تحلّ الذكرى الثالثة لـ"الحراك الشعبي" في الجزائر والشارع يتساءل عمّا تحقق من التغيير الذي ينشده، بين من يرى أن هناك تحولات إيجابية لافتة تقابلها إخفاقات من الضروري تجاوزها لإعادة الأمل إلى النفوس، غير أن الأزمة الصحية التي أفرزتها جائحة كورونا جعلت الحديث عن النجاحات في حكم المؤجل.
محاولات داخلية وانتقادات خارجية
وتحاول سلطة ما بعد "سقوط" الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، تقديم وجه مغاير لما دأب الشعب رؤيته، انطلاقاً من استكمال بناء المؤسسات الدستورية، إلى إجراءات تخفيف الضغط على المواطنين جراء تهاوي القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، مروراً باستمرار حملة مكافحة الفساد، لكن جاء تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" عشية الحراك المصادف لـ22 فبراير (شباط) من كل سنة، ليثير ملف الحريات، ويجعل من أي حديث حول حصول أي تقدم نحو التغيير مجرد شعارات ليس إلا.
وقالت المنظمة، إنه على السلطات الجزائرية الإفراج فوراً عن المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني، ورموز المعارضة، والصحافيين، وجميع المسجونين تعسفاً بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في التعبير والتجمع. وأوضح القائم بأعمال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، إريك غولدستين، أن "على السلطات الجزائرية الإفراج عن مئات الأشخاص المسجونين بسبب خطابهم السلمي".
البدايات ليست كالنهايات
لقد أعاد الحراك للجزائريين القدرة على التعبير سياسياً، على الرغم من أنهم كانوا على اقتناع بأنهم أمام نظام يستعصي على الإصلاح، بامتلاكه أدوات "التلاعب" عبر رشوة الأفراد والنخب قليلة العدد، وإدماجها داخل مؤسسات النظام، إلا أن العفوية والسلمية والإصرار هي التي حركت الرمال وتحقق أول مطلب برحيل الرئيس بوتفليقة ورموزه.
نجاح الحراك الشعبي دفع قوى سياسية وفكرية معادية، إلى التحرك بهدف "إفشاله"، وذلك من خلال اللعب على أوتار الثقافة واللغة وتضخيم الفوارق، وهي بذلك تحاول خدمة ما يعرف بـ"العصابة" (الوصف المحلي لرموز النظام الجزائري السابق) التي رأت في هذا الاستيقاظ الشعبي تهديداً لمصالحها واستمراريتها.
وقرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في عام 2020، اعتبار يوم 22 فبراير من كل سنة، عيداً وطنياً تحت تسمية "اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية"، وأعلن خلال لقاء له مع وسائل الإعلام المحلية، أن الحراك الشعبي "ظاهرة صحية"، محذراً من "محاولات اختراقه من الداخل والخارج".
هل تحققت المطالب؟
وبعد مرور 3 سنوات من انطلاق الحراك، يتساءل الشارع حول ما تحقق وما لم يتحقق، وهو ما رد عليه أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، بالقول إن "الاحتفال بذكرى الحراك الذي أقره الرئيس تبون يوماً وطنياً، إنما القصد منه استرجاع ذكريات التحرر من قيود الاستعباد والبيروقراطية والتعسف والظلم من نظام عاث في الأرض فساداً ونهباً لمقدرات البلاد، وحاول قدر الإمكان إذلال الشعب الجزائري وسلب كرامته"، مشيراً إلى أن الذكرى الثالثة تأتي بعد ثلاث سنوات من الحراك الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والاجتماعي الذي يقوده تبون بفضل السياسية الحكيمة التي ترمي إلى إعادة مكانة الجزائر اقتصادياً وأمنياً وسياسياً ودبلوماسياً، حيث عرفت البلاد تقدماً ملحوظاً وواضحاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد حبيب، أن "مطالب الحراك تم تحقيق أغلبها، إن لم نقل جميعها"، وهي مطالب تلغي العهدة الخامسة للرئيس الراحل بوتفليقة، وتبطل تمديد العهدة الرابعة، مع الحرص على التعجيل بالتغيير الحكومي وحل البرلمان، ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، وغيرها من المطالب التي كانت من شعارات الحراك، مبرزاً أن الدعوات لإحياء الحراك مطلب شرعي شعبوي احتفاءً بالذكرى الثالثة ليس إلا، و"لا نتحدث عن بعض الجهات المغرضة التي تريد أن تستثمر في أحداث معزولة من أجل زعزعة أمن واستقرار البلاد"، وختم بأن الشعب الجزائري حفظ الدرس جيداً ولم يعد لقمة سائغة.
