وسط اتهامات متبادلة ومخاوف مستقبلية سيتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن خلال ساعات مع نظيره الصيني شي جينبينغ في أول مناقشة بينهما منذ ثلاثة أشهر، إذ ينتظر أن يناقش الزعيمان ما يصفه البيت الأبيض بإدارة المنافسة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، فضلاً عن الحرب في أوكرانيا، فما الذي يعنيه الأميركيون بإدارة المنافسة؟ وكيف يؤثر ذلك في الحرب الدائرة الآن في أوروبا؟
قبل أيام قليلة، أرسلت الولايات المتحدة برقية دبلوماسية إلى الصين أبدت فيها انزعاجها من انفتاح بكين على تزويد روسيا بالمساعدة العسكرية والمالية كجزء من دعم حربها على أوكرانيا، وهو ما نفته كل من بكين وموسكو لاحقاً باعتبارها معلومات كاذبة، لكن ما أعقب ذلك من اجتماع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في روما مع مستشار السياسة الخارجية الصينية البارز يانغ جيتشي وتحذيره من العواقب المحتملة على بكين، قوبل باستهجان ورفض صيني، ولهذا كان لا بد من رفع درجة الحوار إلى قمة افتراضية بين بايدن وشي جينبينغ للإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة بين البلدين، ومناقشة ما وصفته المتحدثة باسم البيت الأبيض بإدارة المنافسة بين الجانبين وكذلك الحرب في أوكرانيا وغيرها من القضايا الأخرى.
ما المقصود بإدارة المنافسة؟
منذ توليه منصبه، شدد الرئيس الأميركي على أن إدارة المنافسة مع الصين تمثل أولوية طويلة الأجل للأمن القومي والاقتصاد للولايات المتحدة، إذ عبر مراراً عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة عند نقطة انعطاف تاريخية تتطلب منها أن تظهر أن الديمقراطيات العالمية قادرة على التنافس مع ما يصفها بالأنظمة الاستبدادية مثل الصين وروسيا، لكنه أوضح أيضاً أن أهداف سياسته تجاه الصين هي إيجاد طرق للتعاون مع بكين في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل منع كوريا الشمالية من تطوير أسلحة نووية وإقناع طهران بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
ومع ذلك، ظل بايدن يأمل أن يستخدم علاقته الشخصية الصريحة مع زعيم الصين للحيلولة دون احتمال نشوب حرب باردة أو صدام عسكري مباشر بين الولايات المتحدة كقوة عظمى حالية في العالم والصين كقوة عظمى صاعدة.
أزمة المساعدات
غير أن دائرة المنافسة مع الصين اتسعت مع مرور الأيام، واعتبرت واشنطن هجوم روسيا على أوكرانيا اختباراً آخر للمنافسة الأميركية الصينية وبخاصة مخاوف الولايات المتحدة من تقديم الصين مساعدات لموسكو، ما يمكن أن يضعف من قبضة القوات الأوكرانية في البلاد وتوفير ثقل موازن للعقوبات الغربية القاسية المفروضة على الاقتصاد الروسي، بخاصة أن مع اعتقاد عدد من المسؤولين الأميركيين بأن الرئيس الصيني ربما يشعر بالقلق من كيفية أداء الجيش الروسي في أوكرانيا، وأن أحد طلبات روسيا إلى الصين كان عبارة عن تجهيزات طعام عسكرية معبأة وغير قابلة للتلف، ما يسلط الضوء على التحديات اللوجستية الأساسية التي يعانيها الجيش الروسي منذ بدء الغزو قبل أكثر من ثلاثة أسابيع.
وفي حين لا يبدو أن القمة الأميركية الصينية ستكون سهلة، لا يزال مسؤولو إدارة بايدن يناقشون الخطوات التالية التي يجب اتخاذها لضمان عدم مساعدة الصين لروسيا في التهرب من العقوبات الغربية أو إمداد موسكو بالأسلحة مع تزايد الخسائر في أوكرانيا، حيث تدرس واشنطن ما هو الخط الأحمر الذي يجب ألا تتجاوزه الصين بما يستدعي رداً أميركياً، وما طبيعة الرد الأميركي في هذه الحالة.
