يبدو أن الحوار الوطني الذي أعلنه الرئيس التونسي، قيس سعيد، لم يحظَ بعد بالتوافق بين جميع الشركاء، وبخاصة المنظمات الوطنية المعنية بهذا الحوار، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أعلن صراحة أنه غير معني بحوار بالطريقة التي يُريدها الرئيس، وأعلن الاتحاد، السبت، عن رفضه المشاركة في حوار لا يجمع التونسيين، أو معلوم النتائج والمخرجات، وفي هذا الإطار سارع قيس سعيد، الأحد 22 مايو (أيار) لاستقبال رؤساء المنظمات الوطنية المعنية بالحوار الوطني لإنقاذ مبادرته من الفشل.
وقال الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، "إن اللقاء قد يكتسي أهمية بالغة، بخاصة أنه يأتي قبل يوم واحد من انعقاد اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل الذي سيناقش موقف المنظمة من الحوار الوطني والحكومة وملف المفاوضات ضمن لجنة 5 زائد 5".
وللخروج من الأزمة السياسية، أعلن الرئيس التونسي قبل شهر عن تشكيل لجنة تكلف إدارة حوار وطني، يستثنى منها الأحزاب السياسية التي يعتبرها مسؤولة عن الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها تونس.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وفق موقع "الشعب نيوز" التابع للاتحاد، إن "الواقع الحالي أثبت صحة هذا الخيار الذي يرفض العودة إلى ما قبل 25 يوليو (تموز) كما يرفض التوجه إلى حوار لا يجمع التونسيين أو معلوم النتائج والمخرجات" .
وجاء هذا التصريح تعقيباً على المرسوم عدد 30 لسنة 2022 الصادر بالجريدة الرسمية يوم الجمعة والمتعلق بإحداث "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".
كما استقبل سعيد يوم الأحد بقصر قرطاج رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول. وكشف الاتحاد في بلاغ على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن اللقاء تناول بالخصوص الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام بالبلاد. وأكد رئيس اتحاد الأعراف على أهمية العمل على إنعاش الاقتصاد وشدد على دور القطاع الخاص في هذه المرحلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضييق دائرة الخصوم
وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي محمد ذويب، أنه "كان على رئيس الجمهورية الانطلاق في الحوار منذ مدة وتشريك أكبر عدد من الأحزاب، بخاصة تلك غير المسؤولة على ما لحق بتونس خلال العشرية الماضية بما فيها حتى التي تختلف مع الرئيس في بعض الإجراءات". ويواصل ذويب، "هذا السبيل كان سيخدم الرئيس أكثر بمنطق توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الخصوم، مما يعني تخفيف الضغط على رئيس الجمهورية، هذا إضافة إلى تشريك أوسع طيف ممكن في الحوار الوطني، مما يعني انفتاح أكبر مع وجود آراء وكفاءات بالتالي إمكانية النجاح".
ويستدرك ذويب قائلاً، "عموماً، النقاشات ما زالت متواصلة، بخاصة بعد لقاء الطبوبي مع قيس سعيد ولقاء زهير المغزاوي رئيس حزب التيار الشعبي". أضاف، "نتمنى أن يسفر هذان اللقاءان عن تشريك أقصى ما يمكن من الأحزاب والكفاءات الوطنية في الحوار، مما يعطي أكثر حظوظ للنجاح".
وبخصوص نجاح الحوار من عدمه، يرى ذويب أن "يكون حواراً بعيداً عن منطق المحاصصات والغنيمة، وستكون مخرجاته على الرغم من غياب بعض الأطراف أفضل من سابقيه، والأهم من الحوار هو الشروع في تطبيق مخرجاته والإسراع بإجراء الإصلاحات اللازمة".
عزلة شعبية
من جهته، يعتقد الصحافي والمحلل السياسي خليفة شوشان حول غياب الأحزاب عن هذا الحوار الوطني بأنها "سقطت أخلاقياً ورمزياً عند غالبية أبناء الشعب منذ انتخابات 2019 قبل أن تسقط من هيئة الحوار الوطني الرئاسي". ويواصل قائلاً، "بيانات قياداتها وتصريحاتهم المرتبكة المحذرة تعكس حالة الرعب والعزلة الشعبية التي يعيشونها ولن تثير شفقة وانتباه حتى أنصارهم الذين انفضوا من حولهم فكيف بالرأي العام".
ويضيف، "وحدها مواقف كبرى المنظمات الوطنية الذين سيقترحون المشروع الاقتصادي والاجتماعي والإصلاحات الكبرى المستقبلية والعمداء المنتخبين من أساتذة كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية الذين سيقترحون مشروع المنظومة القانونية والسياسية ستمنح المشروعية لهذا الحوار الوطني أو تسحبه".
كمل يرى شوسان أن "إقناع أو إجبار سعيد على تقديم التنازلات والضمانات سيكون عنوان التفاوض في الساعات القادمة، وهي مهمة مفصلية بامتياز تتطلب كثيراً من الحكمة والمسؤولية الوطنية والتعالي عن الحسابات"، مضيفاً، "في السياق نفسه، إن نجاح الحوار سينقذ مسار 25 يوليو، ويمنح فرصة نحت مصير تونس أخرى ممكنة بعيداً من قوسي الفشل والفساد والغموض والمغامرة".