مئة يوم مرت منذ إعلان الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي في السابع من أبريل (نيسان) الماضي، نقله كافة صلاحياته إلى مجلس قيادة رئاسي من سبعة أشخاص يرأسهم مستشاره الضابط الأمني السابق رشاد العليمي الذي بات الرئيس الثالث لليمن منذ توحيده عام 1990، إذ سبقه كل من علي عبدالله صالح وهادي ضم في عضويته كلاً من سلطان العرادة وطارق محمد صالح وعبد الرحمن أبو زرعة وعبدالله العليمي وعثمان حسين مجلي وعيدروس الزبيدي وفرج البحسني عقب سنوات مما يمكن تسميته انسداد فضاء الشرعية السياسي والعسكري، على أمل أن يفتح الكيان الجديد الأفق لحلحلة تمس ملف القضية اليمنية "سلماً أو حرباً".
ويومها اعترى الشارع اليمني حالة من التفاؤل بالكيان القيادي الجديد الذي يضم ثماني شخصيات مؤثرة كان لكل منها إسهام متفاوت في صناعة الأحداث ومتغيراتها التي طرأت في اليمن عقب الانقلاب الحوثي في عام 2014.
تحديات اللحظة والتوافق
لا يغيب عن المتابع التركة الثقيلة التي ورثها المجلس لقيادة بلد فوق رمال أحداث متحركة، ليست معركة استعادة الدولة أولها، ولا التردي المريع للخدمات والانهيار الاقتصادي والتعاطي مع مبادرات السلام الشامل الأممية والدولية آخرها، فالملفات كثيرة والمهام متشعبة بين خدمية وأمنية وسياسية واقتصادية وغيرها.
وما بين زناد النار في تخوم المدن التي تذود عنها الشرعية اليمنية وحلفاؤها من دول الجوار والأفواه الجائعة، ثمة مسافة رهيبة ومهام جلال تقع على عاتق العليمي وزير الداخلية القديم، وأعضاء مجلسه السبعة.
بين الثماني والمائة
ولهذا فحسبة المئة يوم، قد لا تكون كافية مقارنة بحجم ثمان سنوات من الحرب تخللتها مراحل متلاحقة من انهيار للدولة غذتها الانقسامات الحادة في صف الشرعية، إلا أنها تعطي ملمحاً أولياً عن نهج التعاطي السياسي العام للكيان الجديد الذي عقد عليه ملايين اليمنيين آمال وقف معاناتهم التي خلفتها الحرب الدائرة.
وعلى الرغم من استغلال رئيسه ونوابه لكل فرصة للحديث بلغة تفاؤلية عن مستقبل واعد مع الإشارة إلى توافق الأعضاء وانسجامهم، يلحظ المراقب أن التحديات ما تزال ماثلة تحيطها سلسلة من جبال التعقيدات التي تعترض سيره والمهام المتداخلة التي تصعب منها سياسة التوافق الحذر، من اتخاذ التدابير السريعة والكافية التي تسيطر على أدائه على الرغم من الاجتماعات شبه اليومية التي يعقدونها في صالة قصر "معاشيق" الرئاسي في عدن.
وبالنظر إلى تركيبة المجلس يتشكل قوامه من شخصيات غير متوافقة قدمت من خلفيات سياسية متباينة، ولكنها تلتقي أو (هذا المفترض في الأقل) في محاربة المشروع الحوثي الإيراني في اليمن.
خشية الانهيار
في ملمح لمهمته الأولى قال العليمي في خطابه الأول في اليوم التالي لتنصيبه، إنه سيعمل على "إنهاء الحرب وإحلال السلام الشامل والعاجل"، أتبعه بالإقامة في عدن التي هجرتها الشرعية لسنوات عدا من حضور شبه متقطع وظل ارتباطها بها محفوفاً بمحاذير الخلافات التي لا تهدأ مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبنى خيار فصل جنوب اليمن عن شماله، وبلغ الشقاق ذروته بمحطات دامية كان أبرزها ما شهدته مدينة عدن الساحلية في أغسطس (آب) 2019 التي انتهت بسيطرة الانتقالي الذي يتزعمه اللواء عيدروس الزبيدي الذي غدا عضواً في المجلس الرئاسي لإيجاد حالة من التوافق في مركز صناعة قرار الشرعية اليمنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن مراقبين يرون أن أبرز التحديات التي قد تعترض استمرار مشروع مجلس العليمي ورفاقه تتمثل في انهيار حالة التوافق الحذرة التي تسود سياسته اليوم، ما ينذر بانهيار آخر فرص الوفاق الوطني بالتالي انقضاء فرص استعادة الدولة أمام الميليشيا الحوثية التي تتميز بتوحيد قرارها ومركز قوتها وأجندتها السياسية والعسكرية.
الخدمات... التحدي الصعب
منذ يومه الأول أكدت أحاديث أعضاء المجلس واجتماعاته سعيها لإصلاح الخدمات المتردية في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المحافظات والمدن الواقعة في نطاق سيطرتها وفي مقدمتها حلول شاملة لأزمة الكهرباء والانهيار الاقتصادي المتلاحق وصرف الرواتب ودعماً لهذا المسعى باشرت السعودية والإمارات بتقديم مبلغ ثلاث مليارات دولار، إلا أن معالجات المئة يوم لم تلامس بعد الواقع المعاش، إذ ما يزال الأهالي في عدن يشكون عذابات استمرار انقطاع التيار الكهربائي أغلب ساعات اليوم والليلة في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرار والرطوبة. إضافة لاستمرار حالة الانفلات الأمني التي بلغت حد اغتيال رجالات الشرعية من عسكريين وسياسيين وإعلاميين في قلب مناطق الشرعية في اختراقات متكررة تكشف عن ثغرات أمنية وعسكرية فادحة اعتبرها مراقبون نتيجة طبيعية لعدم توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية ودمج جهاز إدارتها وعملياتها.
