جدل واسع في المغرب والجزائر أثاره مسلسل "فتح الأندلس"، بسبب أصول القائد طارق بن زياد، فبينما أظهره المسلسل عربياً، يؤكد المغاربة كونه أمازيغياً، ويشدد الجزائريون على أنه ابن جلدتهم، حتى وصل الأمر إلى مناقشة المسلسل في البرلمان المغربي، وإقامة دعوى قضائية لوقف عرضه، على اعتبار تضمنه مغالطات تاريخية تشوش على القناعات الوجدانية للمواطنين المغاربة تجاه تاريخهم وهويتهم وجغرافية بلدهم.
"فتح الأندلس" مسلسل تاريخي من إنتاج كويتي- سوري بميزانية تقدر بـ3.5 مليون دولار، يسرد مسار القائد طارق بن زياد منذ فتح مدينة طنجة، مروراً بتفاصيل مناورات فتح مدينة سبتة في عهد "يوليان"، ثم تفاصيل رحلة الفتح الإسلامي للأندلس أثناء ولاية موسى بن نصير في عهد الدولة الأموية، وذلك خلال الفترة بين 709م حتى 715م، وتصدى لتأليف المسلسل تسعة كتّاب من سوريا ومصر والكويت والأردن ولبنان، وأخرجه الكويتي محمد سامي العنزي.
في المغرب، يرون أن المسلسل تضمن مغالطات تاريخية عدة، أبرزها تكريسه للأصل العربي للقائد طارق بن زياد، في حين تسود في المملكة قناعة تاريخية بأنه أمازيغي-مغربي، ويقول المخرج المغربي، محمد بوزكو: "قررت مشاهدة المسلسل بعدما علمت بالجدل الذي أثاره، وتابعت الحلقة الأًولى وكنت سأتوقف مع نهاية أغنية الجينريك، بخاصة الجملة التي تضمنها (ذلك القائد العربي) يعنون بذلك طارق بن زياد، ومع ذلك استأنفت المشاهدة لكنني أوقفتها نهائياً في منتصف الحلقة، لأنني بكل صدق لم أتحمل ذلك التضليل والتحريف الذي تضمنه؛ ولم أشأ أن أكون شاهد زور على عمل لم يحترم بتاتاً تاريخ المغرب وشمال أفريقيا".
بوزكو أضاف أن "المسلسل صور الجنود الفاتحين في حُلة أشخاصاً وديعين ولطيفين مع الناس، يبشرونهم بكل احترام بالعيش الكريم والأمن والأمان، لكنهم كانوا جنوداً مدججين بالأسلحة عاثوا في بلاد المغرب سفكاً وقتلاً باسم الدين البريء من ممارساتهم، أضف إلى ذلك تلك السيدة التي تتكلم اللغة العربية بطلاقة مع ابنها الصغير الذي يتفاعل معها هو الآخر، وكأن طنجة جزء لا يتجزأ من المشرق العربي".
وتابع: "هذه ملاحظات واردة فقط في النصف الأول من الحلقة الأولى، فما بالنا ببقية حلقات المسلسل"، مستدركاً: "كيف تمكن طارق بن زياد من الحديث باللغة العربية بتلك الطلاقة، كيف تعلمها ومتى، علماً بأن هناك مؤرخين يعتبرونه من أصول أمازيغية".
المخرج المغربي يشير إلى أن "طارق بن زياد شخصية تاريخية لا يعرف أحد حقيقتها بالضبط، فهناك من يعتبره عربياً وآخرون يقولون بأنه فارسي، وإن كان الراجح أنه أمازيغي الهوية من قبيلة نفزة بالشمال المغربي، وذلك وفق المؤرخ أبو عبدالله محمد الإدريسي، وهو ما أكده المؤرخ الإسباني رفائيل ذيل مورينا حين قال عنه بأنه محارب من أصول بربرية وُلد عام 679 ميلادية، وكان منذ صغره يحتك بالطبيعة وبجبال الريف المغربي"، مضيفاً أن هناك من يعتبره جزائري الأصل، وبذلك تظل شخصية طارق بن زياد يلفها الغموض.
صراع المشرق والمغرب
مثقفون مغاربة أبدوا استياءهم مما اعتبروه "وصاية من المشارقة" على القضايا المغاربية، وكذلك من عرض التلفزيون الرسمي عملاً تاريخياً يسيء للهوية المحلية، حيث يشير سعيد جعفر، الباحث المغربي في مجال الدين والمجتمع، إلى أن المملكة تستثمر كثيراً في الهوية الوطنية الجامعة، ولا يجوز المساس بها والقبول بتحريف كبير لوقائعها، لصالح تأويل قومي مشرقي مغرق في تعاليه ووصايته.
