حذرت دراسة جديدة من أن تغير المناخ يهدد بإطلاق جائحات جديدة من طريق "الزيادة الهائلة" لخطر انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر.
ورأى علماء أن انتقال الحيوانات البرية إلى موائل جديدة بحثاً عن الطعام يحتمل أن ينشر الفيروسات بينها، بالتالي يزيد إمكانية انتقالها إلى البشر.
وتوقع الباحثون في المركز الطبي التابع لـ"جامعة جورج تاون" أن زيادة انتقال الحيوانات إلى مناطق حضرية بحثاً عن الطعام. وأضافوا أن ذلك سيضاعف إمكانية انتقال الفيروسات بين الحيوانات، ويهدد بانتشار الأمراض كجائحة "كوفيد" السارية حاضراً.
وحتى الآن، ما زال مصدر الجائحة الحالية غير معروف بشكل مؤكد، لكن يعتقد أن خفاشاً مصاباً بالفيروس قد نقل المرض إلى أول ضحية من البشر في مقاطعة "ووهان" بالصين. وقد ربط انتشار ذلك المرض مع اختلاط الحيوانات المريضة والبشر في أسواق الأطعمة بتلك المقاطعة الصينية.
في ذلك الصدد، شبه كولين كارلسون، الأستاذ المساعد في الأبحاث لدى "مركز علوم الصحة العالمية والأمن" التابع للمركز الطبي في "جامعة جورج تاون" بولاية واشنطن الأميركية، الخطر الناجم عن المناخ بالمخاطر الموجودة في أسواق المواد الغذائية.
وبحسب رأيه، "إن أقرب تشبيه لذلك الموضوع هو المخاطر التي نراها فعلياً من خلال تجارة الحيوانات البرية، ما يقلقنا بشأن الأسواق هو جمع الحيوانات المريضة مع بعضها البعض، ما يؤدي إلى حدوث اختلاط غير طبيعي بين الأنواع البيولوجية الحية، ما يهيئ الفرص لانتشار الأمراض بشكل تدريجي، مثلما حدث حين انتقل فيروس "سارس"، من الخفافيش إلى قط الزباد قبل أن يصاب البشر بالعدوى، ولكن الأسواق ما عادت أمراً مميزاً، في ظل تغير المناخ، سوف تصبح هذه العملية واقع الحال في الطبيعة، وكل مكان تقريباً".
في إطار إعداد دراستهم التي خضعت لمراجعة من قبل علماء نظراء لهم، ونشرت في مجلة "نايتشر" العلمية في 28 أبريل (نيسان) 2022، ذكر الباحثون إنهم أجروا أول تقييم شامل للطريقة التي سيعيد فيها تغير المناخ هيكلة مجموعات الفيروسات المرتبطة بالحيوانات الثديية [تشمل الإنسان] عالمياً.
كذلك ركزوا في عملهم على التغييرات التي ستطاول النطاقات الجغرافية والرحلات التي تقطعها الحيوانات أثناء بحثها عن موائل جديدة. وفيما تلتقي الحيوانات بثدييات أخرى للمرة الأولى، تتوقع الدراسة أنها ستتشارك آلاف الفيروسات بين بعضها البعض. بالتالي، يرى أولئك العلماء أن هذه التحولات سوف تفسح مجالاً أكبر أمام فيروسات على غرار "إيبولا" [يسبب حمى مع نزيف، وقد انتشر غير مرة في أفريقيا وبلدان اخرى] أو فيروسات كورونا، كي تظهر في مناطق جديدة، فيصبح تعقبها أصعب وتصيب أنواعاً جديدة من الحيوانات، فيسهل على الفيروسات الانتقال إلى البشر "من طريق نوع حيواني آخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الباحثون أنفسهم أن موائل الحيوانات ستنتقل بشكل غير متكافئ إلى المناطق نفسها التي تضم أمكنة يقطنها البشر، ما يخلق بؤراً جديدة فيها مخاطر انتقال العدوى. ورأوا أن جزءاً كبيراً من هذه العملية ربما بات يحدث فعلاً في عالم اليوم الذي زادت حرارة الجو فيه بمقدار 1.2 درجة مئوية، وقد لا تنجح جهود تقليص انبعاثات غازات الدفيئة في الحيلولة دون وقوع هذه الحوادث.
واكتشف الباحثون كذلك أن ارتفاع الحرارة قد يخلف آثاراً على الخفافيش التي تعتبر مسؤولة عن القسم الأكبر من التبادل الفيروسي الجديد. وكذلك تتيح لها قدرتها على الطيران قطع مسافات كبيرة ومشاركة معظم الفيروسات.
وبسبب الدور الرئيس الذي تلعبه الخفافيش في ظهور الفيروسات، يتوقع أن تخلف أكبر أثر في جنوب شرقي آسيا الذي يضم أوسع تمركز لمختلف أنواع الخفافيش في العالم.
وقد أشار السيد كارلسون إلى أنه "في كل نقطة، فاجأتنا عمليات المحاكاة الرقمية بواسطة الكمبيوتر التي أجريناها. قضينا سنوات في التأكد من تلك النتائج، باستخدام بيانات جديدة وفرضيات مختلفة، لكن النماذج الرقمية أفضت دائماً إلى تلك الاستنتاجات. إنه مثل مذهل عن قدرتنا على حسن التنبؤ بالمستقبل لو حاولنا ذلك فعلاً".
وفي سياق متصل، رأى واضعو الدراسة أنه فيما تبدأ الفيروسات بالانتقال بين الأجناس المستضيفة لها بمعدلات غير مسبوقة، فقد يترتب على ذلك آثاراً بالغة على المحافظة على الطبيعة وصحة الإنسان أيضاً.
وفي ذلك السياق، رأى غريغوري ألبيري، الحاصل على درجة الدكتوراه، والزميل لمرحلة ما بعد الدكتوراه في قسم علم الأحياء في "كلية الفنون والعلوم" بـ"جامعة جورج تاون"، وأحد الكتاب الرئيسين للدراسة، "تضيف هذه الآلية طبقة جديدة من الخطر الذي يحدق بصحة الإنسان والحيوان بسبب تغير المناخ. من غير الواضح كيف ستؤثر هذه الفيروسات الجديدة على الأجناس الحية التي تطاولها، لكن يرجح أن يتفاعل عدد منها مع المخاطر الجديدة، سعياً منها إلى الاستمرار في البقاء، ما قد يؤدي إلى ظهور أوبئة جديدة بين البشر".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 30 مارس 2022
© The Independent