عند الاستماع في نشرة الأخبار عن إقامة جدار فصل بين دولة وأخرى، فإنه بطبيعة الحال سيذهب فكر المشاهد إلى منع المهاجرين من الانتقال من بلد فقير إلى بلد أثرى، أو من بلد عنيف إلى بلد آمن كما هي الحال في حائط الفصل الحديدي بين الولايات المتحدة والمكسيك الذي بدأ تشييده مع الرئيس جورج بوش الابن واستكمله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وقدّرت كلفته بـ 5.7 مليار دولار. والجدار قد يقام لمنع العمليات العسكرية ضد الاحتلال كما هي الحال في حائط الفصل الإسرائيلي الذي سوّر إسرائيل بمحاذاة الضفة الغربية وحاصر قطاع غزة. وهناك جدار الفصل السياسي الذي لا هدف له سوى إقامة "ستاتيكو" سياسي وديموغرافي وجغرافي كما كانت الحال في جدار برلين في أيام الحرب الباردة. وبالطبع لن ننسى الأمثلة التاريخية الشهيرة مثل جدار "هادريان" للإمبراطورية الرومانية وسور الصين العظيم. حديثاً يقدر الطول الإجمالي للأسوار الحدودية في أوراسيا وحدها، باستثناء الشرق الأوسط، حوالى 30 ألف كيلومتر بحسب مجلة "ميموريال - مدافعون عن الحياة البرية".
هذا على الرغم من أن الأمثلة التاريخية عن الجدران لا تؤكد سوى أن لكل جدار سلّماً، كما تقول جانيت نابوليتانو حاكمة ولاية أريزونا ووزيرة الأمن الداخلي للرئيس باراك أوباما، "أرني جداراً طوله 50 قدماً، وسأريك سلماً بطول 51 قدماً".
بعيداً من البشر... ماذا عن الكائنات الأخرى؟
قليلون هم الذين يتساءلون عن مصير الكائنات الحيّة التي تنتقل من بلد إلى آخر من دون أن تعرف معنى للحدود التي يرسمها البشر، والحيوانات التي تقوم بهجراتها السنوية وفقاً لمواسم معينة منذ ملايين السنين قبل أن يأتي البشر ويقرروا لأسبابهم الغريبة التي لا تفهمها الحيوانات أن يقيموا جدراناً تمنع هذه الحيوانات من القيام برحلاتها السنوية الغريزية، والتي حين تصطدم بالجدران تخلق ضياعاً كبيراً في عالم الحيوان، بالتالي في كل الدورة الطبيعية البيئية المترابطة ببعضها البعض. الأمر لا ينطبق على الجدران الحقيقية فقط التي ترتفع عنوة، بل في الهند مثلاً، يشكو المزارعون والفلاحون وسكان المدن من هجومات كثيرة للأفيال والقطط الكبيرة على قراهم وأحيائهم، وكذلك الأمر في قرى القطب الشمالي وفي ألاسكا مع الدببة القطبية البيضاء ودببة الغابات البنية، وتبين أن من قام بالهجوم الأول هم البشر أنفسهم الذين بنوا أماكن سكنهم في طرق سير هذه الحيوانات وانتقالها السنوي.
الصحافية الاستقصائية بي لورا باركر في بحثها المنشور في مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" في 10 يناير (كانون الثاني) 2019، كتبت تعليقاً على جدار الفصل المكسيكي، "أياً كان ما يبنونه، فإنه سيدمر الموئل الطبيعي في واحدة من أكثر المناظر الطبيعية حساسية في أميركا الشمالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على سبيل المثال، تمتد الحدود لمسافة 1954 ميلاً (نحو 3145 كيلومتراً) من خليج المكسيك في تكساس إلى المحيط الهادئ في كاليفورنيا، فوق واحدة من أكثر المناظر الطبيعية تنوعاً في البلاد. وهي تشمل ست مناطق بيئية منفصلة تتراوح من الصحراء الصحراوية إلى الغابات الحرجية إلى مستنقعات الأراضي الرطبة، والمياه العذبة والمالحة. وبناء جدار حدودي سيؤدي إلى فصل النطاق الجغرافي بين 1506 أنواع من الحيوانات والنبات التي سيمنعها الجدار من الانتقال والهجرة أو التلاقح، ومنها 62 نوعاً مدرجاً على أنه معرض للخطر الشديد، هذا عدا عن أن الجدار سيزيد من تآكل التربة ما يؤدي بالتأكيد إلى تغيير ممرات المياه وتدفقاتها، ما يؤثر في الحشرات والنباتات والحيوانات والطيور المرتبطة بتوزّع هذه المياه طبيعياً قبل الجدران، وكذلك سيبدّل في التوازن الطبيعي للغابة في حماية نفسها وتجدّدها، وربما في ارتفاع نسبة وقوع الحرائق.
