بعد مرور أسبوع على حادثة إطلاق النار المرعبة في أوفالدي [ولاية تكساس] حيث أفيد أن متعصباً مزعوماً من أنصار عقيدة تفوّق البيض، استهدف وقتل مواطنين أميركيين من ذوي البشرة السمراء، وصفه حاكم تكساس غريغ أبوت بأنّه "وجه الشرّ المطلق". من الصعب ألا نتفق مع الحاكم حول هذا التوصيف. ولكن وصف سلفادور راموس (مطلق النار) بوجه الشرّ المطلق لا يفسّر لماذا تحصل هذه الحوادث في المقام الأول.
قبيل أيامٍ معدودة من حادثة إطلاق النار، أقدم بايتون جاندرون، 18 سنة، على قتل 10 أميركيين من ذوي البشرة السوداء. شكّلت الحادثتان عملين عنصريين فظيعين ارتكبهما شابان في الولايات المتحدة، بيد أنّ النواة العقائدية التي دفعت جاندرون لارتكاب عمله العنيف تحمل نقاط تشابه مع الإرهابي برانتون تارانت منفّذ جريمة كرايستشيرش الذي قتل المسلمين في نيوزيلندا عام 2019.
وفي هذا السياق، تتعاظم مخاوف من ارتكاب عدد متزايد من العنصريين المتعصّبين للعرق الأبيض أعمال العنف أوالتآمر [الإعداد] لتنفيذها ضدّ الأقليات العرقية. ويقتنع العديد من الأشخاص بوجود خطة لاستبدال ذوي البشرة البيضاء بالأشخاص المهاجرين في إطار حيلة متعمّدة هندستها النخب الليبرالية. كان كلّ من جاندرون وتارانت يؤمنان بنظرية المؤامرة القائمة على "الاستبدال العظيم" (Great Replacement) [نظرية تقوم على اعتقاد بأن اليسار والليبراليين يعملون على استبدال الناس من الأعراق البيضاء بالمهاجرين من الأعراق الأخرى] وغذّاهما التطرّف على الإنترنت من خلال مواد متطرّفة تسوّق لتفوّق العرق الأبيض. في الواقع، شكّل تارانت إحدى الشخصيات الملهمة لجاندرون.
ولعلّ الجانب الجوهري الأكثر بروزاً في حياتهما والذي يتطلّب فهماً معمّقاً يتعلّق بتربيتهما وطفولتهما. الوجود الضئيل للصداقات والعلاقات الاجتماعية والعائلة في حياتهما هي عوامل لم تولَ أهمية في تعداد أسباب تحوّل أوهامهما إلى عنفٍ جرمي.
في حالتي كلّ من جاندرون وتارانت، تبرز طفولة حزينة يطبعها غياب الصداقات والعزلة الاجتماعية التي كانا شخصياً يعانيان منها ويشعران بحدتها.
ولكن، إذا حاولت مناقشة هذه المسألة عبر الإنترنت، ستتعرض لسيل من الانتقادات بسبب إضفائك طابعاً إنسانياً على متعصبي عقيدة تفوّق البيض وتعاطفك مع عقيدتهم عوضاً عن التعاطف مع الضحايا. ويزعم البعض أنّه يجب تسليط النقاش حصراً على مساهمة وسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات الوطنية في إنتاج وجهات نظر مليئة بالكراهية تجعل تفوّق العرق الأبيض فكرة سائدة طبيعية وهو أمر يتبناه تدريجاً العديد من الشباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الرغم أن هذا الأمر يكتسي أهمية كبيرة [لا يستخف به]، لا يشرح لماذا يرضخ بعض الشبان من ذوي البشرة البيضاء للتطرّف. ولماذا يتورّط البعض منهم في حركاتٍ يمينية متطرّفة فيما يحجم الأغلب عن ذلك؟
إنّ استجابتنا تجاه العنصريين القائلين بتفوّق العرق الأبيض مختلفة بشكل ملحوظ عن التطرف الإسلامي على طرفي نفيض الأطياف [التيارات] السياسية [اليسار واليمين]. فعندما يتعلّق الأمر بالإسلاميين، يصبح المحللون المنتمون إلى اليسار بغاية التفهّم بشكلٍ مفاجئ لكيفية انخراط الشباب المسلم في مسار التطرّف. وعلى مدى سنوات، قيل لنا بأنّ الحروب في أفغانستان والعراق هي المسؤولة عن صعود التطرّف الإسلامي وبأنّ الغرب يدفع ثمن الكوارث التي ارتكبها في السياسة الخارجية.
وينطبق النقيض أيضاً على المتعصّبين للعرق الأبيض. في هذا الإطار، لا يبدي المحللون اليساريون أيّ اهتمام برحلة هؤلاء نحو التطرّف على عكس المحللين المنتمين لليمين. بيد أنّ إلقاء اللوم بحصول العنف الإسلاموي على السياسة الخارجية لا يختلف عن إلقاء اللوم في هجومٍ للمتعصّبين البيض على العنف الإسلاموي المتطرّف.
في هذا السياق، تؤمن الإيديولوجيا الإسلاموية [الإسلام السياسي] بأنّ اليهود هم الأعداء وأنّه يجب قتل المثليين وبأنّه لا يجب الوثوق مطلقاً بغير المسلمين. لا يختلف الأمر أبداً عن نظرية تفوّق العرق الأبيض. وتجذب العقيدتان الشبان الصغار والتائهين المصابين بخيبة أمل لأنهم ينشدون الانتماء والهوية. وأدرك العديد من المحللين التقدميين هذا الأمر بشأن المتطرفين الإسلاميين على نحوٍ صحيح. ولكن ليس بوسعهم الآن إجبار أنفسهم على تطبيق الفكرة نفسها على الشبان ذوي البشرة البيضاء المعزولين اجتماعياً.
تجدر الإشارة في هذا الإطار بأنّ محاولة فهم ما الذي يقود هؤلاء الشبان البيض المنعزلين لارتكاب هذه الأعمال لا تعني بأنّ الأشخاص يتعاطفون معهم أو يضفون عليهم الطابع الإنساني. بل يعني ذلك أنّ الأشخاص يبحثون عن أجوبة تتعلق بكيفية الحؤول دون وقوع مزيد من الفظائع وإلا فنحن عالقون في دوامةٍ لا متناهية تبدأ من معرفة أنّ رجلاً أبيض غاضباً اشترى سلاحاً وصولاً لتفجيره أفكاره السوداوية بأفظع الطرق وأعنفها. ما لم نحاول معالجة هذه المشكلة، سنستمر في مراكمة الأثمان الباهظة لأننا كنا خائفين للغاية من الظهور وكأننا نضفي الطابع الإنساني على المرتكبين.
محاولاتنا لفهم سبب انجذاب بعض الشبان للعنف أصبحت تتأثر بشكلٍ كبير بسياسات المرتكب وهذا أمر يأتي بنتائج عكسية في فهم صلب المشكلة.
إلا إن كنت تؤمن بأنّ جميع الأشخاص يولدون عنيفين وأشراراً، من المفترض منطقياً بأنّ هنالك سبباً يدفع بالأشخاص نحو غياهب مظلمة وسيئة. ألا يستحق الأمر أن نسلّط الضوء عليه ونعمل على الحدّ منه قدر المستطاع؟
*نشر المقال في اندبندنت بتاريخ 31 مايو 2022
© The Independent