لم يقيّض النجاح لأي تحالف أو حلف جرى اقتراحه والعمل عليه في منطقة الشرق الأوسط والأدنى أو غرب آسيا بحسب التسميات المتنوعة والمتحورة. فالحلف أو التحالف يقتضي تحديد أهداف واضحة مشتركة للأطراف أو مجموعة الدول التي تنضوي في إطاره. وفي مشاريع الأحلاف الكبرى التي طرحت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تراوحت الأهداف بين محلية إقليمية وبين دولية متصلة بالصراعات الكونية. وفي مختلف الحالات، ظهر العجز عن استكمال أي مشروع، فتشتّت الآمال بقيام كيانات تعمل من أجل برامج موحدة وساد فراغ سارعت إلى محاولة ملئه قوى دولية وإقليمية، ما أوصل المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان إلى شمال أفريقيا إلى الواقع الممزق الذي تعيشه اليوم.
كان قيام جامعة الدول العربية أول مشروع تحالف جدي تحت عنوان مواجهة المخاطر التي تتعرض لها فلسطين، وأقرت الجامعة جانباً عسكرياً دفاعياً، إلا أنها بعد 77 عاماً على نشوئها، تبدو جسماً مفككاً عاجزاً ليس فقط عن التصدي للمهمة التي قامت من أجلها، وهي فلسطين، بل عن مواكبة مشكلات فرعية أقل خطورة في علاقات البلدان العربية بعضها بالآخر، وفي التمزق الذي شهدته وتشهده هذه البلدان، نتيجة صراعات داخلية تغذيها مطامع إقليمية، ما يهدد وحدتها ووجودها.
خلال سنوات طويلة، قامت تحالفات مناطقية عربية واندثرت على خلفية مراوحة تجربة الجامعة. لم تصمد الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا أكثر من ثلاثة أعوام، وبقي الاتحاد المغاربي والاتحاد العربي حبراً على ورق. وحدها تجربة مجلس التعاون الخليجي التي انطلقت في 1981 نجحت في التأسيس لتجربة واعدة وأكثر صلابة.
إذا كانت تجربة التحالف العربي الأكبر (الجامعة) استندت إلى ضرورة مواجهة ضياع فلسطين ومنع هذا الضياع، فإن تجربة مجلس التعاون فرضتها ظروف التحولات الطارئة في الخليج والجزيرة العربية بعد الانسحاب البريطاني مطلع سبعينيات القرن الماضي وقيام سلطة الملالي في إيران عام 1979، وإطلاقها نظرية تصدير الثورة المذهبية لدول الجوار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم تغِب فلسطين عن مقررات مجلس التعاون يوماً ولا عن ممارساته السياسية والدبلوماسية، لكن بدا واضحاً أن ثمة تحدياً جديداً لا يقل خطورة، آتياً من شرق الخليج، سيفرض تطوير التحالف على المستويات كافة بما في ذلك المستوى العسكري.
أمران، بمعزل عن توجهات السياسات الدولية، جعلا تجربتَي الجامعة العربية ومجلس التعاون يعيشان ويستمران، هما شعور الأعضاء بتهديد مباشر، في البداية من إسرائيل التي تمعن في تجاهل الحقوق الفلسطينية ثم من إيران، التي عبر تدخلاتها المباشرة أو بواسطة شبكاتها السياسية المذهبية المسلحة، أمعنت وتمعن في تهديد وحدة المجتمعات العربية والاعتداء المباشر على أمنها وسيادتها.
ومن مهازل القدر أن ايران التي تمارس هذا الدور العدواني في المشرق والخليج، إنما تفعل ذلك رافعةً لشعارات المعركة ضد إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، في برنامج سياسي لم يرَ ترجمة له يوماً سوى في إضعاف البنية العربية وتقسيم الشعب الفلسطيني وخوض المعارك في حلب وبغداد وصنعاء وبيروت.
لم تنجح في السابق سياسة الأحلاف التي رعتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لأنها استندت إلى معايير الحرب الباردة والمواجهة مع الاتحاد السوفياتي. وفشل حلف بغداد (1955) في ضم أي دولة عربية إليه غير العراق الذي سينسحب منه بعد انقلاب عبد الكريم قاسم (1958). كان الهدف الغربي من الحلف إكمال الطوق حول بلاد السوفيات لوقف "المد الشيوعي"، بعد قيام "حلف الأطلسي" غرباً وتحالف جنوب شرقي آسيا في أقصى الشرق بمواجهة روسيا والصين، غير أن المشروع فشل في مهده، وأدى تجاهله لحيثيات الصراع العربي الإسرائيلي إلى ابتعاد القوى العربية الأساسية عنه، وأنتجت سياسته المعادية لموسكو حضوراً سوفياتياً متيناً في سوريا والعراق ومصر واليمن، كان مدخله صفقات السلاح ودعم مشاريع إنمائية وعنوانه الوقوف إلى جانب العرب في المعركة ضد إسرائيل. وأخيراً، انتهى حلف بغداد الذي ضم تركيا والعراق وإيران وباكستان بعد سقوط الشاه في 1979، ثم تبدلت معطيات الصراع الدولي تماماً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وبدء الحروب على الإرهاب التي فرضت تحالفات من نوع جديد ودوراً متميزاً لأميركا وقواتها المسلحة في المنطقة وعلى مستوى العالم.
مرةً جديدة اليوم، ومنذ فترة، يجري الحديث عن "ناتو" شرق أوسطي أو عربي، ويذهب البعض إلى تخيل تحالف عربي إسرائيلي في وجه إيران. وليس في ذلك الحديث ما يثير الكثير من الاستغراب. إلا أن أي تحالف سيُطرح، ستكون عليه الإجابة عن سؤالين أساسيين: ما الذي سيقترحه بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ وما الذي سيفعله بشأن المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة العربية؟
في الأجوبة عن هذين السؤالين يمكن توقع شكل ومضمون وحدود أي تحالف أو تعاون قد ينشأ، سواء كان مقتصراً على الدول العربية، أو بالشراكة مع قوى دولية، ومن دون شك ستوفر قمة جدة المقبلة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومجموعة الدول الخليجية والعربية، بعض الأجوبة حول مستقبل الشراكة والتعاون بشأن مسارَي الصراع القديم والمتجدد في المشرق العربي وعلى حدوده.