ويرى محللون أن أي تحرك أميركي لفرض عقوبات على الصين بسبب أوكرانيا قد تكون له عواقب وخيمة، ليس فقط على الصين، ولكن على الاقتصاد الأميركي والعالمي، ذلك أن حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة وصل إلى 559 مليار دولار عام 2020 بينما سجلت تجارتها مع الاتحاد الأوروبي 828 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يزيد كثيراً على تجارتها مع روسيا التي سجلت 103 مليارات دولار عام 2020، ويعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير على الأسواق الدولية ورؤوس الأموال.
نهج مقلق
ومع ذلك، فإن نهج بكين تجاه الحرب الروسية الأوكرانية يثير قلق واشنطن، حين التقى شي وبوتين قبل أسابيع من الهجوم الروسي، على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وأصدر الزعيمان بياناً من 5000 كلمة أعلنا فيه عن صداقة لا حدود لها، وفي الأيام التي أعقبت الهجوم، حاولت الصين أن تنأى بنفسها عن الهجوم الروسي لكنها تجنبت انتقاد موسكو، وعرضت بدلاً من ذلك القيام بدور الوسيط بعدما نددت بالعقوبات التجارية والمالية الغربية ضد روسيا.
وقبل أيام كرر المتحدث باسم الخارجية الصينية مزاعم روسية عن وجود 26 مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا تتمتع فيها وزارة الدفاع الأميركية بالسيطرة المطلقة، وهو ما نفته الولايات المتحدة واعتبرتها معلومات مضللة قد تستخدمها موسكو في تبرير شن هجمات بالأسلحة الكيماوية أو البيولوجية ضد الأوكرانيين، وهو ما نظر إليه الأميركيون والأوروبيون على أنه اختبار حاسم، فشلت بكين في اجتيازه، وهكذا تعمقت المخاوف الأميركية من أن الصين قد تأتي لمساعدة روسيا في الأيام الأخيرة.
وعلى الرغم من أن الحرب في أوكرانيا، هيمنت على تركيز بايدن أخيراً، فإن مسؤولي البيت الأبيض لم يغفلوا عن الصين، وهم يراقبون تحركاتها باهتمام، ليروا كيف سيتعامل الرئيس الصيني مع الأزمة، بعدما لاحظ فريق الأمن القومي لبايدن أن شركاء واشنطن في المحيط الهادي مثل أستراليا واليابان ونيوزيلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية تحركوا بسرعة لفرض عقوبات على روسيا بعد الحرب، في رسالة واضحة إلى بكين، التي بدا أنها تراقب كيف يتفاعل العالم مع روسيا، بينما تحسب الصين خطواتها المستقبلية مع جيرانها الأصغر في المنطقة.
مصالح الصين
وفي وقت يشير هي وي ون، كبير الباحثين في معهد "تشونغ يانغ" للدراسات بجامعة "رينمين" في بكين إلى أن الولايات المتحدة لديها نية لشن حملة على الصين، وأن الصراع الروسي الأوكراني يوفر سبباً للقيام بذلك، تساءل إيفان ميديروس، الأستاذ في جامعة "جورج تاون" الأميركية عما إذا كان الصينيون يريدون حقاً التوسط لإنهاء الحرب كما أعلنوا مراراً، أم أنهم يفضلون في الواقع البقاء خارج الصراع، وترك الولايات المتحدة وروسيا يتصادمان في حلقة مستمرة من الصراع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير ميديروس إلى أنه عندما ينظر الصينيون إلى أوكرانيا فإنهم يرون روسيا والولايات المتحدة قوتين متدهورتين من وجهة نظر الصين، لذا يقولون: دعهم يتقاتلون، ويتشتتون، ويستخدمون مواردهم، لتبقى الصين في آسيا، تواصل بناء قدراتها المحلية، وتخرج من كل هذا قائداً عالمياً، ولذلك ليس من الواضح ما إذا كان الصينيون مهتمين بإنهاء الصراع.
ويتفق إيفان مونتغمري، كبير الباحثين في مركز التقييمات الاستراتيجية، في أن الخسائر الروسية في أوكرانيا قد تصبح عبئاً على بكين، لأن ضعف روسيا قد يسهل على الولايات المتحدة التركيز على آسيا ومواجهة الصين هناك.
