Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الجزائري وهوس المبالغة

لا يعرف كيف يعبر عن أفراحه ولا حتى عن أحزانه

 في الظاهر يبدو الجزائري كائناً عنيفاً، لكنك حين تحفر خلف هذا المظهر ستكتشف إنساناً آخر بقلب عطوف (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

 أمر محير في سلوك الجزائري، فحين يكون في بلده يحاول أن يتكلم اللغة الأجنبية وفي غالب الأحيان الفرنسية التي يعاديها، وفي فرنسا يصر على الكلام بالدارجة أو العربية أو الأمازيغية.

وكأنما الجزائري كائن من فصيلة بشرية أخرى، وكأنه من سلالة نادرة ومحيرة، جميلة وممتعة ومثيرة أحياناً، فللجزائري خصوصيات تميزه عن غيره من سكان شمال أفريقيا والعرب والمتوسطيين، فله نظام سيكولوجي معقد تشكل في شقاء الاستعمار الذي دام 132 عاماً، ثم تدرج في محنة جرح الهوية العميق الذي رافق تشكل الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال، ثم في تجربته الاستثنائية مع الإسلام السياسي العنيف في العشرية الدموية 1990 – 2000، وفي هذه الورقة سنحاول تعداد بعض هذه الخصوصيات التي تميز شخصية الجزائري عن غيره من الأمم الأخرى.

الجزائري دم ساخن وقلب رقيق

الجزائري لا هو بفقير يمد يده ولا هو براض على وضعه، متذمر باستمرار، وساخط دائماً وفي كل الفصول على نفسه وعلى الآخرين، ففي الظاهر يبدو الجزائري كائناً عنيفاً، في خطابه وفي سلوكه، في العمل وفي العطلة، في الشارع وفي البيت، مع الغريب كما مع الصاحب، يعيش على فلسفة رد الفعل أكثر من عيشه في صلب الفعل، لكنك حين تحفر خلف هذا المظهر ستكتشف إنساناً آخر بقلب عطوف متسامح وشفاف، قد يبكي لموقف عجوز ضيعت طريقها أو قطة فصلت عن صغارها.

والجزائري لا يعرف كيف يعبر عن أفراحه ولا حتى عن أحزانه، ففجأة قد يتحول إلى إنسان عنيف مستعد أن يدمر العالم فوق رأس العالم ويدمر نفسه فوق نفسه إذا ما شاهد ظلماً أو إهانة لشخص في الشارع، وهو متعصب لرأيه تعصباً كبيراً، فهو المؤمن بمقولة "معزة ولو طارت"، ولكنه قادر أن يتنازل عن رأيه بل وعن حقه بكلمة طيبة يسمعها.

الجزائري إنسان متدين كثيراً، متدين حد التطرف، ففكره مشكل من مصفوفة من المسلمات التي لا تناقش ولا يدخلها الشك، وهو في ذلك لا فرق عنده ما بين المعطيات التاريخية والخرافات المؤسسة للدين الشعبي.

والجزائري مرتبط بالماضي بصورة قوية، وتديّنه المبالغ فيه والقائم على المظاهر التي تحجب عنه روح الدين وجوهره الصافي يجعله يبدو في مرات كثيرة، من خلال تعبيرات علنية غاضبة، قريباً من أطروحات "داعش" وأفكار التنظيمات المتطرفة الأخرى، وفي الوقت نفسه حين يهدأ باله ويتوارى غضبه تجده مقبلاً على الحياة ورافضاً هذا الفكر الانتحاري المتعصب.

الجزائري بشكل عام يصوم رمضان من باب الرجولة والقوة، فصيام رمضان بالنسبة إليه هو مناسبة يظهر فيها قدرة تحديه للجوع والعطش، وحتى وهو في الخمارة قد يتخاصم حتى الموت إذا ما سمع أحداً يمس الدين كما يفهمه، فهو حتى في هذا المكان قد يتحول إلى فقيه ومفت وداعية.

