في الوثائقي الجديد "الأميرة" The Princess عن ديانا أميرة ويلز، نرى العضو الراحلة في العائلة المالكة تقود سيارتها بسرعة بعد التمرين في صالة رياضية خاصة.
حدث ذلك في فترة ما خلال التسعينيات، وتسلق المصورون على أكتاف بعضهم لالتقاط صورة لها، ثم تنتقل الكاميرا إلى استوديو برنامج "كيلوري سيلك" الحواري على شاشة "بي بي سي". تصرخ إحدى الحاضرات بذهول "إنها غنية بما يكفي لتكون لديها صالة ألعاب رياضية خاصة بها"، يجيبها كيلوري سيلك، "في شقتي المكونة من غرفتي نوم في منطقة بيكهام أضع دراجة التمرين الخاصة بي في الصالون. لا يمكنك أن تقولي لي إن امرأة تبلغ موازنتها مئات الآلاف من الجنيهات سنوياً وتعيش في منزل بضخامة منزلها لا تستطيع امتلاك صالة خاصة بها للألعاب الرياضية".
تكاد السيدة أن تنفجر من الغضب. يقول كيلوري سيلك "إن [ديانا] تحب أن تكون مع الناس"، لكن المرأة لا تقتنع أبداً بهذا الكلام وتجيب، "اللعنة، إنها تحب أن تكون قبلة الأنظار".
"الأميرة" هو أحدث حلقة في "المجمع الصناعي التذكاري لديانا"، وقوامه مجموعة من أحدث الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والوثائقيات وأبرزها مسلسل "التاج" The Crown وفيلم "سبينسر" Spencer - الذي يعيد سرد قصة يعرفها الجميع قطعاً.
سواء كان هواك جمهورياً أم ملكياً، ولو كنت متقدماً في السن أم شاباً، ستتمكن من تذكر التفاصيل الحميمة لحياة ديانا عن ظهر قلب الآن. انتظر قليلاً وربما تستطيع قطتك الأليفة القيام بذلك أيضاً، ومع ذلك فإن النهج الجديد لـ "الأميرة" يقضي بالاستناد إلى لقطات أرشيفية لا غير، بدلاً من الضيوف المتحدثين أو التعليق التوضيحي، هناك تقارير إخبارية ومقاطع تلفزيونية ومقاطع مصورة بشكل غير احترافي.
بشكل عام يعد الفيلم تذكيراً واقعياً بأن ديانا كانت امرأة لم نسمح لها أبداً بأن تعيش بعيداً من الكاميرات.
باعتباره كبسولة زمنية لحياة مستهلكة جداً، فإن "الأميرة" لا يقدم أشياء مفاجئة كثيرة، لكن نهجه يساعد في وضع ديانا في سياق العصر الذي عاشت فيه ويستكشف كيف عكست الطريقة التي عوملت بها عصبية الجمهور البريطاني، ومن خلال القيام بذلك فإنه بشكل لافت للنظر يعد صورة لبريطانيا كما كانت ولا تزال وستكون دائماً ربما، أو لنكن دقيقين أكثر، إنه تصوير لنوع من الجنون بريطاني جداً.
يعامل الجمهور ديانا على أنها المرهم الشافي لأمة تعرضت لجروح تحت حكم ثاتشر، وبمرور الوقت يقرر الجمهور أنها بطلة ومجنونة وتعرف ما تريد من الناس وساحرة، وعند موتها اعتبرت قديسة. كانت التطرفات الغريبة التي سلطت عليها الدافع لصنع الفيلم، جزئياً على الأقل.
يقول المنتج سايمون تشين "لقد قاومتُ الفكرة كثيراً. هل يحتاج العالم إلى فيلم وثائقي آخر عن ديانا؟ كنا نعلم أننا لن نقدم على الأرجح أي اكتشافات جديدة عنها، لكن يمكننا أن نقدم شيئاً جديداً في طريقة تعاطينا مع سرد القصة.
يسمح أسلوب "الأرشيف فقط" للجمهور بإسقاط إدراكهم المتأخر ومعرفتهم وتحيزاتهم وحمولتهم الخاصة على القصة".
