أعاد انتحار فتاة (14 سنة)، في إحدى قرى شمال لبنان، إحياء النقاش حول مشروع قانون "منع تزويج القاصرات"، فقد رمت الفتاة بنفسها من شرفة المنزل، وسرعان ما فارقت الحياة بسبب إصابات شديدة في الجسد، وتحدثت معلومات عن تعرضها لضغط نفسي قادها إلى إنهاء حياتها، والسبب الإكراه على الزواج ممن لا ترغب، خصوصاً وأنها في سن مبكرة للزواج، إلا أن الأب نفى ذلك خلال ظهور إعلامي، لأن "الفتاة ما زالت صغيرة"، و"القاضي سيسأل عن سبب تزويجها، ولن يوافق على تزويج فتاة في هذه السن" في حال لمس أي أسباب تدعو للريبة.
الحادثة قد لا تكون الأخيرة
وتعتبر المحامية ميسا شندر (مهتمة بقضايا التزويج المبكر) أن هناك محاولة لإدارة البوصلة بغير اتجاه في القضية، من خلال إشاعة أن انتحار الطفلة هو بسبب رفض أهلها تزويجها ممن ترغب. وقالت إنه، في هذه الحال، "مكان الطفلة في هذا العمر مقاعد الدراسة وليس الزواج، ويعود السبب في ذلك إلى عدم وجود تشريع قانوني يحمي الأطفال والقاصرات من التزويج المبكر". وتضيف شندر، "الأب يمكن أن يتحمل مسؤولية في حال إثبات تعرض للفتاة للضغط، وقد تسبب ذلك في انتحارها"، منتقدة وجود مواد قانونية على غرار المادة 252 عقوبات، "والادعاء بارتكابها أخطاء جسيمة من أجل تبرير أفعالهم"، وتنوه بأن قانون العقوبات يعاقب كل من يعقد زواج قاصر من دون إرادتها وبالإكراه.
ثقافة التزويج المبكر
في مطلق الأحوال، تقود هذه الواقعة إلى الحديث عن عدم وجود بنية اجتماعية وقانونية تحمي الأطفال في لبنان من التزويج في سن مبكرة. وفي الحقيقة، وبعيداً من أسلوب الإدانة والأحكام المسبقة، يعتبر هذا الطرح من المسائل الإشكالية في لبنان، ويعود السبب في ذلك إلى عدم تجانس البنية الاجتماعية في البلاد، وعادة ما ينتشر هذا النمط من الزواج في مناطق الأطراف والبيئات الاجتماعية التقليدية، ويغيب هذا الأمر عن مجتمعات المدينة حيث يتأخر سن الزواج بسبب انتشار التعليم وعمل المرأة والرجل والشراكة الاقتصادية بينهما.
ويعتمد نظام التزويج المبكر على مجموعة من الأفكار والقيم مثل الحشمة، والاستفادة من سن الخصوبة للإنجاب، وتأسيس أسرة في سن مبكرة، وحماية الشبان من الانحراف، وغيرها من التبريرات، كما دخل العامل الاقتصادي بقوة على هذا الطرح من خلال الطمع برفع الأعباء الاقتصادية للفتاة عن كاهل الأهل في ظل الانهيار المالي غير المسبوق وانتشار الفقر في لبنان.
ضرورة إقرار قانون جديد
وتطالب المحامية شندر بتعديل القوانين اللبنانية وصولاً إلى منع التزويج المبكر، وتحديد سن أدنى للزواج. وتلفت إلى "تزايد نسب تزويج الطفلات ما دون الـ18، لا سيما في المناطق النائية، وفي المجتمعات العشائرية، والعشوائيات والمجتمعات الأقل ثقافة"، وتشير إلى أن "مقدمة الدستور اللبناني نصت على الالتزام بأحكام مواثيق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلى أن تجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات، كما أن لبنان وقع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المختلفة التي تكفل حق جميع الأفراد في عقد الزواج بموافقة كلا الطرفين موافقة حرة وتامة"، لذلك تعتبر شندر أن الرضا عنصر أساس لعقد الزواج، كما "تنص اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج، على وجوب أن يعرب الطرفان شخصياً عن هذه الموافقة بحضور سلطة متخصصة، كما تستشهد بالمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تلزم الدول بأن تضمن على أساس المساواة بين الرجال والنساء، من جملة أمور، الحق نفسه في حرية اختيار الزوج وعدم عقد الزواج إلا بموافقة حرة وتامة"، وإلا "لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني".