اقرأ المزيد

الجزائري يحب فلسطين أكثر من الفلسطيني نفسه، وربما لو سألته عن حدود فلسطين أو تاريخها أو ديانات أهلها، خارج الخطاب السياسي والعسكري وأدبيات المقاومة، تجده لا يعرف عن ذلك الشيء كثيراً، وحبه المتطرف هذا يجعله في بعض المرات مستعداً لتمجيد هتلر واعتباره المنقذ للفلسطينيين ولفلسطين، وقد يصل به الأمر إلى مواقف قريبة من "معاداة السامية"، فهو يكره كل ما هو يهودي أو مرتبط بذلك، وفي الوقت نفسه تجده منتشياً وهو يستمع إلى أغاني يهود الجزائر مثل راينات الوهرانية وليلي بونيش وسليم الهلالي وغيرهم، ويشاهد بمتعة أفلام كثير من المخرجين اليهود ويلبس قمصاناً عليها شارات شركات يهودية عابرة للقارات.

الجزائري يمقت الاستعمار وهذا مفسر تاريخياً، وفي نظره تختصر صورة الاستعمار في فرنسا وحدها، وهذا أيضاً له تفسيره التاريخي، ومن هذا المنطلق فلا أميركا ولا بريطانيا ولا إسبانيا تعد بلداناً استعمارية أيضاً، ومن هذا المنطلق أيضاً لا يتوقف الجزائري عن سب فرنسا صباحاً ومساء، لكن لو سألته عن أي بلد يفضل الهجرة إليه لو سمحت له الظروف بذلك، فستكون فرنسا من اختياراته الأولى وربما على مضض.

الجزائري وطني متشدد

الجزائري كائن متشبع بالثقافة الوطنية الصارمة، وطني حتى النخاع، وحماسته الوطنية توصله مرات كثيرة إلى أعتاب الشوفينية، فهو مستعد للموت في سبيل وطنه في كل لحظة، وهو في الوقت نفسه يتمنى الهرب من هذا الوطن الذي يموت من أجله، إنه كائن حائر بين الحب والتنكر.

الجزائري أكثر الشعوب تشبثاً برايته الوطنية التي هي الرمز الأعلى للأمة، فتراه يرفع العلم في كل مناسبة، من مباراة في كرة القدم إلى تظاهرة سياسية إلى حفل عرس عائلي، وفي كل الأماكن من القدس إلى غزة إلى باريس إلى مونتريال.

ينتقد الجزائري بشدة خدمات شركة الخطوط الجوية الجزائرية، ويطلق عليها لقب "طيران الكسكسي"، لكنه حين يجرب الركوب على متن شركة أجنبية تسمعه يردد "إير كسكس أفضل من إير فرانس"، أي طيران الكسكسي أفضل من طيران فرنسا، وحين يغادر الجزائري بلاده إلى بلاد المهجر، يغادرها في غالب الأحيان وهو يلعن ويقسم ألا يعود لها، ولكن ما إن يستقر بعيداً في بلاد الغربة حتى تتحرك فيه وبسرعة نار الوطنية القوية، فيتحول إلى مدافع شرس حد التطرف ولا يسمح بأية كلمة نقد في حق وطنه، حتى ولو كان هذا النقد واقعياً وحقيقياً.

الجزائري لا يسكن المنطقة الوسطى بل ولا يعرفها، أو قليلاً جداً، فهو يعيش حياته في حال من التطرف المتواصل في العشق كما في الكراهية، وفي الرفض كما في القبول.

الجزائري إنسان نوستاليجي، يهجر البلد ساخطاً على الوضع، وفي الغربة يتحول إلى كائن نوستاليجي غريب يحن إلى "ليموناضة حمود بوعلام" و"زلابية بوفاريك" و"كسكسي تلمسان" و"تمر بسكرة"، ويحب شمس تمنراست ويجدها أعظم شمس على الإطلاق، ويحب زيت زيتون بلاد القبائل ويعتبره أجود زيت على وجه البسيطة، وعسل البويرة وحلوى "جوزية قسنطينة" وبرتقال سهول المتيجة وبطاطا معسكر وأغاني "راي وهران".

إنه أمر محير في سلوك الجزائري، فحين يكون في بلده يحاول أن يتكلم اللغة الأجنبية، وفي غالب الأحيان الفرنسية التي يعاديها، وفي فرنسا يصر على الكلام بالدارجة أو العربية أو الأمازيغية.

الجزائري يريد امتلاك المرأة.، وباسم "النيف" يبدو الجزائري عنيفاً في تصرفاته تجاه المرأة، أختاً أو زوجة أو جارة أو زميلة في العمل، لكنك حين تحفر قليلاً تحت جلد هذا الإحساس الظاهري المتعصب ستجد إنساناً رقيقاً وقلباً شفافاً وكائناً آخر يشبه الحمل الوديع في صورة نمر هائج.

المزيد من آراء