على كرسي خشبي مصنوع في غزة، يجلس محمد محدقاً في رقعة الشطرنج وينتظر خصمه يحرك أحد القطع البيضاء الموزعة على مربعاته، مرت دقائق حتى جاء دوره في اللعب، نفث دخان أرغيلته واتكأ على طاولة حديدية أكلها الصدأ ثم أمسك القلعة وحركها لـ"يأكل" بها حصان خصمه.
هذه الحركة أثارت غضب الخصم الذي نظر بتمعن إلى الجنود المتقابلة والقلعتين المحيطتين في الملك الأسود، وبتمعن وضع خطة استراتيجية استعد من خلالها لإنهاء اللعبة بعبارة "كش ملك".
الشطرنج علم
بصوت أجش، أنهى محمد لحظات الهدوء والتركيز وقال، إنه بات مدمناً على تحريك القطع على الرقعة، ولا يستطيع أن يعيش حياته من دون أن يقضي 6 ساعات من يومه يلعب الشطرنج، إذ باتت أفضل الألعاب التي يتفنن في إتقانها وينافس فيها.
"الشطرنج علم لا يتوقف وفي تطور دائم، وهذه اللعبة مبنية على تكتيكات وقواعد دقيقة" يصف محمد لعبة الشطرنج، موضحاً أنه يلعبها على ثلاث مراحل "مرحلة الافتتاح والوسط والنهاية" ولكل مرحلة تفاصيل وقواعد وهي خطته ليحقق الفوز على خصمه.
ويلفت محمد إلى أن لكل قطعة على رقعة الشطرنج نظريات دقيقة وهي علم يُدرس، مشيراً إلى أن اللعبة تزداد صعوبة كلما تقدم في المراحل، وكذلك كلما زاد خصمه دراية بالمهارات اللازمة لها.
وبينما يركز اللاعبان جيداً في التفكير قبل تحريك أي قطعة، قطع عليهما الشاب رامي هذه اللحظة ليستأذن في الجلوس بجوارهما ليتعلم مهارات لعبة الشطرنج، وطريقة وضع الخطط لتحقيق الفوز.
على الفور وافق محمد على طلب الشاب. وقال، إنه اتخذ من المقهى الذي يلعب به، مكاناً لتقديم الدروس والاستشارات للشباب المقبلين على تعلم اللعبة، وحولوه إلى مدرسة لتطوير مهاراتهم وقدراتهم العقلية، وباتوا جميعاً يمارسون شغفهم وحبهم للشطرنج، وكذلك يسعون إلى تطوير مهاراتهم وقدراتهم العقلية، حتى أصبحوا عبارة عن مجتمع صغير يتعلم ويمارس الشطرنج بعد حالة خمول حول مفهوم وممارسة هذه اللعبة.
مدرسة لتعليم الشطرنج
استطاع محمد وفريقه، توسيع إدراك الشباب حول لعبة الشطرنج، التي تعد مهمة لتنمية الذاكرة البصرية والخيال وتزيد من سرعة الشخص في الحسابات، وكذلك تنمي الذكاء بعيداً عن التشويش العقلي، ويوضح محمد أن لاعب الشطرنج يمتلك من التركيز ما لا يملكه الأكبر منه سناً، ويميل للعب هذه اللعبة من هم يملكون الثقافة والفهم العميقين والذوق الفني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب محمد، فإنه خلال العام الماضي بدأ الإقبال على تعلم مهارات رقعة الشطرنج يزداد كثيراً في غزة، وهذا يرجع إلى وعي الناس حول أهمية هذه اللعبة التي تعتمد على الدراسة والتركيز والخبرة، وتؤدي إلى تحسين القدرات العقلية، وكذلك تساعد في حل المشكلات والتخطيط وبعد النظر، كما يحسن الشطرنج قدرات الذاكرة بمعرفة قواعد تحرك كل قطعة.
وفقاً لاتحاد الشطرنج الفلسطيني، يوجد في غزة نحو 20 نادياً يلعب ويعلم الشطرنج، ويقدر إجمالي اللاعبين لهذه الرياضة بنحو 10 آلاف شخص، وجميعهم أثبتوا كفاءتهم، وباتت مهاراتهم تؤهلهم إلى المشاركة في بطولات الشطرنج على المستوى المحلي والدولي.
يقول اللاعب فادي حداد، إن لعبة الشطرنج تعتبر ملاذاً جميلاً، ولها دور مهم في تنمية الذاكرة البصرية، والشطرنج يعد الفن الجميل للشباب في غزة بخاصة في أوقات الفراغ، ولا يخفي الشاب حلمه في قول عبارة "كش ملك" في إحدى المسابقات الدولية.
يؤكد المتحدث الإعلامي باسم اتحاد الشطرنج الفلسطيني سمير كنعان أن الإقبال على تعلم مهارات لعبة الشطرنج زاد عند الشباب في غزة، وأنهم يولون اهتماماً كبيراً للمقبلين الجدد، ويعملون وفق خطط من أجل استقطاب لاعبي الشطرنج من العنصر النسوي، إضافة إلى طلاب المدارس، ويعملون على تحسين مستواهم في اللعبة الأمر الذي ينعكس على التحصيل العلمي، وهذا ما أثبتته دراسة أجرتها كلية التربية بغزة حول تأثير الشطرنج في تحسين التحصيل العلمي لطلبة المدارس.
لا يوجد كوادر كافية
ويوضح كنعان أنه رغم بدء الاهتمام بلعبة الشطرنج، فإن العائق أمامهم يتمثل في عدم وجود كوادر كافية ومؤهلة في فلسطين لتدريب المقبلين على تعلم اللعبة، لذلك يسعون لتنظيم دورات مع الاتحاد الدولي للشطرنج من أجل تطوير قدرات اللاعبين والمدربين الفلسطينيين، وهذا الأمر قد يحدث نقلة نوعية للاعبين.
وعلى الرغم من قلة المدربين، فإن اللاعبين الفلسطينيين تمكنوا من الحصول على المراكز الأولى في لعبة الذكاء العالمية، وكان آخرها في بطولة العرب للشباب والناشئين للذكور والإناث للشطرنج التي عقدت في مارس (آذار) الماضي في العاصمة العراقية بغداد، وخلالها حصد الوفد الفلسطيني المشارك على ذهبيتين في البطولة، بعد أن فازت إيمان صوّان بجميع المباريات التي ينظمها اتحاد العرب للشطرنج، وهو ما يعتبر شيئاً غير معتاد في اللعبة، وفق حديث كنعان.
ولا ينفي المتحدث باسم اتحاد الشطرنج الفلسطيني أن قطاع غزة انضم لتنظيم بطولات للشطرنج متأخراً، إذ عقدت أول بطولة الأندية للشطرنج عام 2016، ويرجع كنعان السبب في ذلك إلى انشغال الناس في الحياة بعيداً عن الاهتمام بالأنشطة الرياضية.
وبحسب كنعان، فإن المشاركة في بطولات الشطرنج صعبة جداً في غزة، إذ تمنع السلطات الإسرائيلية اللاعبين من السفر عن طريق رفض منحهم التصاريح اللازمة أو من خلال إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية، مشيراً إلى أن إسرائيل وسعت دائرة ملاحقتها على الحركة الرياضية الفلسطينية فهي تمنع إدخال المعدات الرياضية، وكذلك لا تسمح للوفود المدربة بالوصول إلى الأراضي الفلسطينية.