يضيف المخرج إد بيركنز، "صحيح أن هذا فيلم عن ديانا، لكن الأمر يتعلق أيضاً بثقافة المشاهير والثقافة التي نعيش فيها. هناك أوجه تشابه واضحة مع طريقة هوسنا بديانا وعيشنا المتلصص على حياتها والطريقة التي نتفاعل بها مع ثقافة المشاهير اليوم. أعتقد أيضاً أنه من السهل جداً سرد قصة ديانا من خلال عدسة الصحافة الشعبية أو تطفل الصحافة، ومن الواضح أنها جزء من هذه القصة لكن ربما يكون السؤال الأكثر صعوبة هو مالذي يقوله [كل ذلك] عنا، ودورنا في ما حدث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس الهدف من هذا الفيلم هو إلقاء اللوم ولكن محاولة نقد الذات وأن نكون صادقين في شأن أنفسنا".
بالنظر إلى أنني من أبناء جيل الألفية المحير النهم بطبعه إلى المحتوى الذي يتناول قصة ديانا، مثل رغبته في التلذذ بالفُتات المتبقي في كيس البطاطس المقرمشة، فقد فوجئت عندما وجدت أنني لم أرغب في رؤية ديانا على الشاشة في "الأميرة".
طوال الفيلم انصب تركيزي على الأشخاص الموجودين في الفيلم والذين هم مثلي على ما يبدو، كانوا يحبون التحديق في واحدة من أشهر النساء في التاريخ الحديث، وعلى كل حال بدا القليل منهم وكأنهم يحبونها بالفعل، وبدلاً من ذلك بدا أن الشك ينتابهم حيالها في شكل دائم، أو أنهم ينظرون إليها كمرآة تعكس كل ضغائنهم الشخصية والاستياء الذي لا علاقة له بها.
عندما نفكر في الهستيريا العامة المرتبطة بديانا فإننا نميل إلى التفكير في جنازتها أو المتفرجين النائحين الذين يلقون الورد على بوابات القصر ويبللون معاطفهم التي تحمل علم المملكة المتحدة بالدموع.
لم أصدر أبداً أحكاماً قاسية على فيض الحزن هذا. كانت ديانا جميلة وجذابة وحسنة الأخلاق بكل المقاييس ومنسجمة تماماً مع الناس من جميع الأطياف، وفي صلب كل هذا كانت أيضاً أماً في الـ 36 من عمرها لطفلين صغيرين قتلت في ظروف مأساوية.
عندما نجمع كل تلك العناصر سوية سنجد أنه ليس من المستغرب أن تبدو البلاد وكأنها أصيبت بذهول مدمر.
لكن "الأميرة" يشير إلى أن نوعاً مختلفاً من الجنون، وليس شيئاً يمكن تسويغه بأي شكل، أصاب الجمهور البريطاني في وقت سابق.
كان هذا جنوناً متجذراً في الغضب الحزين على ديانا وخياراتها، وهي الخيارات التي كانت في بعض الأحيان خاصة بها، وأحياناً أخرى صنيعة الصحف الشعبية. من الواضح وجود تحيز جنسي وحسد أيضاً.
لكن ديانا أخلت أيضاً بعدد من الاتفاقات الاجتماعية غير المعلنة، السمات نفسها التي جعلتها محبوبة لدى كثيرين، الصدق والتعاطف والدهاء الذي لا يخضع للرقابة، حولتها إلى مشكلة أيضاً.
يبدو هذا أكثر بروزاً في الفيلم ضمن المقاطع المستمدة من برنامج "كيلروي" الحواري الذي كان يقدمه عضو سابق في البرلمان لا يتمتع بأي جاذبية ضمن ديكور يشبه غرف الانتظار الأنيقة في عيادات طب الأسنان، وكان الأمر الأكثر رسوخاً في الذاكرة عن البرنامج وهو الجمهور المكره على التلاصق، حيث حشر الأفراد في مكان ضيق مثل الأواني المستخدمة لاحتواء العينات المجهرية.
في "الأميرة" نرى ضيوف البرنامج يتهمون ديانا بتدنيس العائلة المالكة. تنتقد الاختصاصية الاجتماعية والكاتبة ليدي كولين كامبل بشدة علاقاتها الغرامية وتقارن بينها وبين تشارلز لمعرفة من منهما كان متعدد العلاقات الجنسية العابرة أكثر، وحتى عندما يتم الحديث عن ديانا باحترام فهناك نبرة مهووسة غير واقعية. تصرخ امرأة أسترالية، "أتعتقد أننا لا نحب أميرنا وأميرتنا وملكتنا؟ إنهم يحظون بالاحترام في جميع أنحاء البلاد وفي جميع أنحاء العالم".
