كشف محللون اقتصاديون أن قيام الدول الغربية باستبعاد روسيا من نظام "سويفت"، ستكون له تداعيات مباشرة وخطيرة على الاقتصاد الروسي، وربما تستمر التداعيات إلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني في الوقت الحالي من قائمة طويلة من المشكلات والأزمات.
وأعلن الحلفاء الغربيون لأوكرانيا، عقوبات جديدة شاملة على روسيا تضمنت حرمان بنوكها الرئيسة من الاستفادة من نظام "سويفت" المالي العالمي للتعاملات بين البنوك، في خطوة أشادت بها أوكرانيا.
ووفق بيان، قال الحلفاء الغربيون في تصعيد لردهم العقابي، "عازمون على الاستمرار في فرض تكلفة باهظة على روسيا من شأنها أن تزيد من عزلة روسيا عن النظام المالي الدولي واقتصاداتنا"، وجاء في بيان مشترك للولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا وبريطانيا والمفوضية الأوروبية، "سننفذ هذه الإجراءات خلال الأيام المقبلة".
وقال الحلفاء إنهم ملتزمون "بضمان استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام سويفت للمراسلات"، ولم يذكروا أسماء البنوك التي سيتم استبعادها لكن دبلوماسياً من الاتحاد الأوروبي قال إن نحو 70 في المئة من السوق المصرفية الروسية ستتأثر، وكان الحلفاء تجنبوا في بادئ الأمر مثل هذه الخطوة إلى حد كبير بسبب مخاوف من التأثير على اقتصاداتهم.
الأزمة قد تمتد إلى الاقتصاد العالمي
وفي تعليقه، قال مدير مركز "كورم" للدراسات، ومقره لندن، طارق الرفاعي، إن العقوبات المالية المتعلقة بنظام "سويفت" سيكون لها تأثير مباشر على قدرة الشركات والبنوك الروسية في تلبية أعمالها التجارية في دول أخرى، وأوضح أن ظهور تداعيات العقوبات الاقتصادية غالباً ما تستغرق بعض الوقت للظهور، لكن استخدام نظام "سويفت" في العقوبات، سيكون له تأثير مباشر وقوي على البنوك والشركات الروسية التي لها أعمال تجارية في الخارج، وعقب استبعاد روسيا من هذا النظام، لن تتمكن البنوك والشركات من تلبية حجم أعمالها في الخارج.
وأشار إلى أن استخدام هذه الورقة في الضغط على روسيا، سوف تمتد تداعياتها إلى الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من أزمات ومشكلات عدة خانقة في الوقت الحالي، بخاصة أن روسيا تسيطر على حصة كبيرة في سوق النفط العالمية، وقبل استخدام هذه العقوبة تشهد أسواق النفط ارتفاعات كبيرة ما يؤكد أنه عند تطبيقها سوف تتأثر السوق بشكل كبير وسوف ترتفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية جديدة.
وفي ما يتعلق باستعداد روسيا لمثل هذه العقوبات، قال الرفاعي، إنه خلال عام 2014، عندما اعتدت روسيا على جزر القرم، كان هناك تهديد أوروبي وأميركي باستخدام هذه العقوبة، بالتالي، فمن المتوقع أن يكون هناك استعداد روسي لمثل هذه العقوبة، لكن مهما كان حجم الاستعداد، فإن الاقتصاد الروسي لن يتحمل استمرار استبعاده من نظام "سويفت" العالمي.
سلاح نووي مالي
وفي وقت سابق، وصف وزير المالية الفرنسي برونو لومير قرار استبعاد روسيا من نظام "سويفت"، بأنه "سلاح نووي مالي" بسبب الضرر الذي سيلحقه بالاقتصاد الروسي إذ سيوجه ضربة للتجارة الروسية ويجعل من الصعب على شركاتها القيام بتعاملات تجارية.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، "نحن ملتزمون بضمان إخراج عدد محدد من البنوك الروسية من نظام سويفت"، وأضافت أن "هذا يضمن عدم اتصال هذه البنوك بالنظام المالي الدولي ما يضر بقدرتها على القيام بالعمليات عالمياً"، وتابعت أن "كل هذه الإجراءات سوف تضر بشكل كبير بقدرة بوتين على تمويل حربه وسيكون لها تأثير شديد التدمير على اقتصاده".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن للعقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي أن تحد من استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتياطاته الدولية التي تزيد على 630 مليار دولار ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تحمي روسيا من بعض الأضرار الاقتصادية، وعلق على ذلك رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال على صفحته الرسمية بموقع "تويتر" بقوله، "شكراً لأصدقائنا... لالتزامهم باستبعاد بنوك روسية عدة من نظام سويفت".
وفي وقت طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، باستبعاد روسيا من نظام "سويفت" وفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، فقد اعتبر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أن الذين يعارضون استبعاد روسيا من نظام "سويفت"، "ستكون أيديهم ملطخة بدماء الرجال والنساء والأطفال الأبرياء في أوكرانيا".
العقوبات تمتد إلى تجميد أصول ضخمة
في تقرير حديث، كشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن استبعاد البنوك الروسية من نظام "سويفت" المالي العالمي سيكون له تأثير هائل عليها، مشيرة إلى أن هذه الخطوة قيد الدراسة لكنها لم تنفذ بعد، وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه تقرر استبعاد البنوك الروسية من النظام المالي في لندن في إطار فرض مزيد من العقوبات، وأضاف جونسون للبرلمان، "ستمكننا هذه الصلاحيات من استبعاد البنوك الروسية تماماً من النظام المالي في المملكة المتحدة، وهو بالطبع الأكبر في أوروبا بفارق كبير، ما يحول دون وصولها إلى مدفوعات الجنيه الاسترليني والمقاصة عبر المملكة المتحدة"، وقال إن الولايات المتحدة تتخذ تدابير مماثلة، وتابع، "سوف تمكننا هذه الصلاحيات أيضاً من حظر الشركات الروسية الحكومية والخاصة من جمع أموال في المملكة المتحدة، وحظر التعامل في أوراقها المالية ومنحها القروض. سنحد من الأموال التي يمكن للمواطنين الروس إيداعها في حساباتهم المصرفية بالمملكة المتحدة".
