تعيش النخب السياسية في ليبيا حال من الغضب، إثر تصويت بعثة البلاد في الأمم المتحدة بالموافقة على قرار استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان الدولي، حيث قوبل ذلك الموقف الدبلوماسي بحملة انتقادات واسعة، بسبب ما اعتبره البعض انصياعاً للضغوط الأميركية من دون مراعاة لمصلحة البلاد، بخاصة أن التصويت الليبي غرد خارج سرب الموقف العربي الجماعي، الذي امتنع عن مؤازرة القرار.
موقف مثير للجدل
مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، اتخذ موقفاً مثيراً للجدل بتصويته لصالح مشروع قرار الجمعية العامة للمنظمة الدولية، الخميس الماضي، ويقضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع لها، وأيد القرار 93 دولة من بينها ليبيا، مقابل معارضة 24 عضواً وامتناع 58 عضواً عن التصويت، وكان تمرير القرار يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء الجمعية وعددهم 193 دولة، مع عدم الاعتداد بالممتنعين عن التصويت.
وصوتت الجمعية العامة على هذا القرار بسبب مزاعم عن انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان على يد القوات الروسية في أوكرانيا، حيث عبر نص المسودة عن "القلق البالغ إزاء أزمة حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية المستمرة هناك".
وقوبل موقف البعثة الليبية في الأمم المتحدة بجملة من الانتقادات داخل البلاد، وحذر البعض من تداعياته على مستقبل الأزمة المحلية التي تلعب فيها موسكو دوراً لا يخفى منذ سنوات، خصوصاً بعد أن استبقت روسيا الجلسة بتحذير الدول الأعضاء من أن "الموافقة أو حتى الامتناع عن التصويت على قرار تعليق عضويتها في المجلس، سيعد بادرة غير ودية لها عواقب على العلاقات الثنائية".
انتقادات بالجملة
دبلوماسيون سابقون ومرشحون للانتخابات وشخصيات سياسية أخرى، وصفوا التصويت الليبي لصالح استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان الدولي بأنه "غير مدروس" ولا يخدم مصالح ليبيا الخارجية، ويرهن الإرادة الليبية لإملاءات خارجية.
واستنكر المرشح الرئاسي ومندوب ليبيا الأسبق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، تصويت ليبيا، واعتبر القرار "شيئاً مخجلاً"، وقال إن "القرار مقدم من الدول الغربية، التي لم تحرك ساكناً أمام انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة على يد القوات الأميركية في العراق والقوات الإسرائيلية في فلسطين".
وتابع، "وزيرة الخارجية ومندوبنا في نيويورك، حولا ليبيا علناً ومن دون حياء إلى كيان عميل يستخدم كأداة في يد الدول الغربية ضد الاتحاد الروسي بالتصويت لصالح مشروع القرار"، مشيراً إلى أن "ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف العدائي ضد روسيا، من دون أي مبرر وضد مصلحتها على المدى الطويل".
وتساءل الدباشي: "ألا تعرف السيدة الوزيرة نجلاء المنقوش، والسيد المندوب الطاهر السني، أن هناك مواقف أخرى تحفظ مصالح ليبيا لدى الطرفين، ومنها عدم المشاركة في التصويت أو التصويت بالامتناع؟".
بلاغ للنائب العام
من جهته، لم يكتف وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير، بانتقاد القرار، بل تقدم ببلاغ للنائب العام، قال فيه، إن "مندوب ليبيا في الأمم المتحدة الطاهر السني، المعين من قبل الحكومة المنتهية ولاياتها مزدوج الجنسية، فهو يحمل الجنسية الأميركية، واتخذ اليوم قراراً منفرداً انحيازاً لمصلحة دولته الأميركية، بالتصويت باسم دولة ليبيا التي يمثلها، بالمخالفة للتشريعات النافذة لقرار من شأنه الإضرار بمصالحها وشعبها، وإقحام الدولة الليبية في صراع بين المعسكرين الشرقي والغربي مما سيعرض البلاد وسلطاتها كافة وشعبها لتبعات لا قبل لهم بها ولا ذنب لهم فيها".
وعدد الصغير في بلاغه ما وصفها بـ"جرائم" ارتكبها ممثل ليبيا في الأمم المتحدة باتخاذه لهذا الموقف، قائلاً، إن "هذه الأفعال المدانة قانوناً تمثل في مجملها جرائم عدة، وهي دس الدسائس مع الأجنبي للإضرار بمركز البلاد العسكري والسياسي، والتجنيد ضد دولة أجنبية أو القيام بأعمال عدوانية ضدها، وخيانة شؤون الدولة، عليه أدعوكم بموجب اختصاصاتكم وباعتباركم المؤتمنين على الدعوى الجنائية باستدعاء المعني ومقاضاته بموجب المواد 167 و168 و169 و183 من قانون العقوبات الليبي".
أما عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني، فاعتبر التصويت لصالح استبعاد روسيا "نكسة للدبلوماسية الليبية"، ورأى أن "التصويت سيحولنا إلى عملاء لحلف الناتو، وكان من الحكمة أن نلتزم الحياد ونمتنع عن التصويت كأغلب الدول العربية، وهذا الموقف مخجل جداً، ويجب أن يدان ويستنكر على نطاق واسع".
إشادة أوروبية
ودافعت بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا عن قرار تصويت ممثل حكومة الوحدة في الأمم المتحدة لصالح طرد روسيا من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بعد الهجمة الشرسة عليه في الداخل الليبي، والتزام الحكومة الصمت وعدم الرد على هذه الانتقادات.
الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل، علق على القرار الذي انتهى بطرد روسيا بـ93 صوتاً، قائلاً إن "الجرائم الجسيمة التي ارتكبتها القوات الروسية ضد المدنيين الأوكرانيين تتعارض مع العضوية في هيئة تابعة للأمم المتحدة تدافع عن حقوق الإنسان وتعززها".
ودافع بوريل عن الموقف الرسمي الليبي بقوله "عبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن هذه الرسالة الواضحة، وليبيا انضمت إلى الغالبية العظمى من البلدان التي تدين غزو أوكرانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجنة برلمانية لتعديل الدستور
وفي سياق تطورات الأزمة السياسية الداخلية، واصل مجلس النواب إصراره على المضي في تنفيذ خريطة الطريق التي أعدها للوصول بالبلاد إلى محطة الانتخابات العامة، بعد حل الإشكالات المتراكمة، على الرغم من انفتاحه لمناقشة المواد الخلافية بمسودة الدستور المجمدة منذ عام 2017 مع مجلس الدولة؛ للخروج بحل توافقي لإنهاء الأزمة الحالية.
وعلى الرغم من هذا التطور الإيجابي في موقف البرلمان من التفاوض مع مجلس الدولة، فإنه تمسك بالإجراءات التي اتخذها أخيراً، وتعتبر محل اعتراض كبير من الأطراف السياسية في طرابلس والغرب الليبي عموماً، حيث شدد القرار على اللجنة بالالتزام بما ورد في التعديل الدستوري الـ12، الصادر عن مجلس النواب في فبراير (شباط) الماضي.
وبحسب القرار، فإن "اللجنة عند الاختلاف من حيث الشكل أو الهدف الوارد في التعديل، عليها عرض نتائج أعمالها على مجلس النواب"، وهي "غير مخولة بترتيب أي التزام خارج مهمتها المحددة".
وكشفت مصادر ليبية أن اجتماعات المسار الدستوري ستعقد، الإثنين المقبل، بين مجلسي النواب والدولة في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، وهو ما لم يعلن عنه بشكل رسمي حتى الآن.