على كل حال، لم يقتصر الأمر على الجمهور في استوديو برنامج كيلروي، ففي برنامج آخر افترض أحدهم أن ديانا ستواجه "صعوبة كبيرة" في العثور على زوج جديد "لأنها كانت حاقدة جداً على تشارلز" و "متطلبة جداً"، بينما غضب رجل آخر من ادعاء أن ديانا حاولت الانتحار زاعماً أنه "لم ير قط أي ندوب في أي صورة لها"، وهناك امرأة تتصل ببرنامج إذاعي للتعبير عن قلقها من تربية ديانا لوليام وهاري، وتصر على أنها "ستعلمهما كيفية التقيؤ كي لا يضطرا إلى فعل الأمور التي لا رغبة لهما بها، وستعلمها كيف يضربان الأرض بأقدامهما الصغيرة غضباً. ستعلمهما الكذب، وستعلمهما كيفية التلاعب بأصدقائهما كي يسمع العالم نسختهما فقط من الحكاية".
مشاهدة كل تلك المقاطع في تتابع سريع بدت بشعة وبدت أيضاً وكأنها رسم توضيحي لشخصية المواطن الذي يعيش في وسط إنجلترا. لا أعرف من أين يأتي هذا الغضب التافه والبائس والصاخب. إنهم المتلصصون، الأشخاص الذين ينشرون عبر "تويتر" ميمات مسيئة عن أوين جونز أو الذين كانوا يعشقون أديل إلى أن أصبحت غنية جداً ونحيلة.
اللباقة والاحترام والصورة أهم بكثير بالنسبة إلى هؤلاء الناس من الصفات الروحية للمرء، وقد يكون هذا كله نتاج النظام الطبقي الذي يستمر في تربية الأجيال على الازدراء والنفاق والـ "بارانويا"، لكن هناك شيئاً واحداً واضحاً وهو أن هذا النوع من الخطاب سبق وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك لا يمكننا إلقاء اللوم على "تويتر".
يثبت "الأميرة" أنه كان موجوداً قبل الـ "سوشال ميديا" وتطبيقاتها بوقت طويل، بل وكان موجوداً فينا، ولسبب ما يزداد الأمر سوءاً عندما نتحدث عن العائلة المالكة.
واحدة من أقسى المفارقات في "الأميرة" هي أنه بغض النظر عن تقبلنا العام في الوقت الراهن لحقيقة أن ديانا عوملت بشكل مروّع من قبل أهل زوجها والصحافة الشعبية، يبدو أننا لم نتعلم الدرس جيداً.
يحوم طيف ميغان ماركل فوق معظم لقطات الفيلم في أوجه تشابه لا تصدق بين طريقة الحديث والكتابة عن ديانا والتغطية الصحافية المستمرة التي تتعرض لها ماركل، ولا يمكنك أيضاً إلا أن تتساءل عما إذا كان عدد من الأشخاص الذين أرسلوا تغريدات كراهية حول هاري عندما غادر العائلة المالكة قد حزنوا فعلاً على والدته قبل عقدين من الزمن، فربما كانوا هم الأشخاص ذاتهم الذين استماتوا في محاولة الإمساك بيده وهو يسير خلف نعش ديانا.
يشير المخرج بيركنز، "يمكنك القول بسهولة إننا لم نتعلم أبداً، فعندما غادر هاري وميغان [العائلة الملكية] انقسم الجمهور على الفور إلى فريقين وتحولت القضية إلى شأن ترفيهي، وقد شاهدنا جميعاً لقاء الثنائي مع أوبرا وينفري.
أثناء المقابلة تنسى أنك تشاهد عائلة تمر بوقت عصيب للغاية. أعتقد أنه من المحتمل أننا أخذنا بعض العبر ولكن هناك أيضاً دروس ربما تعلمناها جميعاً لكننا نسيناها بسرعة".
يعرض وثائقي "الأميرة" في بعض دور السينما حالياً
© The Independent