: هل هم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين أم عرباً من مواطني إسرائيل، وأي سلطة هي المسؤولة عن جودة حياتهم، البلدية أم الحكومة أو السلطة الفلسطينية. "نحن لا ظهر لنا، ليس لنا أب أو أم. لقد سقطنا بين الكراسي"، قال أحد الأشخاص الذين أجري معهم لقاء للبحث. أما المشكلة الثانية الشعور باليأس وعدم اليقين بخصوص المستقبل". وكتبت الباحثتان: "في أوساط السكان في شرق القدس يسود شعور باليأس وعدم السيطرة على الحياة. فوق عدد من السكان يحلق أيضاً التهديد المستمر بهدم البيت لأنه بني بصورة غير قانونية.
تعريف عناصر جودة الحياة
وعلى الرغم من ذلك عندما طلب من المستطلعين تعريف عناصر جودة الحياة، وضعوا "إمكان بناء شقق سكنية" في المكان الأول. في شرق القدس يوجد نقص كبير في التخطيط وتسجيل الأراضي، واستخراج رخص بناء هو مهمة تقريباً مستحيلة. ضائقة السكن والتطلع إلى سكن قانوني من دون خطر الهدم هي العامل الأول في الأهمية من ناحية الفلسطينيين في المدينة بالنسبة إلى جودة الحياة. أيضاً العوامل الأخرى تدل على الفجوة بين شطري المدينة. العامل الأول في أهميته من ناحيتهم هو وجود بنى تحتية مادية مناسبة، بما في ذلك شوارع بوضع معقول وأرصفة وبنى للصرف الصحي وإضاءة الشوارع. المواصلات والنظافة ووجود متنزهات في الأحياء هي العناصر التالية في الترتيب بالنسبة إلى جودة حياتهم في المدينة. ويتبين في الجانب اليهودي للبحث أن العامل الذي اعتبره المستطلعون اليهود العلمانيون أكثر العوامل أهمية بالنسبة إلى جودة حياتهم هو "بيئة نظيفة"، وبعده مهم بالنسبة إليهم "مواصلات عامة ناجعة". وبعد ذلك بحسب الترتيب التعليم الجيد، متنزهات وحدائق ألعاب، الانتماء إلى الطائفة والحاكمية، أي أن يكون للسلطات حضور في محيط سكنهم وآذان صاغية لمشاكلهم التي يطرحونها. الجمهور المتديّن عرف جودة الحياة بصورة مشابهة للجمهور العلماني، لكن بترتيب آخر. المواصلات العامة هي العامل الأول بالنسبة إلى المتدينين. بعد ذلك تأتي بيئة متطورة وتعليم في مبان سليمة.
توقف الارتفاع في عدد اليهود في شرق القدس
أمام الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل تهويد ما تبقى من هويتها الفلسطينية، وُوجه المسؤولون الإسرائيليون بمعطيات تقضّ مضاجعهم حول مستقبل المدينة إذ تبين دراسة أجريت في المدينة أن الغالبية المطلقة من الـ 12 حياً ضخماً في القدس بنيت بعد 1967 خلف الخط الأخضر، وفي كل واحد منها يعيش بضع عشرات آلاف السكان، توقف عن النمو. عدد السكان فيها مشابه أو شبه مشابه لعدد السكان الذين سكنوا فيها في السنة الماضية بل وأحياناً قبل بضع سنوات. يدور الحديث عن أحياء بسغات زئيف، غيلو أو تلبيوت الشرقية. في هذه الأحياء يعيش اليوم 216 ألف يهودي، يشكلون 38 في المئة من سكان شرق المدينة، بينما عدد العرب الذين يعيشون فيها يصل إلى نحو 340 الف نسمة، ويشكلون62 في المئة.