يبدو أن البرلمان الجزائري لا تزال تلاحقه الشبهات على الرغم من سقوط النظام السابق الذي جعله محل سخرية بسبب أعضائه، فبعد الهدوء الذي رافقه منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، جاءت إخطارات بإسقاط الحصانة عن عدد من النواب لتهز صدقية المؤسسة التشريعية من جديد.
وبقدر ما فاجأ الرأي العام المحلي وخلق حالة من الاستنفار داخل قبة البرلمان، كشف إخطار وزارة العدل غرفتي البرلمان بسحب الحصانة البرلمانية من 65 نائباً، بينهم تسعة نواب بتهم تتعلق بقضايا فساد، عن استمرار ممارسات النظام السابق من جهة، وحرص السلطات على إعادة الاعتبار إلى البرلمان كهيئة تشريعية تمثل الشعب من جهة أخرى.
وقالت الوزارة إن هناك حالات تتنافى بين العهدة النيابية ومهام أخرى، وكذلك تهم أخرى، مستندة في إخطارها إلى المواد القانونية التي جاءت في الدستور، إذ تمنع الجمع بين وظيفة نائب برلماني وأي وظيفة أخرى، باستثناء التدريس في الجامعة وممارسة مهنة الطب.
البرلمان وسط عاصفة
وتعد الخطوة السابقة الأولى من نوعها بتاريخ الهيئة التشريعية في الجزائر، وهي التي أثارت حالة من الغليان داخل الغرفتين السفلى والعليا للبرلمان، كما لدى الطبقة السياسية بخاصة الأحزاب التي مست القرارات ممثليهم، على اعتبار أن الأمر يتجه إلى فقدانهم المقاعد النيابية، فيما تؤشر المعطيات إلى وقوف عدد منهم في المحاكم بتهم الفساد وما يتبع ذلك من عقوبات بالسجن.
البرلمان الذي لم يمضِ على انتخابه بضعة أشهر فقط، وجد نفسه وسط عاصفة تهدد صدقيته وشرعية الانتخابات التي جاءت به، في ظل اتهامات بفساد أعضائه الذين يتوقع المتابعون أن يرتفع عددهم مع مرور الوقت، ما فتح الأبواب أمام المنتقدين الذين سارعوا إلى التشكيك في نيات السلطة الحالية التي أعلنت الحرب على الفساد وتمسكت بالحرص على الإصلاح السياسي والإقلاع الاقتصادي.
تساؤلات جادة
وفي السياق، يرى الحقوقي سليمان شرقي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الإخطار برفع الحصانة البرلمانية يعد إجراء عادياً في إطار الممارسة البرلمانية، لكن حجم المخاطر يطرح تساؤلات جادة بشأن جدوى عمل السلطة المستقلة للانتخابات، وتساءل: أين كانت الهيئة المستقلة والجهات الأمنية التي أوكلت لها مهمة التحقيق بشأن المترشحين للانتخابات حتى مرت ملفات هؤلاء؟ مضيفاً أن العدد غير طبيعي ومرتفع بعض الشيء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل شرقي، بخصوص النواب الموجه لهم إشعارات الالتزام بالضوابط الدستورية الخاصة بالعهدة النيابية بين ضرورة الاستقالة من مهامهم السابقة أو التخلي عن العهدة النيابية، فيطرح تساؤلاً حول مدى تشبع هؤلاء بالقانون، فكيف يعقل أن يتهرب المشرع من تنفيذ القانون؟ مبرزاً أن "السلطة كعادتها تحتاج إلى الهيكل لا الوظيفة فهي يهمها أنها استكملت مسار بناء المؤسسات الدستورية، أما عن وظيفته كبرلمان أو مصداقيته كمؤسسة رقابية وتشريعية، فلا أعتقد أنها مهتمة لذلك بل على العكس أرى أن السلطة يهمها إضعاف مصداقيته لتفادي أي دور بطولي قد يحاول النواب القيام به مستقبلاً".
الحصانة محل نقاش
في المقابل، يرى الحقوقي حاج حنافي في تصريح أن "الحصانة البرلمانية مرت بتعديلات وهي حصانة غير مطلقة ضمن مفهوم ديمقراطي حديث، فلا بد من فهم أن الحصانة يتطلبها شرف المهنة البرلمانية، وعليه فإن الصفة هي محل قداسة باعتبار أن البرلماني كعضو هو شريك في رسم وجه من وجوه الدولة، وهو ذلك الفضاء الديمقراطي الذي يعبر عنه بممثل الشعب النزيه من جهة، وثقة الدولة فيه كشخصية عامة من جهة أخرى". وقال إن "حدود هذه الحصانة كانت ولا تزال محل نقاش أين تبدأ وأين تنتهي، ولقد أشار الدستور إلى ذلك في مواد لم تعرّف الحصانة في حد ذاتها، بل جاء على ذكرها بصورة خجولة مما جعلها عرضة للتأويل مرات، والشبهة التي أساسها التخوف من الانعكاس على أطرافها مرات أخرى، ومنه فإن الذي يبادر بإعلان الإجراء بطلب رفع الحصانة هو وزير العدل في الأساس بتوجيه الأمر إلى النائب العام".
مواد الدستور متصادمة؟
وحددت المادة 130 من الدستور الجديد المعدل، الإجراءات المتبعة لرفع الحصانة عن نواب البرلمان، إذ "يمكن أن يكون عضو البرلمان محل متابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانية، بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته، وفي حال عدم التنازل عن الحصانة يمكن لجهات الإخطار التوجه إلى المحكمة الدستورية لاستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمها"، لكن هذا البند يصطدم مع النظام الداخلي للبرلمان الذي لم يكيف بعد نصوصه مع الدستور، إذ نصت المادة 72 من النظام على أنه "يودع طلب رفع الحصانة البرلمانية لدى مكتب البرلمان من قبل وزير العدل، ويحال هذا الطلب على اللجنة المكلفة بالشؤون القانونية التي تعد تقريراً في مدة شهرين، اعتباراً من تاريخ الإحالة عليها، وتستمع اللجنة إلى النائب المعني، ويبت البرلمان في مدة ثلاثة أشهر اعتباراً من تاريخ الإحالة في القرار بجلسة مغلقة بالاقتراع السري بأغلبية أعضائه بعد الاستماع إلى تقرير اللجنة والنائب المعني".
والأمر نفسه بالنسبة إلى الجهات المعنية بالإخطار، التي حددها مشروع القانون العضوي المحدد لإجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية، الذي يناقش حالياً على مستوى لجنة الشؤون القانونية بالبرلمان، إذ حدد جهات الإخطار طبقاً للمادة 193 من الدستور، وهي كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، والوزير الأول، أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، كما تشمل أيضاً 40 نائباً أو 25 عضواً من مجلس الأمة.
وبحسب ما يتم تداوله، فإن نقاشاً فتح على مستوى البرلمان حول تكييف إجراءات رفع الحصانة مع المنظومة القانونية، إذ من المنتظر أن يعرض مشروع القانون العضوي المتعلق بتنظيم الغرفتين للمناقشة والمصادقة خلال الأيام المقبلة، حتى يكون منسجماً مع بنود الدستور، لا سيما ما تعلق بقضية رفع الحصانة عن النواب المتابعين في بعض الملفات القضائية والجهات المعنية بالإخطار.