ورقة الاتفاق النووي صارت على الطاولة، بحسب الأجواء المعلنة في مفاوضات فيينا. وزير الخارجية الفرنسي المتشائم عادة يسبق التفاؤل الروسي هذه المرة ويتحدث عن "اتفاق خلال أيام أو مواجهة العالم لأزمة انتشار نووي حادة". وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المتهافت على اتفاق يتكلم عن أسابيع، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان يعلن من "مؤتمر ميونيخ للأمن" أن المفاوضات "تقترب من اتفاق جيد في متناول اليد على أساس المبادرات الإيرانية"، لكن الواقع أن هناك 30 في المئة من نقاط الاتفاق لا تزال بين قوسين، أي بلا حل، فما تصر عليه جمهورية الملالي، كما يقول أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الأدميرال علي شمخاني، هو "الضمانات والتحقق، لأن عدم إلتزام أميركا الموثق يهدد أي اتفاق"، وهذا ما لا تستطيع إدارة الرئيس جو بايدن تقديمه على الرغم من إصرارها على الاتفاق، لأنه لا أحد يعطي ما ليس في يده، فلا رئيس يمكن أن يضمن ألا يقوم رئيس آخر بالخروج من الاتفاق إلا إذا وافق الكونغرس عليه وصار معاهدة، وهذا ما هرب منه الرئيس باراك أوباما ويهرب منه بايدن، لأن الكونغرس سيسقط الاتفاق، ولا مجال لما سماه عبداللهيان الاكتفاء بأن يتعهد الكونغرس والمجالس النيابية الأوروبية أو رؤساؤها بصدور "إعلان سياسي" حول الضمانات، فالتشاطر له حدود.
ذلك أن طهران في مأزق الحاجة إلى رفع العقوبات والإصرار على السقف العالي الذي فرضه المرشد الأعلى علي خامنئي على المفاوض، وإدارة بايدن في ورطة مزدوجة، الانقسام السياسي في الداخل وتنامي الاعتراض على تنازلات الإدارة الكبيرة من أجل الاتفاق، ليس فقط لدى الحزب الجمهوري بل أيضاً في أوساط الحزب الديمقراطي الحاكم، واستياء الحلفاء والأصدقاء في الشرق الأوسط من رضوخ واشنطن لإملاءات الملالي الذين رفضوا التفاوض المباشر معها والبحث في أي موضوع خارج الملف النووي. ريتشارد نيفيو الذي استقال من "الخارجية" ومن منصبه كنائب لرئيس الوفد المفاوض روبرت مالي، قال صراحة إن السبب هو "خلاف حقيقي يتعلق بالسياسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجنرال مايكل كوريلا الذي سيتولى قيادة المنطقة الوسطى خلفاً للجنرال كنيث ماكنزي أعلن أمام مجلس الشيوخ الذي وافق بالإجماع على تعيينه أن "هناك مخاطرة بأن تؤدي الإعفاءات من العقوبات إلى استعمال إيران بعض الأموال لدعم وكلائها والإرهاب في المنطقة، بما يزيد من تهديد قواتنا هناك".
وفي حوار مع مثقفين فرنسيين قالت مستشارة الأمن القومي أيام الرئيس بوش الابن كوندوليزا رايس، إن "الغرب أخطأ في قبول الاتحاد السوفياتي بشروطه في الحرب الباردة، ويجب ألا يرتكب الغلطة نفسها مع إيران وهي دولة توتاليتارية".
وليس هناك اتفاق جيد بالنسبة إلى الغرب الأميركي والأوروبي، أولاً لأن الغرب تنازل عن التفاوض في شأن ملفات الصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي لإيران و"السلوك المزعزع للاستقرار"، وثانياً لأن مبرر السرعة هو أن مدة تأخير طهران عن الحصول على المواد الضرورية لصنع قنبلة بعد حصولها على المعرفة، هو مجرد "تسعة شهور" بحسب الخبراء و"خمسة أسابيع" بحسب إدارة بايدن، ولم يكن أمراً بسيطاً إجراء الملالي تجربة على صاروخ "خيبرشكن" الذي يعني "تدمير خيبر" ومداه 1450 كيلومتراً.
أما بالنسبة إلى إيران فإن "الاتفاق الجيد" هو الاتفاق الذي تحصل فيه على عودة أميركا للاتفاق، رفع العقوبات، الاستمرار في البرنامج الصاروخي والتمدد في الشرق الأوسط وتمويل الميليشيات التي تقاتل عنها، ثم القنبلة، فلا شيء يمنعها من الاستمرار في الشق العسكري من برنامجها النووي بشكل سري كما فعلت حتى الآن، على الرغم من رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا معنى لتكرار الكلام عن فتوى بتحريم السلاح النووي، لأنه لا دولة تنفق مئات المليارات من الدولارات وتتحمل أقسى العقوبات من أجل برنامج نووي للأغراض السلمية يستعد العالم كله لمساعدتها فيه، والكل يعرف أن مثل هذا الاتفاق النووي سيدخل المنطقة في مرحلة فوضى واضطراب أخطر مما نراه الآن، ومن الوهم أن يكون فرصة لما تريده أميركا من تخفيف التزاماتها في الشرق الأوسط للتركيز على الشرق الأقصى.