"الجزائر الجديدة"
وفي السياق ذاته، يعتبر الناشط السياسي، عبد الرحمن بوثلجة، أن "الجزائر الجديدة استكملت بناء مؤسساتها الدستورية، من خلال انتخابات رئاسية، تشريعية ومحلية، أنتجت رئيساً يقوم بمهامه بصفة دائمة ويخاطب الجزائريين دورياً من خلال وسائل الإعلام، ويقوم بزيارات لمختلف الدول، ويوجه رسائل من خلال مشاركته في مختلف الاجتماعات وإدلائه بتصريحات لوسائل إعلام أجنبية، وهو الشيء الذي افتقده الجزائريون لسنوات قبل الحراك، كما أنتجت برلماناً ومجالس شعبية وولائية سمحت بتجنيب البلاد من فراغ في المؤسسات ومن تعطيل لمشاريع التنمية ولمصالح المواطنين"، مشدداً على أنه يصعب في الوقت الحالي تقييم الأداء بسبب ظروف الأزمة الصحية وقصر مدة تولي المسؤولية.
أما من الناحية الاقتصادية، فيضيف بوثلجة، أنه على الرغم من تراجع القدرة الشرائية بسبب الارتفاع المتسارع والعشوائي في الأسعار، فإن الحكومة استطاعت أن تعيد التوازن بعد مواجهتها لعمليات الفساد الكبرى، وبدأت التفكير جدياً في إيجاد بدليل للاقتصاد المبني في مجمله على تصدير المحروقات، وذلك بدعم وتشجيع الاقتصاد المنتج والمبني على المعرفة، الذي ينتظر أن يلعب القطاع الخاص دوراً كبيراً فيه من خلال أعمال واستثمارات رجال المال والأعمال، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القطاع الاقتصادي العمومي. وأشار إلى أن كل ما سبق ذكره يعد مجرد بداية في إطار بناء "الجزائر الجديدة" التي طالب بها الشعب في مسيرات الحراك، جزائر تضمن العيش الكريم والرفاهية لكل مواطنيها وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية، ويستفيد فيها الشعب بكل أطيافه وفئاته من ثرواتها ومقدراتها بصفة عادلة.
وفي رده على تراجع الحريات التي تثيرها عدة أطراف داخلية وخارجية، يقول بوثلجة، إنه خلال فترة 3 سنوات الماضية، اتسمت البلاد بالجمود في الحركة السياسية، حتى لدى أحزاب المعارضة، "لكن لا يمكن الجزم - بحسب رأيي - بأن هذا يحدث بسبب الضغوط والمضايقات". وشدد على أن ما يراه البعض تراجعاً في الحريات يعود إلى حساسية الفترة والتغيرات الكبرى التي جرت خلالها، إضافة إلى وباء "كورونا" الذي قيّد الكثير من النشاطات.
دعوات لإحياء التظاهرات
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتظاهر في جميع أنحاء البلاد، خصوصاً في الجزائر العاصمة وكبريات المدن، بمناسبة ذكرى الحراك الشعبي الثالثة، بعد تعليق تظاهراته الأسبوعية في 13 مارس (آذار) 2020 ، بسبب انتشار فيروس كورونا وقرار السلطات منع كل التجمعات.
وتقف وراء هذه التعبئة جهات خفية ومعلومة تدفع الشعب إلى الخروج للشارع والتظاهر ضد السلطة القائمة بداعي تدهور القدرة الشرائية وارتفاع المواد الاستهلاكية، الأمر الذي جعل الحكومة تعلن عن إجراءات تهدئة وتدابير اجتماعية لاقت ارتياحاً واسعاً لدى الجزائريين، وأهمها إلغاء كل الرسوم والضرائب المفروضة على المواد الاستهلاكية وتخصيص منحة في شكل راتب شهري للعاطلين عن العمل، إضافة إلى إطلاق سراح عدد من الحراكيين والمعارضين.