أعلنت الجزائر رفع سعر بيع الغاز التعاقدي الموّرد، عبر خط أنبوب نقل الغاز "ميدغاز" الذي يربط الجزائر بأوروبا عبر إسبانيا، بسبب تطورات ظروف السوق العالمية، وهي الخطوة التي من شأنها إعادة رسم علاقة الجزائر مع شركائها وتغيير بعض أجزاء المشهد الإقليمي.
قرار يشمل كل المتعاملين
وبعد أيام من كشف الرئيس التنفيذي للشركة النفطية الحكومية "سوناطراك" توفيق حكار عن تفعيل بند مراجعة عقود الغاز مع جميع الشركاء، بسبب ارتفاع أسعار الغاز في السوق الدولية بشكل كبير، جاء التنفيذ سريعاً مع إبرام اتفاقية مع شركة الطاقة الفرنسية "إنجى"، حول العقد المبرم معها منذ عام 2011، لتوريد الغاز الطبيعي عبر خط أنبوب نقل الغاز "ميدغاز"، التي تنص على مراجعة سعر بيع الغاز التعاقدي المطبق على مدى ثلاث سنوات، والممتد إلى غاية عام 2024، بسبب تطورات ظروف السوق.
وتأتي الخطوة بعد تداول جهات عزم الجزائر مراجعة أسعار الغاز مع إسبانيا، فقط، بسبب الخلافات الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الذي يجعل القرار يشمل كل المتعاملين، وفق ما ذكر الرئيس المدير العام للشركة البترولية الجزائرية توفيق حكار، أن مراجعة الأسعار تشمل جميع المتعاملين، وأن بلاده "ستتفاوض مع جميع عملائها لمراجعة أسعار الغاز"، مشدداً على أن "مراجعة الأسعار لا تستهدف شركة أو دولة بعينها".
الخطوة اقتصادية بامتياز وليست سياسية
وتعليقاً على القرار، قال أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، إن الخطوة اقتصادية بامتياز وليست سياسية، على اعتبار أنه في الحالة العكسية، أي مع انخفاض الأسعار، سيطلب الزبائن مراجعتها، مضيفاً أن من حق الحكومة السعي لتحقيق مداخيل أكبر لتغطية النفقات الكبيرة المخصصة لميزانية 2022 التي تقدر بـ71 مليار دولار، ومواجهة العجز الذي يفوق 31 مليار دولار، إضافة إلى أن شركة "سوناطراك" التي خصصت مبلغاً مهماً للاستثمار يقدر بـ39 مليار دولار يمتد إلى غاية 2026، من غير الممكن، كمؤسسة اقتصادية تبحث عن الربح، أن تغض الطرف عند ارتفاع الأسعار وتضيع الفرصة.
وتابع الحيدوسي، بخصوص العقود المبرمة بين الجزائر وزبائنها الأوروبيين، أنها طويلة الأجل، والجزائر دائماً عند تعهداتها التعاقدية، ولم يحدث، يوماً، أن أخلت بالتزاماتها، مشيراً إلى أن من بين بنود العقود إمكانية مراجعة الأسعار والكميات كلما دعت الضرورة لذلك، بعد فتح قنوات الاتصال والتفاوض.
ضغط "رهيب" سابق من الزبائن
وشهدت الجزائر، عامي 2018 و2019، ضغطاً "رهيباً" من زبائنها الكبار، من أجل تخفيض الأسعار تماشياً مع وضع الأسواق العالمية آنذاك، مستغلين وصول العقود طويلة الأمد إلى نهايتها، ما دفع الجزائر إلى تجديد العقود ومراجعة البنود، وكانت البداية في 16 مايو (أيار) 2019، مع شركة "إيني" الإيطالية، الشريكة التاريخية للجزائر، و"سوناطراك"، حين وقع الطرفان على تجديد عقود توريد الغاز لإيطاليا لـ10 سنوات اعتباراً من 2020، وبكميات تراوح بين تسعة مليارات و10 مليارات متر مكعب سنوياً، على الرغم من أنها كمية أقل مما كانت عليه سابقاً بالنظر إلى تراجع نمو الاقتصاد الإيطالي.
