مع اقتراب الموعد النهائي لاستئناف توريد الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا هذا الأسبوع، يتزايد قلق المسؤولين الأوروبيين والمديرين التنفيذيين بشأن التداعيات الاقتصادية المتتالية التي قد تنتشر في كل أنحاء القارة إذا أبقت موسكو الصنبور مغلقاً. وكان خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز من سيبيريا إلى ألمانيا، أُغلق الإثنين 18 يوليو (تموز) الحالي، للصيانة السنوية التي من المتوقع أن تستمر 10 أيام. ويخشى كثيرون في الغرب أن موسكو قد تطيل فترة الإغلاق، وربما بشكل دائم، ما قد يحرم ألمانيا، القوة الصناعية في أوروبا، من أحد المكونات الرئيسة لمصانعها ومصانع جيرانها.
وألقى القادة الأوروبيون باللوم على موسكو لاستخدامها الغاز كسلاح عندما بدأت التدفقات على طول خط الأنابيب بالانحسار الشهر الماضي. وفي المقابل، ألقت موسكو باللوم في هذا النقص على مسائل فنية تتعلق بالعقوبات الغربية.
ووفقاً لجدول الصيانة السنوي، سيعود "نورد ستريم" إلى العمل، الخميس المقبل، مما يعني أن تدفق الغاز يجب أن يُستأنف في اليوم التالي.
ويقول المسؤولون والمسؤولون التنفيذيون، إنه قد لا يكون من السهل تحديد ما إذا كانت روسيا تستعيد تدفقات الغاز بالكامل. وبموجب أحد السيناريوهات، يمكن لموسكو إعادة تشغيل خط الأنابيب ولكن بكميات أقل، كما فعلت واقعياً قبل الإغلاق، مشيرة إلى مشاكل فنية مرتبطة بالعقوبات.
فراغ "نورد ستريم" وإعلان ألمانيا الطوارئ
وقالت شركة المرافق "يونبير أس أي"، أكبر مشتر للغاز الروسي في ألمانيا، إنها تلقت خطاباً من شركة "غازبروم بي جي أس سي"، المملوكة للدولة الروسية، تدعي "القوة القاهرة"– وهو إعلان قانوني يعفي الشركة من الوفاء بالالتزامات التعاقدية بسبب ظروف خارجة عن سيطرتها- لتبرير النقص السابق والحالي في توصيل الغاز.
وقالت "يونيبر"، إنها رفضت هذا الادعاء باعتباره غير مبرَر، بينما لم ترد "غازبروم" على الفور على طلب للتعليق من صحيفة "وول ستريت جورنال" التي أوردت الخبر.
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي، كما أنها تعمل كمركز عبور للغاز المتجه إلى النمسا وجمهورية التشيك وأوكرانيا. وتقوم الصناعة الألمانية أيضاً بتصنيع المواد الخام والمكونات، من الزجاج إلى البلاستيك والمواد الكيماوية الأخرى، والتي تُعتبر بالغة الأهمية للمصنّعين الآخرين في جميع أنحاء أوروبا وخارجها.
وأوقفت روسيا بالفعل ولأسباب عدة، إمداد فرنسا وبولندا وبلغاريا وفنلندا والدنمارك وهولندا بالغاز. وخفضت في الآونة الأخيرة الإمدادات إلى ألمانيا وإيطاليا، وألقت باللائمة في التخفيضات على العقوبات الغربية.
تداعيات بقاء "نورد ستريم" فارغاً
وفي حالة بقاء "نورد ستريم" فارغًا بعد الخميس 28 يوليو، قالت برلين إنها ستعلن حالة الطوارئ، باستخدام تشريع جديد للسيطرة على سوق الطاقة. وإذا أدى الخفض إلى نقص في الغاز، فقد يؤدي ذلك إلى تقنين الوقود.
وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، من أن الاتحاد الأوروبي يجب أن "يستعد لسيناريو يتعين علينا فيه التحول بالكامل من الغاز الروسي".
وفي ذات اليوم، قال الرئيس التنفيذي لشركة "شل بي أل سي"، بن فان بيردن، في مؤتمر للطاقة، إن أوروبا قد تحتاج إلى تقنين الطاقة وتواجه احتمال ارتفاع الأسعار بشكل حاد، حيث تستعد القارة لفصل شتاء "صعب حقاً".
