في ظل تصاعد الأزمة الأوكرانية واتساع العقوبات الغربية على موسكو، يبدو أن أوروبا المتخوفة من انخفاض إمدادات الغاز الروسي، تعول على الجزائر لتزويدها بكميات إضافية، وهو ما تترجمه زيارة مفاجئة لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى الجزائر، والذي وصفه مراقبون بـ"الموفد الأوروبي".
طلب رسمي
وحمل الدبلوماسي الإيطالي رسالة مباشرة إلى السلطات الجزائرية مفادها حاجة بلاده لكميات إضافية من الغاز، واصفاً الجزائر بالمزود الموثوق للغاز في السوق الدولية، إذ فور وصوله للجزائر، الإثنين، أعلن دي مايو عبر تغريده له، بأن جدول مباحثاته مع المسؤولين الجزائريين يتضمن "تعزيز التعاون الثنائي، لا سيما لتلبية حاجات أمن الطاقة الأوروبية في ضوء النزاع في أوكرانيا".
وصرح دي مايو، "هدفنا هو حماية الشركات والعائلات الإيطالية من عواقب هذه الحرب الوحشية"، مبرزاً أن "حكومة بلاده ملتزمة بزيادة إمدادات الطاقة، وبخاصة الغاز من مختلف الشركاء الدوليين"، بما في ذلك الجزائر "التي لطالما كانت مزوداً موثوقاً".
وقال عقب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون: "رافقني الرئيس التنفيذي لشركة إيني، كلاوديو ديسكالزي، وهذا يؤكد التزامنا التام للتفاوض بشأن كميات إضافية من الغاز وتجسيدها في أقرب الآجال".
وجددت "إيني" عقود إمدادها بالغاز من "سوناطراك" الجزائرية لمدة 10 سنوات، في 2019، بكميات سنوية تصل 12 مليار متر مكعب، وأيضاً تستورد إيطاليا الغاز الجزائري عبر شركتي "إينال" و"إديسون" كميات سنوية تفوق 4 مليارات متر مكعب، كما تشير وثائق عقود الشراكة.
امتصاص الصدمة
حالياً تزود الجزائر إيطاليا بالغاز عبر أنبوب "ترانسميد - إنركيو ماتاي"، الذي ينقل الغاز من حقل "حاسي الرمل" في جنوب البلاد، مروراً بالأراضي التونسية وصولاً إلى جزيرة صقلية جنوب إيطاليا.
وتعقيباً على "الطلب الإيطالي"، قال المحلل في الشؤون الاقتصادية، حمزة بوغادي، إن "الدول الأوروبية تحاول حالياً امتصاص الصدمة الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والخروج منها بأقل الأضرار إذ تضع في حساباتها إمكانية وقف موسكو إمدادات الغاز في حال استمرار التضييق الغربي على روسيا واستمرار فرض العقوبات عليها".
ووفق تصريح بوغادي لـ"اندبندنت عربية"، فإن ما يعزز هذه القراءة، هو أن "الدول الأوروبية تحتاط للأسوأ، وهو ما يترجم جولات البحث عن بدائل لإمدادات الطاقة، منها زيارة وزير الخارجية الإيطالي للجزائر، الذي يعتبر بمثابة موفد الدول الأوروبية بحكم أنه العميل الأول للجزائر في مجال الطاقة، والغاز على وجه التحديد ويبحث حالياً عن ضمان رفع الحصة لتلبية حاجيات الدول الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الجهة المقابلة، يعتقد المحلل الجزائري أن "الحماس الأوروبي لرفع كميات الغاز، يقابله ما وصفه بتحفظ واضح من الدول المنتجة، في ظل تزامنه مع سياق صراع بين روسيا والغرب، إذ هناك تفاعل جزائري حذر، وهو نفس الأمر بالنسبة لقطر التي تبدو غير مستعدة لإمدادات إضافية مخافة الوقوع في فخ الاستقطاب، بحسب تصريحات مسؤوليها"، مضيفاً "القرارات الاقتصادية في مثل هذه الحالات تكون مدروسة وغير متسرعة، حتى لو كانت تشكل صفقات تجارية مربحة".