ومن بين الذين تستهدفهم العقوبات الغربية بشكل فوري، بنك "في تي بي بنك"، والمجموعة الحكومية "روستيك"، وسيتجاوز عدد المدرجين في مجموعة الأفراد والكيانات والشركات التابعة في النهاية الـ 100، كما من المقرر منع هبوط رحلات شركة الطيران "إيروفلوت" في بريطانيا.
ويوم الخميس الماضي، فرضت بريطانيا سلسلة جديدة من العقوبات على روسيا رداً على غزوها أوكرانيا، فحظرت شركة "إيروفلوت" للطيران واستهدفت القطاع المصرفي وصادرات التكنولوجيا وخمسة رجال أعمال. وقال مسؤولون بريطانيون إن تجميد الأصول سيطال أكثر من 100 كيان روسي لا سيما مصرف "في تي بي" ومجموعة "روستيك" العسكرية العملاقة، كما تعتزم بريطانيا إصدار تشريعات تمنع الدولة الروسية من جمع الأموال في لندن وتحظر تصدير تجهيزات "ثنائية الاستخدام" (أي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية)، كذلك ستصدر قوانين تحدد سقفاً للأموال الروسية التي يمكن إيداعها في حسابات في المصارف البريطانية.
وفي أميركا، قال الرئيس جو بايدن إنه فرض عقوبات على بنوك روسية لديها أصول بـ 1.4 تريليون دولار، وأكد بايدن أن الولايات المتحدة لن تفرض حظراً على نظام "سويفت" المصرفي في الوقت الحالي، وأضاف، "شركات النفط والغاز ينبغي ألا تستغل الأزمة لرفع الأسعار"، مؤكداً أنه يعمل على تأمين إمدادات عالمية من الطاقة، وفي معرض حديثه قال الرئيس الأميركي، "سنفرج عن نفط إضافي من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي تبعاً لمقتضيات الحاجة".
تأثيرات مباشرة على البنوك والشركات
و"سويفت" هو نظام مراسلة آمن تستخدمه آلاف البنوك حول العالم في بورصاتها من أجل إجراء تحويلات بسيطة لتسوية معاملات عملائها أو تبادل الأوراق المالية أو الأسهم أو السندات. ومن الناحية الرسمية، يعتبر "سويفت" جمعية تعاونية بموجب القانون البلجيكي، تأسست في السبعينيات، ويتيح هذا النظام إمكانية تأمين وأتمتة عمليات التبادل، بالتالي توفير وقت كبير مقارنة بأجهزة الفاكس القديمة.
ولتوضيح أهمية هذا النظام لروسيا، ضربت "لوفيغارو" المثال التالي: إذا اشترت مجموعة النفط الروسية "نوفاتيك" مضخة لآبارها من مورّد ألماني فإن رسالة "سويفت" من بنك "نوفاتيك" الروسي المرسلة إلى البنك الألماني للمورّد ستؤمّن الدفع تلقائياً، لذلك، فإن "سويفت مادة تشحيم ثمينة لميكانيكا الأعمال التجارية في العالم"، وقالت إن هناك نحو 11 ألف عضو في نظام "سويفت"، بما في ذلك قرابة 300 بنك روسي، فإذا تم فصل البنوك الروسية بقرار من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة عن رسائل "سويفت"، فسيتعين عليها تنفيذ معاملاتها مع شركائها الأجانب بالطريقة القديمة، أي عن طريق "الفاكس"، وهو أمر يستغرق وقتاً طويلاً للغاية.
كما يمكن أن يتم ذلك عبر تبادل رسائل بريد إلكتروني أو رسائل من نوع "تليغرام"، لكنها تتطلب تدخلاً بشرياً ولا تقدم ضمانات الأمان نفسها، وستكون تلك المعاملات أيضاً "مملة وخطيرة، وسوف تنطوي على مخاطر قانونية، لذلك سيكون هناك تأثير على الاقتصاد الحقيقي".
وتذكر الصحيفة أن روسيا أخذت العبرة من العقوبات التي فرضت على إيران والتي حرمتها من هذا النظام منذ 2012، وكان تأثيره، بحسب المسؤول الفرنسي، "هائلاً". وإيران لا تتمتع بالمكانة المالية نفسها التي تتمتع بها روسيا، وقد طور البنك المركزي الروسي برنامج خدمة رسائل مالية "أس بي أف أس"(SPFS) منذ عام 2014 ودخل الخدمة عام 2019.
وقال أوليفييه دورغانز، وهو محام متخصص في العقوبات الدولية، إن "حوالى 400 مؤسسة مالية وبنك روسي مشتركة فيه وثمانية بنوك أجنبية فقط"، ما يعني أن البديل المحلي لنظام "سويفت" لن يسمح بالتبادلات السلسة والآمنة مع الدول الأجنبية، وأكد أن "حجب سويفت سيجعل البنوك الروسية منبوذة"، وأضاف أن "روسيا تعتمد بشكل كبير على سويفت بسبب صادراتها الهيدروكربونية التي تبلغ مليارات الدولارات"، وسيقلص فصل البنوك الروسية عن "سويفت" حجم المعاملات الدولية، وسيؤدي إلى تقلبات أسعار العملات، وهروب رؤوس أموال هائلة إلى الخارج.