وتصر برلين على أنها لن تقطع الصادرات إلى جيرانها. ولدى دول الاتحاد الأوروبي اتفاقيات- إحداها يُسمى توجيه "أس أو أس" وهي مُصممة لمنع دولة واحدة من تخزين الوقود في مثل هذا السيناريو، وكانت ألمانيا تعهدت بالتضامن مع العديد من جيرانها، في حال توقف الغاز الروسي عن التدفق.
وكان مفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة تييري بريتون قد سافر إلى برلين في وقت سابق من هذا الشهر. ويتمثل الهدف الرئيس لمسؤولي الاتحاد الأوروبي في ضمان عدم تكرار الأيام الأولى لوباء "كوفيد-19"، عندما قامت بعض الدول الأعضاء بتخزين المعدات الطبية والوقائية.
وقال بريتون بعد زيارة برلين، "يجب على كل دولة أن تثبت أنها ستفعل كل ما هو ممكن لنفسها وللآخرين". وقال مسؤولون، الخميس الماضي، إن الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، التي ينتمي إليها بريتون، ستنشر قريباً إرشادات جديدة للحفاظ على الغاز، تقترح الحد من درجة الحرارة في مباني المكاتب عبر الكتلة إلى 19 درجة مئوية، أو حوالي 66 درجة فهرنهايت.
القطاع الصناعي أول من سيواجه التقنين
ويتحول المصنعون الأوروبيون في الصناعات المتعطشة للغاز إلى أنواع وقود بديلة مثل النفط والفحم حيثما أمكن، ويقومون بتخزين المواد الكيماوية والمكونات الأساسية الأخرى قبل الشتاء، عندما يزداد الطلب على الغاز، وفقاً لمسؤولي الأعمال والتجارة. ويقول المسؤولون التنفيذيون والاقتصاديون في الصناعة، إن النقص الحاد في الغاز بما يكفي لفرض التقنين في أي دولة أوروبية - بخاصة في ألمانيا، أكبر اقتصاد في الكتلة– سيُحَس به حتماً في جميع أنحاء القارة.
من جانبه، قال السياسي الألماني غونتر أوتينغر، مفوض الطاقة السابق في الاتحاد الأوروبي لـ"وول ستريت جورنال"، إن "مثل هذا الحدث من شأنه أن يعطل سلاسل التوريد الأوروبية، لا سيما في قطاع البتروكيماويات، الذي يعتمد على الغاز والبترول كمواد خام. كما سيتأثر إنتاج الصلب والنحاس والسيراميك بشدة". ويعطي التشريع الألماني الأُسر والمؤسسات، مثل المستشفيات، أولوية لإمدادات الغاز، مما يجعل مرجحاً أن تكون الصناعة أول مَن يواجه التقنين في حالة النقص. وبالنظر إلى مدى تكامل اقتصاد القارة بشدة، فإن مثل هذه الخطوة ستنتشر بسرعة نحو الخارج.
وكتبت شركة التأمين الألمانية "ألاينز أس أي" في تقرير حديث، إن "الاتحاد الأوروبي بأكمله سيتعرض للمعاناة إذا دخل أي اقتصاد بمفرده في ركود حاد وطويل الأمد" نتيجة لانقطاع إمدادات الغاز.
استيراد الكيماويات
ويذكر أن أكثر من 60 في المئة من المواد الكيماوية التي تستوردها ألمانيا، باستثناء الأدوية، تأتي من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وفقاً لاتحاد صناعة الكيماويات الألمانية، التي تضم العديد من أكبر شركات الكيماويات والأدوية في البلاد. وترسل ألمانيا بدورها غالبية صادراتها الكيماوية إلى العملاء الصناعيين داخل الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يمكن أن تعتمد المواد البلاستيكية والمواد الأخرى المصنوعة في هولندا على الأمونيا أو الأسيتيلين المنتجة في ألمانيا، وهو مركب يستخدم في اللحام وكحجر بناء كيميائي للبطاريات والكابلات وغيرها من المنتجات. ويقول مسؤولو المجموعة التجارية، إن هذه المواد البلاستيكية وغيرها يمكنها السفر عبر حدود أخرى لتشكيلها، أو للدخول في صناعة مقاعد السيارات، أو تغليف الأدوية، أو الإلكترونيات، أو مواد البناء.