تعاقد الأطفال مشروط قانوناً
من الناحية النظرية الوضعية، تعتبر سن 18 سنة معياراً لتمتع الأفراد بالأهلية، على اعتبار زواج من هم دون هذه السن زواجاً قسرياً، لأن من لم يبلغ هذه السن يعتبر قاصراً وغير متمتع بالأهلية القانونية الكاملة برأي القانون. وتنبه المحامية شندر إلى أن اتفاقية حقوق الطفل تحض الدول الأطراف على "اتخاذ التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر صالح الأطفال"، كما أن "مختلف القوانين اللبنانية الخاصة من قانون الموجبات والعقود وأصول محاكمات مدنية وقانون تأسيس الجمعيات وقانون التوظيف وقانون السير وقوانين الأحوال الشخصية لبعض الطوائف وغيرها، تكرس وجوب إتمام اللبناني أو اللبنانية لـ18 من العمر ليكون أهلاً للالتزام أو التقدم للوظيفة أو عقد الزواج وغيره"، وتستند ميسا شندر على الحجج القانونية السابقة لتطالب بحماية القاصرات من التزويج المبكر، مشيرة إلى أن "الآثار السلبية الناتجة عن التزويج المبكر كلفت القاصرات وذويهن والمجتمع اللبناني كثيراً من الخسائر والمشكلات على الصعد الاجتماعية والصحية والنفسية والقانونية".
مجلس النواب
ومنذ سنوات، تضغط جمعيات المجتمع المدني في لبنان المهتمة بتحقيق المساواة المجتمعية والعدالة للمهمشين وتحديداً الأطفال والنساء من أجل تحديد سن أدنى للزواج وحماية القاصرات، وتتحفظ بعض الكتل النيابية على إقرار القانون الجديد لحجج مختلفة، البعض منها يأخذ طابع "عدم معارضة النصوص الدينية"، أو "مسايرة التقاليد والقيم الاجتماعية"، إضافة إلى وجود أولويات أخرى، ويتم التعويل على كتلة النواب التغييريين لإعادة تفعيل الاقتراح الذي يمس مباشرة الحقوق العائلية للإنسان، وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن الاقتراح الذي أسهمت بوضعه الهيئة اللبنانية لمكافحة العنف ضد المرأة، ليشكل نواة مشروع قانون لحماية القاصرات من التزويج المبكر.
وينتظر المشروع إقراره في مجلس النواب الجديد، بعد أن تمت مناقشته في لجنة حقوق الإنسان في ظل ولاية المجلس السابق، و"وضع في الجارور إلى حين إعادة مناقشته في ظل المجلس الجديد"، حسب شندر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينص الاقتراح على إلغاء مفاعيل بعض المواد القانونية التي تبيح التزويج المبكر كالمادتين 505 و518 عقوبات، وكذلك منع إعفاء المغتصب من العقوبة في حال عقد زواج صحيح مع الضحية الذي استمر في تلك المواد على الرغم من إلغاء مجلس النواب المادة 522 عقوبات التي كانت تمنحه أسباباً تخفيفية.
ضوابط واضحة
وتضمن مشروع القانون المتعلق بحماية القاصرات من التزويج المبكر جملة معايير، فهو يحدد في مادته الأولى، "يقصد بكلمة طفل كل فتى أو فتاة دون الـ18 من العمر مكتملة"، وجاء في المادة الثانية، "لا يجوز عقد زواج الرجل والمرأة على الأراضي اللبنانية ما لم يطبقا الـ18 سنة مكتملة خلافاً لأي نص آخر"، كما منح الاقتراح صلاحية استثنائية للقاضي الناظر في قضايا حماية الأحداث لناحية إعطاء الإذن بعقد زواج من أتمت الـ16 من عمرها، وفق شروط نص عليها القانون من قبيل تقديم طلب الإذن بموجب استدعاء موقع من قبل أولياء المطلوب تزويجها. وطالب الزواج الراشد، وتحديد السبب الموجب للحصول على إذن الزواج قبل بلوغ السن القانونية وتثبت فيه مصلحة القاصر من عقد هذا الزواج، كذلك تقديم طالب الزواج صورة من عقد ملكية أو عقد إيجار لمنزل سكني ملائم موقع لصالحه على ألا تقل مدته عن سنة كاملة.
إلى ذلك، تضمن الاقتراح ضرورة الاستماع إلى القاصر المطلوب تزويجها، وإلى أوليائها وطالب الزواج الراشد بصورة منفصلة، بشكل ملزم، وفي جلسة سرية تدون فيها الإفادات والأسباب التي استدعت تقديم طلب الحصول على إذن للزواج، ومنح الاقتراح قاضي الأحداث صلاحية الاستعانة بخبرة المساعدة الاجتماعية والمختصة النفسية لوضع تقرير عن حالة المطلوب منحهما الإذن، قبل اتخاذه قراره المعلل، على أن يتخذ التدابير الحمائية الملائمة في حال تبين له تعرض القاصر للعنف بمختلف أشكاله أو الإكراه أو الاعتداء الجنسي.
ونص الاقتراح بإنزال الغرامة المالية والحبس على كل من عقد أو شارك في عقد زواج قاصر من دون الحصول على الإذن القضائي المبرم. إضافة إلى تعديل المادة 505 عقوبات لناحية إنزال عقوبات بالأشغال الشاقة المؤقتة من جامع قاصراً دون سن الـ15 سنة.