كما اتفق الطرف الجزائري مع نظيره البرتغالي "غالب"، في 11 يونيو (حزيران) 2019، على تجديد عقد تصدير الغاز لـ10 سنوات أخرى اعتباراً من 2020، بكميات تصل إلى 2.5 مليار متر مكعب سنوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق للاتحاد الأوروبي، في قمته الأخيرة، الكشف عن عمل أعضائه الـ 27 والمفوضية معاً، بشكل عاجل على الشراء الطوعي للغاز والغاز الطبيعي المسال والهيدروجين، عبر استغلال ثقله الاقتصادي من أجل الاستفادة من أسعار مواتية، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد، إن "الشراء المشترك والقدرة على أن نبرم عقوداً طويلة معاً، هو الوسيلة الفضلى لخفض الأسعار".
التخوف من تكرار سيناريو النظام السابق
إلى ذلك، اعتبر الناشط السياسي حليم بن بعيبش أن أوضاع السوق هي التي فرضت على الجزائر رفع الأسعار، لأن السير عكس التيار مستحيل، وقال إن العقود المبرمة على علاقة بالتمويل، أما الأسعار فمحكومة بالسوق مع استثناءات لدول صديقة، مضيفاً أنه، كما للجزائر الحق في رفع أسعار الطاقة، فإنها تتأثر برفع الدول الأوروبية أسعار المواد الاستهلاكية التي تستوردها، لكن بإمكانها تحمل تبعات ذلك بسبب المداخيل الكبيرة التي تستقبلها جراء ارتفاع أسعار البترول والغاز، وشدد على أن التخوف من تكرار سيناريو النظام السابق يبقى مشروعاً في ظل عدم وجود مخطط مدروس للنهوض بالاقتصاد بمختلف مجالاته الفلاحية والسياحية والصناعية، وختم أن الارتفاع الكبير لأسعار المحروقات فرصة تاريخية للنهوض بالاقتصاد، لذلك يجب على الجزائر استغلال الفرصة لأن هذا الوضع لن يدوم للأبد.
هشاشة القطاع
في المقابل، تحدثت دراسة أعدها وزير الطاقة الجزائري السابق عبد المجيد عطار، حول واقع قطاع الطاقة وتحدياته في الجزائر بحلول عام 2035، عن تصاعد استهلاك الطاقة في بلاده، بين عامي 2017 و2019، حيث شهد الغاز الطبيعي ارتفاعاً بـ80.6 في المئة، والكهرباء بـ78.2 في المئة، ثم المنتجات النفطية بـ51.5 في المئة، وبعدها غاز النفط المسال، وأن أكبر المستهلكين هي القطاعات غير المنتجة، أي المساكن بـ64 في المئة، وبعدها قطاع النقل الذي شهد قفزة كبيرة من حيث الاستهلاك بلغت 139 في المئة، وفي المرتبة الثالثة الصناعة والأشغال العمومية، وتوقعت ارتفاع استهلاك الوقود 15.2 مليون طن، أي ما يقارب 108 ملايين برميل، من النفط المكافئ في 2019 إلى 19 مليون طن، إلى حوالى 135 مليون برميل، بحلول عام 2030، وشددت على أنه مع نمو الاستهلاك المحلي، من المتوقع ألا تفوق صادرات النفط والغاز الجزائرية في عام 2033 نسبة 10 في المئة، في حين يتوجه 90 في المئة من الإنتاج نحو تغطية الاحتياجات الداخلية.
وأرجعت الدراسة هشاشة قطاع المحروقات، إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها ارتباطه بنموذج استهلاك يهيمن عليه الاستعمال المفرط للغاز الطبيعي، والموجه بالدرجة الأولى إلى القطاعات غير المنتجة، لا سيما الاستهلاك المنزلي والإدارات والجماعات المحلية، بينما يتعلق الثاني بوتيرة ارتفاع نسبة نمو الطلب الداخلي على الطاقة، التي تبلغ في المتوسط سبعة في المئة سنوياً، لارتباطها بنظام دعم الأسعار لمختلف منتجات الطاقة، كالكهرباء، والوقود، والغاز، في حين يخص السبب الثالث الذي يهدد صادرات النفط والغاز، استنزاف المخزون الوطني من المواد الطاقوية بخاصة الغاز، الأمر الذي يفرض تسريع وتيرة برامج الطاقات المتجددة لتخفيف الضغط على هذا المورد غير القابل للتجديد.