ويحتوي الأسيتيلين أيضاً على استخدامات طبية، في حين تتلاعب مجموعات وشركات الصناعات الكيماوية بكيفية إعطاء المسؤولين الأوروبيين الأولوية للغاز الطبيعي للإنتاج الذي يُعتبر حاسماً لصنع الأدوية المنقذة للحياة، أو الأسمدة التي تزيد من غلة المحاصيل- وهو اعتبار رئيس في وقت يتفشى فيه تضخم أسعار المواد الغذائية.
وقال جاكوب هانسن، المدير العام لشركة "فرتيلايزر يوروب"، وهي مجموعة تجارية تمثل غالبية منتجي الأسمدة الأوروبيين، "نحن نبذل كثيراً من الجهد لشرح أنه إذا كان لا بد من إعطاء الأولوية للغاز، فيجب علينا في صناعة الأسمدة أن تكون الأولوية". وأضاف، إن "معظم العمال يعملون على مدار الساعة في اليوم باستثناء بضعة أسابيع من العام. وبالتالي يحتاج معظمهم إلى العمل بسعة ثابتة تبلغ 75 في المئة أو أكثر للحفاظ على الحرارة والضغط اللذين ينطوي عليهما عملية التصنيع".
وفي حال بدأت ألمانيا بتقنين الغاز، فسيكون للحكومة سلطة تقديرية لتقرير القطاع الذي سيتضرر أولاً أو الأكثر تضرراً وأيهما سيتضرر. وتضغط الشركات وجمعيات الأعمال على برلين بشدة من أجل تصنيف قطاعاتها على أنها "حرجة".
وقال متحدث باسم "الاتحاد الكيماوي الألماني"، الذي يشكل أعضاؤه أكبر مستهلكي الغاز الطبيعي في ألمانيا ويمثلون أكثر من 30 في المئة، "هدفنا الأهم هو ضمان عدم وجود نقص في الغاز في الاتحاد الأوروبي على الإطلاق". ويقول، "الاتحاد الكمياوي الألماني"، إن "الدول الأوروبية الأخرى قد تكون قادرة على استيعاب بعض الصناعات الكيماوية الألمانية إذا كانت إمدادات الغاز الطبيعي الخاصة بها تصمد بشكل أفضل". وقال المتحدث باسم الاتحاد، إن ارتفاع أسعار الغاز والمكونات الأخرى وتعقيدات نقل البضائع- بما في ذلك الغازات شديدة الاشتعال- تهدد بتفاقم تضخم الأسعار المؤلمة فعلاً.
سيناريوهات نقص الغاز
وقال رود شمينك، الشريك في شركة "ديلويت" للاستشارات التي تركز على سلاسل التوريد الصناعية، إنه في أحد السيناريوهات، يمكن أن يؤدي نقص الغاز الذي يضر بتصنيع البلاستيك إلى توقف إنتاج السيارات أو حتى الأحذية الرياضية. وأضاف، "يتدهور نقص الإمدادات إلى أسفل سلسلة القيمة، لكنه يزداد سوءاً".
ويمكن أن يتفاقم التهديد الذي تتعرض له إمدادات الغاز الروسي بسبب متغيرات أخرى، حيث قال مراقبون تجاريون، إن منتجي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة وعدوا بزيادة الإمدادات إلى أوروبا لكن العواصف الاستوائية الشائعة في هذا الوقت من العام، قد تُعطل هذه الخطط، بينما تعقد أيضاً شحنات البضائع الأخرى.
وقال غاي بيسانت، رئيس "ستولثافين تيرمينالز"، وهي جزء من ناقلة المواد الكيماوية "ستولت-نايلسين المحدودة" للكيماويات والمنتجات الأخرى على مستوى العالم، إن "خطوط أنابيب الغاز الأوروبية الحالية يمكن أن تتعامل مع بعض عمليات إعادة توزيع الوقود، ويمكن لسكك الحديد وخطوط الشحن الأخرى، إعادة توزيع بعض الإمدادات الكيماوية إلى دول أخرى- ولكن بتكلفة". وأضاف بيسانت، أن "السوق حارة في الوقت الحالي، وليس هناك كثير من الطاقة الفائضة لتخزين المواد الكيماوية".