ويتساءل جعفر: "لماذا يغفل العقل الإعلامي المغربي أن هذه الأحداث تمت بشمال المغرب (طنجة وسبتة)، وعلى يد أبناء المغرب الأمازيغ، وبخطط عسكرية مغربية، وبثقافة وطقوس ولباس وإيمان مغربي، وينسب كل شيء لأناس بعيدين جداً عنا جغرافياً وثقافياً وفلسفياً في شبه تنقيص من استقلالية الشخصية المغربية والهوية الوطنية، مستدركاً: "لن نقف مطولاً عند الأخطاء التاريخية بالمسلسل، ويمكن الرجوع لأي من المصادر التاريخية؛ كالطبري والسيوطي عبد الرازق وجوليان وغيرها؛ للوقوف عند عبقرية شخصية الجنود الأمازيغ عند استرداد طنجة والزحف على سبتة ثم طليطلة والأندلس بقيادة المغربي (الموري) طارق بن زياد".
الموقف الجزائري
على الرغم من تعصب الكثير من الجزائريين بخصوص أصل القائد الإسلامي الذي ينسبونه لهم، إلا أن هناك سياسيين دعوا إلى تجاوز الخلاف حول أصول بن زياد والتركيز على الانتماء الإسلامي الذي يوحد الأمة، حيث قال زواني بن يوسف، عضو المجلس الشعبي الوطني الجزائري، إنه تزامناً مع عرض مسلسل فتح الأندلس، أثير الحديث عن شخصية طارق بن زياد بين من ينتصر لعروبته ومن ينتصر لأمازيغيته، ومن ينتصر لإقليمه ومنطقته من جهة أخرى.
يضيف بن يوسف: "الأهم في طارق هو شخصيته الإسلامية المتشبعة بروح الإسلام والإيمان والتضحية والشجاعة، بغض النظر عن حسبه ونسبه وقبيلته وموطنه الأصلي، فمن صنع طارق هو انتماؤه لهذا الدين العظيم الذي جعل منه شخصية قوية سجلت انتصارات كبرى كُتبت بعد ذلك بحروف من ذهب".
ويوضح زواني أن "الكل يعلم اختلاف المؤرخين بخصوص نسب طارق، فهناك من يقول إنه أمازيغي، والبعض الآخر يؤكد أنه عربي، وفريق ثالث يراه فارسياً، ولكل طرف حجته ودليله، ولعل في هذا الاختلاف مغزى حتى يبقى طارق بن زياد مسلماً وفقط، وإرثاً لأمة المليار ونصف مليار مسلم غير منتسب لإقليم أو لدولة حددها لنا اتفاق سايس بيكو، ويبعد عنا كل عنصرية ليست من الإسلام في شيء، فمن أراد أن ينتمي إلى طارق فلينتمِ إلى أخلاقه وتضحياته وإقدامه، ففتح الأندلس كان فتحاً إسلامياً شارك فيه البربر والعرب جنباً إلى جنب إخوة في هذا الدين".
المهم هو الإنجاز
في رده على الجدل الواسع الذي خلفه عرض المسلسل، قال مخرجه محمد سامي العنزي: "كل الإشكالية عندنا في هذا العمل تكمن في أصول القائد الإسلامي طارق بن زياد، طبعاً منذ الشروع في التحضير للعمل ونحن نعلم اختلاف الروايات حول أصوله تلك، وكنا نعلم أنه لو أخذنا بأي من تلك الروايات فسيكون هناك جدل لا محالة"، مستدركاً "لذلك ارتأينا أن نركز على شيء أهم من أصل ذلك القائد، ألا وهو الفتح الإسلامي الذي قاده والرسالة السامية، والجهاد المعتدل، والمنهج الإسلامي الوسطي، وتعامله مع المسيحيين ومع شعوب المنطقة الأخرى"، مشيراً إلى صدور تقارير صحافية انتقدت العمل حتى قبل نهاية عرض الحلقة الأولى منه، مدللاً بذلك على استهدافه.
ويوضح المخرج الكويتي أن "الضجة الكبيرة التي خلفها العمل على مواقع التواصل منظمة ومخطط لها بقصد إيقاف عرضه، عبر تشويه صورته"، لكن في المقابل، يؤكد المخرج أن "التواصل مع الشارع المغربي بشكل عام، يؤكد أن العمل يحقق مشاهدات عالية جداً بالمملكة، وأن السواد الأعظم هناك فرح بمستواه الجيد، حيث لا يختلف اثنان على كون قصة المسلسل صارت في ظل الدولة الأموية العربية، بالتالي فإن للعرب والمسلمين جميعاً فضلاً في فتح الأندلس، لكن البعض يريد أن يحجم هذا الفتح ويقصره في دول ما كانت موجودة في ذاك الوقت".