أزمة صلاحيات
ظلت مخاوف أزمة الصلاحيات هي الهاجس المقلق لملايين اليمنيين جراء التباين السياسي الذي جاء منه أعضاء المجلس، إلا أن مصدر في الرئاسة اليمنية أكد في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "المجلس نحج على مدى الثلاثة الأشهر الماضية في حسم كثير من الملفات وتم التوافق عليها وتحديداً ما يتعلق بملف الجيش والأمن في طريق عمل المجلس، وكذا التوافق والانسجام المستمر الذي يسود أجواء وعمل مجلس القيادة الرئاسي ووضع لمسات أولية لمعالجة الوضع الاقتصادي والخدمي في عدن كبداية مشجعة مرتبطة بالملف الاقتصادي".
أمن الدولة واستعادتها
في جردة إحصاء لعملهم خلال المئة يوم المنصرمة قال المصدر الرئاسي "تم الانتهاء من تقديم مقترح علمي لدمج كافة أجهزة المخابرات التابعة للحكومة والانتقالي والمقاومة والساحل الغربي وتوحيدها أجهزة المخابرات تحت مسمى (أمن الدولة) وافق عليه جميع أعضاء اللجنة، وتم تسليمه لرئيس المجلس وبقي إقراره فقط".
خطوة متقدمة ولائحة
وفقاً للمصدر فهذه "خطوة متقدمة في إطار توحيد كافة الجهود الوطنية في سياق إنجاز المشروع الأهم متمثلاً في إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة".
المصدر قال إن "هناك ملفات كثيرة قطعنا فيها شوطاً كبيراً ومن المنتظر أن يتم إنجاز لائحة مجلس القيادة الرئاسي خلال انعقاد مجلس النواب الشهر المقبل، وهي التي ستسهم في تسريع وتنظيم القرارات المتخذة وتنفيذها وهي خطوات عملية جيدة استعادت الثقة بين مكونات الصف الجمهوري الوطني المناهض للمشروع الحوثي الإيراني في اليمن".
نجاح دولي
المصدر تطرق إلى ما وصفها "نجاحات المجلس على المستوى الخارجي"، وبهذا الشأن قال إن "القيادة حققت كثيراً في الملف الخارجي والتعاون الدولي، سنلمس نتائجها على ملف القضية اليمنية في مقبل الأيام".
تحديات اقتصادية
يمثل الملف الاقتصادي أحد أبرز التحديات على طاولة المجلس، ولكن يبدو أن مئة يوم لم تحمل بوادر معالجات ملموسة في ما يتعلق بهذا الملف الشائك وفي مقدمة ذلك جهود وقف انهيار الريال وما يتبع ذلك من ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية.
يقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، إن المجلس لم ينجح حتى الآن في تحقيق إصلاح اقتصادي يوقف الانهيار المتلاحق وما يمثله بالتالي من اتساع مطرد للجوع والمرض لدى ملايين اليمنيين.
ويضيف "نلاحظ أن الريال يواصل الانهيار فيما لا تزال الميليشيا الحوثية تسيطر على السياسة النقدية عبر فرض ما يسمى العملتان والفصل النقدي في البلاد".
نقص ثقة
من جوانب الإخفاق التي حملتها الفترة الماضية يقول إن الرئاسي "عجز عن الإيفاء بمتطلبات دول التحالف بمنحهم وديعة جديدة وكل ما حصل تم دفع 200 مليون دولار المتبقية من المنحة السابقة".
إيرادات منعدمة
في الجانب الإيرادي ورفد خزينة الدولة والإصلاحات المالية، يؤكد العوبلي أن الشرعية لا تزال "غير قادرة على تحصيل إيراداتها نتيجة تعدد الولاءات الإدارية وعدم إحكام قبضتها على مرافق ومفاصل الدولة الاقتصادية وعجزها عن رفع إنتاج النفط وتشغيل الموانئ والمطارات وميناء الغاز المسال في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة".
ونتيجة لذلك "لم تتمكن بعد من تحسين الخدمات في عدن وبقية المحافظات وتحميل الريال اليمني مالا يتحمله جراء استمرار استيراد المشتقات النفطية بمليارات الدولارات ما يفقد البلاد ما لديه من عملة صعبة يتبعها انهيار متلاحق في قيمة العملة المحلية".
مسافات طويلة
يخلص العوبلي إلى أن أمام الرئيس العليمي وأعضاء مجلسه كثيراً من الخطوات والإجراءات المنتظرة "لمعالجة الجانب الاقتصادي الذي بانتشاله سيتيح كثيراً من المعالجات الأخرى سواء خدمية أو عسكرية ومن أهمها إصلاح المنظومة المالية للدولة ووقف الفساد المالي والإداري وتشغيل كافة الإيرادات النفطية والجمركية والحد من إخراج العملة الصعبة والعبث بها"، وهي تحديات "تضع العليمي ومجلسه على محك التحدي التاريخي أمام اليمنيين".