منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية تعرضت مراكز ومؤسسات ثقافية وفنية أوكرانية للتدمير. طاول القصف كثيراً من هذه المؤسسات، وتعرّض بعض المعالم التاريخية البارزة لأضرار جسيمة. وقد تضررت أو دمرت بالكامل منذ بدء الحرب، أكثر من مئة من المواقع الثقافية في أوكرانيا، وهذا بحسب تقرير أصدرته منظمة اليونسكو صدر أخيراً.
بين هذه المعالم التي تضررت على سبيل المثال كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، وهي من المعالم التاريخية المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي. لحق الضرر كذلك بأجزاء من المدينة التاريخية القديمة في لفيف، ودمرت مدرسة ماريوبول للفنون والمسرح بالكامل. لم تسلم كذلك الأعمال الفنية داخل المتاحف من هذا التخريب، إذ أتلف القصف عدداً كبيراً من اللوحات النادرة للفنانة الأوكرانية البارزة ماريا بريماتشينكو المعروضة في متحف إيفانكيف التاريخي. وتُعد بريماتشينكو واحداً من الرموز الثقافية الأوكرانية، وتحظى بتقدير بالغ في الأوساط الفنية على المستوى المحلي والدولي.
دمار تاريخي
تستدعي أحداث الحرب الروسية - الأوكرانية التي نعايش وقائعها اليوم مواجهة مشابهة لا تقل شراسة، دارت وقائعها في أوكرانيا أيضاً قبل أكثر من ثمانين عاماً. خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد معركة شرسة حول مدينة كييف استطاع الجيش الألماني احتلال المدينة. لكنه لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تقهقرت جيوشهم إيذاناً بهزيمتهم الساحقة. غير أن عواقب هذا الاحتلال كانت وخيمة، بخاصة على الثروة الثقافية الأوكرانية. ودمّرت في هذه الأثناء آلاف المواقع الثقافية والمتاحف، بما تحتويه من أعمال فنية لا تقدر بثمن، بينها على سبيل المثال دار الأوبرا الوطنية التي سُوّيت بالأرض حينها، ومتحف أوديسا للفنون، والمتحف الوطني الأوكراني الذي دمّرت أجزاء منه ونُهب كثير من محتوياته. وتعرض متحف لفيف الوطني للتخريب والنهب. وكان لتقدم الجيش الروسي واسترداده مدينة كييف من أيدي الألمان دور حاسم في إنقاذ ما تبقى من أعمال فنية في المتاحف الأوكرانية من النهب والتدمير. وكأن التاريخ يعيد نفسه على نحو معاكس، فمن أنقذ ثروات أوكرانيا الفنية من النهب والدمار هو مصدر التهديد اليوم.
يذكر أنه في خضم هذا الدمار الذي تعرضت له المتاحف الأوكرانية خلال الحرب العالمية الثانية، حرص الألمان حينها على جمع كل ما يشير إلى الثقافة الألمانية في أوكرانيا ونقله إلى برلين. من بين ما جمعه الألمان، مجموعة كاملة ومهمة من أعمال فنان عصر النهضة الألماني ألبريخت دورر كانت معروضة في متحف مدينة لفيف الوطني في أوكرانيا. عثر على هذه المجموعة فيما بعد مخبأة داخل أحد المناجم النمساوية بعد هزيمة ألمانيا، وهي تتوزع اليوم على عدة متاحف دولية، من بينها متحف متروبوليتان في الولايات المتحدة.
أعمال فنية
بين آلاف الأعمال الفنية المهددة في كييف يأتي عمل الفنان الأميركي جيف كونز "القلب المعلق"، وهو درة الأعمال التي يضمها مركز بينتشوك للفنون في مدينة كييف. لا ترجع أهمية العمل إلى طبيعته، بل لأنه الأعلى سعراً بين المجموعة الفنية التي تضمها هذه المؤسسة، والأهم أنه يمثل نموذجاً مثالياً للذائقة الأميركية. كان العمل قد اشتراه الملياردير الأوكراني بينتشوك عام 2007 مقابل مبلغ 23 مليون دولار، وهو يمثل مجسماً على هيئة قلب معلق. يُعد هذا العمل حلقة في سلسلة متنوعة من الأعمال التي أنجزها الفنان الأميركي بداية من عام 1994 تحت مفهوم الاحتفال، ومصنوعة جميعها من المعدن المصقول غير القابل للصدأ. وتجسد هذه الأعمال عديداً من مظاهر الاحتفال المختلفة وأيقوناتها الشعبية المتداولة، وتعكس ولع كونز بتحويل الأشياء غير المثيرة للاهتمام، مثل لعب الأطفال والخامات الصناعية إلى أعمال فنية جذابة عبر محاكاتها وتجسيد تفاصيلها بدقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتُعد تجربة كونز امتداداً للجناح الأميركي من مدرسة البوب آرت وانعكاساتها النحتية البارزة، والتي تمثلها بجدارة أعمال الفنان الأميركي السويدي الأصل كلايس أولدنبرغ. استلهم أولدنبرغ أعماله النحتية من المفردات والعناصر والأدوات التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، من قطع الأثاث والملاعق والكرات، إلى المناشير والأختام وأدوات الزينة. وتُعد أعمال كونز امتداداً لهذه المدرسة الأميركية في النحت، ويُنظر إليها كنموذج صارخ للذائقة الأميركية، كما أن جيف كونز نفسه يعد نجماً بارزاً من نجوم الفن الأميركي المعاصر.
بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا علق مركز بينتشوك أنشطته وانقطعت الاتصالات مع موظفيه، ولا يعرف بعد مصير هذه القطعة الفنية المثيرة للجدل. ولعل وقوع مثل هذا العمل في أيدي الروس أو تدميره من جراء القصف يمثل رمزية خاصة للصراع الدائر بين الولايات المتحدة وروسيا على أرض أوكرانيا.