تتواصل موجة ارتفاع الأسعار في تونس مع اتخاذها نسقاً تصاعدياً، إذ طالت أغلب السلع ومواد الاستهلاك، إضافة إلى الخدمات.
واستفحل الغلاء والتضخم المتصاعد المرتبط بالأزمة الاقتصادية، كما تظهر مؤشرات الشهرين الأخيرين بداية الانعكاسات غير المباشرة للحرب الأوكرانية، مما يمهد بتراجع الاستهلاك بسبب تدهور المقدرة الشرائية.
ونبه متخصصون خلال حديثهم مع "اندبندنت عربية" إلى حتمية وضع حزمة من الإجراءات لحماية المستهلكين التونسيين، إذ تآكلت الطبقة المتوسطة التي طالما مثلت فخر البلاد خلال العقود السابقة، كما ارتفعت نسب الفقر تأثراً بالارتفاع الجنوني في المواد الغذائية خصوصاً والخدمات الأساس عموماً، وأهمها النقل والخدمات البنكية.
غلاء أسعار الأغذية
وسجل مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعاً بنسبة 1.4 في المئة خلال شهر أبريل (نيسان)، متجاوزاً شهر مارس (آذار) الذي بلغ فيه 0.8 في المئة، في حين ناهز 0.3 في المئة خلال شهر فبراير (شباط).
ويعود هذا التطور إلى الارتفاع المسجل في أسعار الملابس والأحذية بنسبة 6.3 في المئة، وأسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 1.6 في المئة، وأسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية بنسبة واحد في المئة، وأسعار مواد وخدمات النقل بنسبة 1.4 في المئة.
كما شهدت أسعار الملابس زيادة بنسبة 6.3 في المئة، وأسعار الأحذية 7.3 في المئة، وأسعار مكملات اللباس 2.2 في المئة.
ويعود ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تصاعد أسعار الخضراوات الطازجة 4.3 في المئة، وأسعار لحم الضأن 4.7 في المئة، وأسعار لحم البقر 2.3 في المئة وأسعار الأسماك 3.4 في المئة، وأسعار الغلال 2.6 في المئة، ومشتقات الحبوب 1.9 في المئة والزيوت الغذائية 1.5 في المئة.
بينما أدى الترفيع الأخير في أسعار المحروقات إلى زيادة أسعار النقل بنسبة 1.4 في المئة، وذلك لارتفاع أسعار مصاريف استعمال السيارات.
مستويات التضخم
وبدا نسق التضخم متصاعداً بوصوله إلى مستوى 7.5 في المئة بعد أن كان في حدود 7.2 في المئة خلال شهر مارس وسبعة في المئة خلال شهر فبراير و6.7 في المئة خلال شهر يناير (كانون الثاني). ويعود ذلك إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار المشروبات الكحولية والتبغ من 21 في المئة إلى 24.2 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية من 9.8 في المئة إلى 10.1 في المئة، وأسعار الأثـاث والـتـجـهـيزات والخدمات الـمـنـزلـيـة من 6.1 في المئة إلى 7.4 في المئة، وأسعار مواد وخدمات النقل من 5.9 في المئة إلى 6.7 في المئة.
وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية 8.7 في المئة. ويفسر ذلك بارتفاع أسعار البيض 20.4 في المئة، وأسعار الزيوت الغذائية 20.4 في المئة، وأسعار الغلال الطازجة 19.5 في المئة، وأسعار الخضراوات الطازجة 12 في المئة، والدواجن تسعة في المئة. كما ارتفعت أسعار الأسماك الطازجة تسعة في المئة وأسعار مشتقات الحبوب 9.1 في المئة ولحم الضأن 6.6 في المئة.
السلع والخدمات
ولم تشذ المواد المصنعة عن السلع الأخرى، وشهدت بدورها زيادة بنسبة 9.3 في المئة، باحتساب الانزلاق السنوي، وذلك لارتفاع أسعار مواد البناء 11.2 في المئة ومواد التنظيف 6.4 في المئة.
كما شهدت أسعار الخدمات ارتفاعاً بنسبة 4.8 في المئة، ويعزى ذلك إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل 7.2 في المئة وخدمات الصحة 3.4 في المئة وأسعار الإيجارات 4.5 في المئة.
وسجل التضخم الضمني لشهر أبريل، أي من دون احتساب الطاقة والتغذية، 7.2 في المئة بعد أن كان في حدود 6.8 في المئة خلال شهر مارس 2022.
وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 7.8 في المئة مقابل 6.7 في المئة بالنسبة إلى المواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 10.2 في المئة مقابل 1.2 في المئة بالنسبة إلى المواد الغذائية المؤطرة.
التحذير من الانفجار
وكانت الحكومة التونسية أعلنت عزمها رفع أسعار مواد غذائية أساس بينها الحليب والبيض والدواجن خلال شهر مايو (أيار)، بعد احتجاجات للفلاحين الذين نددوا بارتفاع أسعار العلف الحيواني جراء الحرب المندلعة في أوكرانيا.
