هل المشكلة في العراق هي النظام البرلماني الذي وضع دستوره خبراء أميركيون بعد الغزو وإسقاط نظام رئاسي قوي؟ وهل الحل هو العودة للنظام الرئاسي كما حدث أخيراً في تونس بعد عقد من تجربة فاشلة لنظام برلماني سبقه منذ الاستقلال نظام رئاسي سلطوي في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وعهد الرئيس زين العابدين بن علي؟
المشكلة في العراق أعمق من نظام برلماني أو رئاسي، هي أولاً هيمنة "حكم إلهي" في إيران على العراق، بحيث يدار أي نظام فيه، سواء أكان برلمانياً أو رئاسياً، بعقلية "الحكم الإلهي" من خلال أحزاب وميليشيات تتجاوز الدستور والقوانين.
وهي ثانياً الإصرار على بقاء لعبة السلطة في "البيت الشيعي"، بصرف النظر عن المناصب الشكلية المتروكة للسنّة والكرد، فالحكام الفعليون شيعة، والمتظاهرون ضدهم في "ثورة أكتوبر (تشرين) شباب شيعة ضاقوا ذرعاً بالفساد والمحاصصة والاحتلالين الأميركي والإيراني"، والبقية متفرجون.
هكذا كانت لعبة السلطة في يد الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، وداخل اللجنة المركزية والمكتب السياسي للروس، وإن كان ستالين من جورجيا وخروشوف من أوكرانيا، وداخل الاتحاد بشعوبه وجمهورياته المتعددة هي لروسيا، ولو لم تتركز رغبة الانفصال في روسيا بزعامة يلتسين لما انهار الاتحاد السوفياتي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثورة الشباب الشيعة واجهت العنف والقتل والخطف واستمرت شهوراً، لكن لم تؤد إلى تغيير جذري، ورغبة مقتدى الصدر الذي فاز تياره بأكبر عدد من المقاعد بين الأحزاب الشيعية في تأليف حكومة "أغلبية وطنية" بالتحالف مع السنّة والكرد، واجهت الرفض من وكلاء إيران الذين أصروا على حصص في الحكومة، على الرغم من خسارتهم الانتخابات، فلا الحوار الذي دار على مدى أشهر نجح، ولا النزول إلى الشارع اليوم باعتصام التيار الصدري في البرلمان وتظاهره في بغداد وبقية المدن باستثناء النجف، ثم بالتظاهر المضاد من جانب وكلاء إيران المنضوين في "الإطار التنسيقي"، يمكن أن يقود إلى حل جذري.
والدعوات الحالية إلى الحوار، على أهميتها، محكومة بالفشل قبل أن يرفضها الصدر، وحتى أي نجاح فإنه الوجه الآخر للفشل إذا كان مجرد ترتيب جديد للمحاصصة في الحكومة، وليس من السهل الاستمرار في الاعتصامات والتظاهرات من دون الوصول إلى مخرج من المأزق، ولا شيء يوحي بأن الانتقال من الوضع الحالي إلى ثورة تغيير في الدستور والنظام وإلغاء المحاصصة والتخلص من الفساد مسألة يمكن حلها على طاولة حوار، فالخوف من حرب أهلية شيعية - شيعية حقيقي، لكن الرهان على تخلي "الحكم الإلهي" في جمهورية الملالي عن الهيمنة على بلاد الرافدين رحلة في الخيال، وتمسك "الإطار التنسيقي" بتأليف حكومة برئاسة محمد شياع السوداني هو الوهم الكبير، فالحد الأدنى للخروج من المأزق هو استقالة النواب كما فعل نواب الصدر، والعودة للشعب عبر انتخابات جديدة، وقبول الاحتكام إلى الشعب بحيث يتولى الفائز السلطة ويذهب الخاسر إلى المعارضة، وإلا عاد الوضع لـ "ستاتيكو" الأزمة بشكل آخر.
والمفتاح هو فتح لعبة السُلطة الفعلية لتصبح المكونات العراقية كلها شريكة على قدم المساواة، فلا تبقى المكونات السنيّة والكردية ضيفة على "البيت الشيعي"، والأهم هو ألا يبقى العراق بكل مكوناته ملحقاً بـ "الحكم الإلهي" للملالي.
من الطبيعي أن ترتفع في الداخل والخارج الدعوات إلى الحوار، لكن الحوار ليس وصفة سحرية، لا سيما بين المتصارعين على السلطة، كما بين المختلفين أيديولوجياً، والمثال الحي أمامنا في فلسطين، سنوات طويلة من الحوار والوساطات العربية والدولية والاتفاقات المكتوبة، عجزت عن إنهاء الانقسام بين قطاع غزة تحت حكم "حماس" وبين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تحت حكم "فتح".