وفي مثال واقعي لهذه المخاوف، وقعت كوارث الفيضانات في ولاية أريزونا بعد بناء 700 ميل (نحو 1127 كيلومتراً) من السياج خلال إدارة جورج دبليو بوش، وباتت الحواجز بمثابة سدود أثناء الفيضانات المفاجئة في موسم الأمطار.
الجداران الأميركي والإسرائيلي
وفي التحقيق ذاته، خلصت إلى أن الجدار الحدودي يمكن أن يفصل 346 نوعاً من أنواع الحياة البرية المحلية عن 50 في المئة أو أكثر من نطاقها الذي يقع جنوب الحدود، وهذا يزيد من مخاطر تقليص وعزل الحيوانات والحد من قدرتها على التجول بحثاً عن الطعام والماء، ويوقف الترابط والتزاوج في ما بينها.
وحول الجدار نفسه، توصل روزفلت إيزيمنت من جماعة "المدافعون عن الحياة البرية"، هل يمكن للجدار أن يعيق طائراً قادراً على الطيران؟ يبدو غير منطقي، لكن البومة القزمة الحديدية لا تطير عالياً وبسهولة فوق الأشجار بل بمتوسط ارتفاع طيران يبلغ 1.4 متر فوق سطح الأرض.
أما بخصوص جدار الفصل الإسرائيلي في غزة، فقد كتبت انتصار أبو جهل في مجلة "المونيتور" أن هذا الجدار يمنع حيوانات برية كثيرة تعيش في شرق المتوسط من التنقل والتزاوج مثل الغزلان والثعالب والذئاب والضباع وغيرها، وهذا الجدار يمتد على أكثر من 65 كيلومتراً بارتفاع ستة أمتار عن سطح الأرض، واستغرق بناء الجدار، الذي يضم أيضاً سياجاً فوق الأرض ومسارات معبدة وخنادق، حوالى ثلاث سنوات ونصف السنة، كما يشتمل الجدار على حاجز بحري مزود بتقنية الكشف عن التسلل عن طريق البحر ونظام أسلحة يتم التحكم فيه عن بعد ومجموعة من الرادارات والكاميرات وغرف قيادة وتحكم.
في الشق البيئي، فإن الجدار يعيق الحركة الطبيعية للحيوانات البرية والزواحف والأرانب البرية والغزلان وابن آوى والنمس المصري وقطط الغابة والنيص، وأدى الجدار إلى ظهور سريع لآثار تقويض التوازن البيئي والبيولوجي والتنوّع الحيواني في قطاع غزة، حيث بدأت أعداد وأنواع الثدييات والزواحف والطيور البرية بالتدهور بالفعل بسبب الزحف العمراني وتقلص المناطق الزراعية، خصوصاً أن قطاع غزة يعتبر المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم، أي نسبة سكانه إلى مساحة الأرض.
وبحسب قسم البيئة في جامعة غزة، فإن التوازن الدقيق في البرية يؤثر في مختلف مناحي الحياة وتحديداً بسبب انقراض شبه كامل لبعض أنواع الطيور الغازية التي تقتات من القوارض التي تضر بالمحاصيل الزراعية وتدمر أعشاش الطيور وتنقل الأمراض التي قد تنتقل إلى الإنسان.