حرّكت جولات واشنطن الدبلوماسية المياه الراكدة في الملف السوري، دافعة بعجلة العملية السياسية إلى الأمام بعد جمودٍ طرأ على مساراتها، حين توقفت في أحلك فترة زمنية من عمر المفاوضات الجارية بين الأطراف المتنازعة، مثيرة وقتها خلاف تأليف اللجنة الدستورية، وبعد تحفظٍ من المعارضة على ستة أسماء مرشحين للجنة الدستورية في قائمة المجتمع المدني.
زيارات دبلوماسية
أمام الولايات المتحدة نشاط دبلوماسي غير مسبوق، إذ يترتب على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري زيارة فرنسا والأردن وإسرائيل وبلجيكا وألمانيا، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، وتمتد جولته حتى الخامس من يوليو (تموز) المقبل.
لم يخف البيان الصحافي الصادر عن الخارجية الأميركية مدى الثقل الدبلوماسي، الذي تعول عليه عبر زجّها بكبار شخصيات ومسؤولي الخارجية في رحلة تستغرق 12 يوماً في مجملها لقاءات واجتماعات تتعلق بملفات أمنية وسياسية واستخباراتية.
وتفيد مصادر سورية مطلعة بأن أميركا تدفع باتجاه ترتيب أوراق الملف السوري وتحقيق ضمانات لموافقة حلفاء دمشق الاستراتيجيين الدوليين، وأبرزهم موسكو لإتمام ما تسميها صفقة القرن.
ويشكل مؤتمر البحرين أولى الخطوات في هذا الاتجاه، بعد اعتراف دونالد ترمب بسيادة إسرائيل على الجولان، ونقل سفارتها إلى القدس معترفاً بأنها عاصمة إسرائيل.
في سياق متصل، بدا المشهد في تل أبيب أكثر توافقاً تجاه تسوية سياسية تنتظر الملف السوري، فالمستقبل السياسي في سوريا بات واضح المعالم متمثلاً مع خيار شرط بقاء السلطة الحاكمة في الدخول بأية مفاوضات أو تسويات سياسية مرتقبة، في حين تباينت المواقف نحو تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة وإخراجها من سوريا.
عمق التحالف
استنفرت القمة الثلاثية في تل أبيب كل طاقتها بحضور مستشاري الأمن القومي للدول الثلاث (روسيا وأميركا وإسرائيل)، في قمة وصفت بالاستثنائية تمهّد لحسم كثير من قضايا المنطقة العربية الشائكة، خصوصاً إنهاء النزاع السوري المندلع منذ ثماني سنوات.
وما حضور مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن، مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، إلا رسالة عن عمق تحالف قوتين عظيمتين، وإعطاء مكانة لتل أبيب ودورها بالشرق الأوسط، الأمر الذي أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ملمحاً إلى حلف ثلاثي مشترك تبزغ ملامحه قريباً.
الرد الروسي والسوري
من جانبه، تحدث باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي عقب اللقاء الثلاثي عن دعم روسيا لوحدة أراضي سوريا، وأن لا حل عسكرياً للنزاع، مع تقديم الدعم الدولي لإعادة إعمار الاقتصاد السوري ورفع القيود والعقوبات الأحادية عن كيانات اقتصادية وشركات تعمل في سوريا، مع دعوته للكف عن جعل هذه البلاد حلبة للصراعات الدولية.
ولم ينتظر الرد الرسمي السوري طويلاً حول الحديث عن إخراج إيران من سوريا، ليصرح دبلوماسي بارز عن العلاقات الوثيقة مع إيران، وما يربط البلدين من علاقات استراتيجية.
وذكر القائم بالأعمال السوري في الأردن أيمن علوش في معرض حديثه لوكالة سبوتنيك الروسية، أن بلاده لن تضحي بعلاقاتها مع إيران في مقابل العودة إلى مقعدها بالجامعة العربية.
المجموعة الصغيرة
لا تهدأ الولايات المتحدة في رحلتها الدبلوماسية التي تحمل في شقها الأمني قضايا منها، مستقبل منطقة شرق الفرات والوجود الإيراني في دمشق والعملية السياسية وتنفيذ القرار 2254، حيث تعوّل المعارضة السورية على مشاركة المجموعة المصغرة التي تضم كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن ومصر، على كسب ثقلٍ لها في عملية التفاوض المقبلة.
العملية السياسية
ظهر التناغم الروسي- الأميركي علناً، والذي يمهد على ما يبدو إلى لقاءات على مستويات أعلى في الفترة المقبلة تصل للقاء الرئيسين لصناعة سيناريو سلام جديد ينهي ما تحمله المنطقة من أوجاعٍ دامت سنوات، لكن على أي حساب ستكون تلك التسويات؟
تخوفات من أن تضحي واشنطن بما قدمته المعارضة وتلقي آخر أوراقها نحو تسليمها للشمال السوري وما تبقى من أراضي خارج سيطرة الدولة السورية، في مقابل أن تضحي موسكو بطهران الحليف الاستراتيجي، إذ بدأت تدب الخلافات بينهما خفية، خصوصاً مع دور إيراني يتعاظم، والكلام عن خطوط إمداد عسكرية تستهدف أمن إسرائيل، وهو ما لا ترغب فيه روسيا ولو حالياً.