مواجهة حتمية
وعلى الرغم من أن بعض الآراء ظهرت داخل الصين بأن بكين ترتكب خطأ تكتيكياً في التمسك بموسكو والهجوم على الغرب، وأنه ينبغي للصين أن تختار أهون الشرين، بالتخلص من عبء روسيا في أسرع وقت ممكن، فإن القيادة الصينية بدت غير متأثرة من هذه النداءات التي حظرتها بعد وقت قصير من نشرها، وبدلاً من ذلك، انخرط المسؤولون الصينيون في الترويج لمبدأ أن الأمن الروسي غير قابل للتجزئة، ويجادلون بأن مخاوف بوتين الأمنية مشروعة وتسبب فيها توسع "الناتو" والدعم الغربي للثورات الملونة والإصلاحات الديمقراطية.
ويقول يون صن، مدير برنامج الصين في مركز "ستيمسون"، إنه خلال هذا العام، من المتوقع أن يكسر الرئيس الصيني التقاليد، ويفوز بولاية حكم ثالثة ويمدد حكمه على البلاد إلى أجل غير مسمى، لا يمكن تصور حدوث تحول في أزمة أوكرانيا، لأن تصور حدوث تغيير جذري في روسيا سيثير تساؤلات حول قيادته، ويشير إلى أن العديد من مخاوف روسيا بشأن الهيمنة الأيديولوجية الأميركية والكتل الأمنية الغربية هي أمور تشترك فيها الصين أيضاً، ومن ثم فإن مشاهدة الضغوط التي مارستها الدول الغربية على روسيا ربما عززت وجهة النظر القائلة إن إصلاح العلاقات مع الغرب قضية خاسرة، كما يدعم ذلك وجهة النظر الصينية بأن الهدف الاستراتيجي التالي للغرب هو الصين، وأن المواجهة بين الصين والغرب ستحدث عاجلاً أو آجلاً.
تحدي واشنطن
ويقول جود بلانشيت، رئيس مركز الدراسات الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن نظرة الرئيس شي جينبينغ للبيئة الأمنية الصينية في العقد المقبل تبدو متشائمة بشكل متزايد، بعدما قال في خطاباته ومقالاته إن الوضع الدولي يمر بتغيرات عميقة ومعقدة، وإن لعبة القوى الكبرى تزداد حدة، وإن العالم دخل فترة جديدة من الاضطراب والتغيير، كما يعتقد الرئيس الصيني أن الولايات المتحدة أضفت طابعاً رسمياً على سياسة احتواء بكين، فعندما تتحدث واشنطن عن العمل مع الحلفاء والشركاء، يسمع شي أصداء سياسة التطويق التي ميزت حقبة الحرب الباردة.
ويرى بلانشيت في مقال نشرته "فورين أفيرز" أن هذا التشخيص دفع شي جينبينغ إلى الاقتراب من بوتين وموسكو في الأشهر التي سبقت اجتماعهما في فبراير (شباط) الماضي، وهذا هو السبب في أنه لن يتخلى عن روسيا وهي تمضي قدماً في أوكرانيا.
لكن ليس التشاؤم وحده هو الذي يحرك نظرة شي للعالم، ذلك أن لديه شعوراً قوياً بالقومية يغذي ثقته في القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية، وعلى الرغم من أن بكين بالغت في تأكيد رواية تراجع دور الولايات المتحدة لأغراض الدعاية المحلية، فإن تصرفات شي جينبينغ تشير إلى ارتياحه لتأكيد الحفاظ على مصالح بكين حتى عندما تتعارض مع قدرات وتصميم الولايات المتحدة وحلفائها، وترجع سياسة المواجهة تلك إلى تحمل الرئيس الصيني المخاطر بسبب تقييماته المتغيرة لتوازن القوى العالمية.
وبينما تواجه بكين قراراً بالغ الأهمية حول ما إذا كانت ستساعد روسيا، يقول رايان هاس، الذي شغل منصب مدير إدارة الصين في مجلس الأمن القومي سابقاً، إذا قرر شي جينبينغ القيام بذلك، فمن الصعب رؤية الطريق مفتوحاً أمام الصين للحفاظ على علاقات غير معادية مع الولايات المتحدة وغيرها في الغرب، بينما أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن أي دولة تتعامل مع روسيا يجب أن تفكر في المكان الذي تريد أن تقف فيه عندما تدون كتب التاريخ هذه اللحظة من الزمن.