تريث وصمت جزائري
وبينما لم يتضح موقف الجزائر من إمكانية تزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز، والذي سيكون عن طريق تجديد العقود في حال الموافقة، صرح وزير الخارجية الإيطالي في نهاية زيارته إلى الجزائر الثلاثاء، لتلفزيون "راي" الإيطالي الحكومي نقلته وكالة "رويترز" بأن الزيارة حملت "نتائج جيدة"، مشيراً إلى أن الشراكة بين بلاده والجزائر ستصبح أقوى مستقبلاً.
وفي رأي خبراء، فإن الجزائر مثلها مثل الدول المنتجة للغاز تحاول النأي بنفسها عن الصراع الدائر في شرق أوروبا، وعدم الوقوع تحت الضغط الغربي، وهو ما يجعلها تتريث في التفاعل مع المطلب الأوروبي في تزويدها بإمدادات إضافية.
واللافت أن هذا الملف يشكل حساسية بالنسبة للسلطات الجزائرية التي تربطها علاقات قوية مع حليفها العسكري روسيا، في حين يقف شركاؤها الاقتصاديون في أوروبا على الضفة الأخرى.
ويبدو ذلك جلياً من امتعاض الحكومة الجزائرية بسبب تقرير لصحيفة "ليبرتي" الناطقة باللغة الفرنسية، يخوض في هذا النقاش، إذ أجرت الصحيفة المحلية حواراً مع مدير مجمع "سوناطراك" توفيق حكار، نقلت على لسانه، أن "الجزائر مستعدة لزيادة إمدادات الغاز نحو أوروبا"، وهو التصريح الذي تناقلته وسائل إعلام عالمية، بيد أن "سوناطراك" أصدرت بياناً أعلنت فيه قرارها رفع شكوى ضد الصحيفة الورقية، لدى محكمة بالعاصمة، بتهمة "التلاعب وتحريف تصريحات الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك، توفيق حكار".
وفي نص الحوار، قال حكار، إن هناك قدرة على زيادة تموين أوروبا بالغاز، ولم يشر إلى استعداد الجزائر للقيام بذلك، بحسب البيان التوضيحي، ما يعني أن الجزائر لم تتخذ القرار بعد في هذا الشأن.
وذكر المدير العام لمجمع "سوناطراك"، أن "للمجموعة قدرة غير مستخدمة على خط أنابيب ترانسميد"، والذي يمكن استخدامه "لزيادة الإمدادات إلى السوق الأوروبية"، مبرزاً أن أوروبا هي "السوق الطبيعية المفضلة" للجزائر التي تسهم حالياً بنسبة 11 في المئة من وارداتها من الغاز لأوربا".
وسجلت الجزائر ارتفاعاً في إنتاج المحروقات قدر بـ14 في المئة، بينما ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي 23 في المئة، بحيث استطاعت تعزيز حضورها في القارة الأوروبية، كمصدر موثوق للغاز الطبيعي المسال خلال الأعوام الماضية، وفق تصريحات سابقة للرئيس الجزائري، حيث تصل إمداداتها عبر خطوط أنابيب وأيضاً من خلال أسطول بواخر للغاز المسال. وجددت شركة "سوناطراك" (حكومية) معظم عقود توريد الغاز إلى دول أوروبية بين عامي 2018 و2019، بفترات تمتد من 5 إلى 10 سنوات.
لكن عملياً، يؤكد متابعون أن الجزائر لا يمكن أن تعوض وحدها الانخفاض في إمداد الغاز الروسي، ولا تستطيع أن تكون بديلاً، وهي تحتاج لعدة سنوات لتصل إلى تلك المرحلة، حيث تخطط لاستثمار 39 مليار دولار بين 2022 و2026 سيخصص 70 في المئة منها للاستكشاف والتطوير، وبخاصة في حقلي حاسي مسعود (نفطي)، وحاسي الرمل (غازي)، وفق ما أعلن عنه تبون، أخيراً.
وتعتمد أوروبا على روسيا في نحو 40 في المئة من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب، منها "يامال- أوروبا" الذي يعبر بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا، و"نورد ستريم 1" الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا مروراً بأوكرانيا.