ودعا وزير الفلاحة محمود إلياس حمزة المستهلك التونسي إلى مساندة الفلاح في هذا الوضع الاقتصادي الحساس، وفق تعبيره، بعد أن احتج مزارعون في مناطق عدة على غلاء العلف الحيواني وقطع بعضهم الطرق، بينما سكب آخرون الحليب في الشوارع مطالبين برفع الأسعار لتغطية الكلفة.
وعمدت إلى رفع أسعار الوقود بنسبة خمسة في المئة للمرة الثالثة منذ بداية السنة الحالية، ونبهت العديد من المنظمات الوطنية من عواقب الزيادات المتتالية في الأسعار وانفجار اجتماعي إذا لم يتم وضع استراتيجية لإنقاذ المقدرة الشرائية المتهاوية للتونسيين.
وحذر الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) من انهيار القدرة الشرائية في تونس التي لا يتجاوز الأجر الأدنى فيها نحو 450 دينار (143.12 دولار)، في حين تتجاوز كلفة المعيشة للأسرة التونسية الصغيرة 2000 دينار (636.13 دولار)، وفق دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (منظمة مستقلة).
وطالب الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة بفتح باب التفاوض لمراجعة الأجور في القطاع العام في ظل تدهور المقدرة الشرائية بعد بلوغ نسبة التضخم 7.5 في المئة وارتفاع نسب الفقر من 16 في المئة سنة 2019 إلى 22 في المئة سنة 2022.
ودعا الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي إلى محاربة غلاء الأسعار وحماية المقدرة الشرائية للمواطن التي يتطلب وضعها استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تعبئة الموارد المالية ودعم القطاع الفلاحي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أجور زهيدة
وقال مساعد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك (مستقلة) لطفي الخالدي إن كلفة المعيشة للمستهلكين التونسيين أضحت تساوي أكثر من ضعف سعرها الحقيقي، بعد الصعود غير المبرر لأسعار المواد الغذائية ومواد التنظيف الذي جاوز 45 في المئة.
ولا تغطي الأجور متطلبات الحاجات الأساس بحكم أن الأجر الذي يساوي 1000 دينار (318 دولاراً) وهو تقريباً ضعف الأجر الأدنى المحدد، لم يعد قادراً على تلبية كل حاجات الأسرة، وأن الأسعار الحالية تحتم توفير أجر شهري لا يقل عن 2400 دينار (763.3 دولار) لمقاومة آثار التضخم.
ودعا الخالدي الحكومة الحالية إلى وضع خلية أزمة لمتابعة تبعات الحرب في أوكرانيا وتأثيرها في سعر المواد الأساس في تونس، وتوعية التونسيين إلى ضرورة مراجعة سلوكهم الاستهلاكي.
في حين حذر رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضية من الزيادات المستمرة في الأسعار، وآخرها فواتير الكهرباء التي فاجأت التونسيين ولم تخضع إلى دراسة اجتماعية، منتقداً المقاييس المعتمدة فيها والتي تحدد نسبة الكهرباء التي تنطلق منها الزيادات وهي حدود استهلاك 200 كيلوواط في الساعة شهرياً، واعتبرها ضئيلة للغاية بالنظر إلى حاجات الأسر، منبهاً إلى الآثار السلبية المنعكسة على مداخيل العائلات نتيجة ما وصفه باستسهال الترفيع في الأسعار وغياب الحلول الاقتصادية.
إجراءات ضرورية
وكشف رئيس منظمة إرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي أن المنظمة تتلقى شكاوى من العائلات التونسية بخصوص ارتفاع أسعار الأدوية والخضراوات والغلال والكهرباء والماء والقروض والخدمات البنكية والنقل، معتبراً أن الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات خلال السنوات الأخيرة أثر سلباً في المقدرة الشرائية للتونسيين، فهي تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بفعل التأثير المباشر لكلف النقل.
كما عمق رفع الدعم التدريجي على بعض المواد الأساس أزمة الأسر التونسية، إضافة إلى عدم سيطرة السلطة المعنية في وزارة التجارة على مسالك توزيع السلع التي وفرت الفرص للوسطاء لتحديد الأسعار من دون رقيب، بخاصة المساحات الكبرى التي تتمتع بأرباح مضاعفة بسبب تطبيق هامش الربح الخلفي على المنتجين.
وأشار الرياحي إلى ضرورة اتخاذ جملة من الإجراءات لحماية المقدرة الشرائية تتعلق بالمواد الحيوية مثل الأدوية والأغذية، على أن يتم ذلك بسن استراتيجية متكاملة تدفع الى اقتصاد تضامني يراعي القدرة الشرائية وحق الأسر التونسية في الادخار، ويضمن تغطية كلفة الإنتاج لدى المنتجين للمواد الغذائية والسلع بخاصة.