أعلنت خمس شركات صينية بينها اثنتان من أكبر مجموعات النفط في البلاد، الجمعة 12 أغسطس (آب)، انسحابها من بورصة نيويورك، ما يكبد أسواق المال الأميركية خسائر حادة وعنيفة. وقالت "سينوبيك" و"بتروتشاينا"، وهما من أكبر مجموعات الطاقة في العالم، في بيانين منفصلين، إنهما ستتقدمان بطلب "لانسحاب طوعي" من أسواق المال الأميركية من دون الإعلان عن المزيد من التفاصيل، وصدرت إعلانات مماثلة عن شركة الألمنيوم الصينية "تشالكو" و"تشاينا لايف" وفرع لـ"سينوبيك" مقره في شنغهاي.
وشركات الصين القارية وهونغ كونغ معروفة بعدم تقديم بياناتها المالية إلى مدققي حسابات معتمدين من قبل السلطات الأميركية، ويلزم القانون الذي أصدره الكونغرس الأميركي في 2020، أي شركة مدرجة في الولايات المتحدة بالحصول على مصادقة على حساباتها من قبل شركة معتمدة من قبل المنظمة المستقلة للمحاسبة.
وفي حال عدم الامتثال للتشريعات، تواجه الشركات خطر إلغاء تسجيلها اعتباراً من 2024 وفي هذا الإطار، أعلنت الشركات الصينية الخمس قرار انسحابها، وقد بررت قرارها بالتكلفة المرتبطة بالحفاظ على التسجيل في الولايات المتحدة إضافة إلى عبء الامتثال لالتزامات التدقيق. والمجموعات الخمس مدرجة على لائحة الشركات التي أمرتها هيئة ضبط الأسواق الأميركية بالامتثال لالتزامات المحاسبة المفروضة، وكانت مهددة أساساً بطردها من بورصة نيويورك.
248 شركة مدرجة في الأسواق الأميركية
وتفيد أرقام حكومية أميركية بأن هناك 248 شركة صينية مدرجة في الولايات المتحدة، يبلغ مجموع قيمتها السوقية 2.1 تريليون دولار، وفي مذكرة بحثية حديثة، أفاد خبير الاستراتيجيات لدى "رينسانس كابيتال" ماثيو كينيدي بأنه "بعد بداية نشطة للعام، توقفت معظم الشركات الصينية عن دخول أسواق المال الأميركية منذ يونيو (حزيران)، نظراً إلى العقبات التنظيمية والسياسية في البلدين". أضاف، "بالطريقة التي تبدو فيها الأمور، يمكن القول إنه لن تكون هناك عمليات اكتتاب عام صينية في وقت سيتم سحب تلك المنتظرة واحدة تلو الأخرى"، وتفيد "رينسانس كابيتال" بوجود 35 شركة تنتظر دورها في الاكتتاب العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبر مغادرتها السوق الأميركية تتخلى الشركات الصينية عن قاعدة استثمارية لا مثيل لها في العالم بوجود 52.5 تريليون دولار كأصول تجري إدارتها، مقارنة بنحو 7.1 تريليون دولار في الصين، وفق دراسة أجرتها شركة "ماكينزي أند كومباني" الاستشارية.
وأشار كينيدي إلى أن هذا الضغط السياسي على الشركات الصينية يخلق وضعاً فريداً إذ تنهار أهم شركات عالم التكنولوجيا الصينية في أسواق الأسهم، لكن لأسباب لا علاقة لها بتقارير إيراداتها. أضاف، "ولا تزال هذه الشركات تحقق الأرباح. ولا تزال هذه الأرباح تنمو، نمو العائدات للعام الحالي يتجاوز 30 في المئة، ليس لكل شركة، لكن بشكل جماعي نوعاً ما، بغض النظر عن مكان الأسهم وأين يجري تداولها، يبقى الوضع كذلك".
أزمة الوصول إلى المعلومات والبيانات
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، قال ريدموند وونغ المحلل الاستراتيجي في "ساكسو ماركتس"، إن "هذه الشركات المملوكة للدولة تقع في قطاعات استراتيجية وينظر إليها على أنها تتمتع بإمكانية الوصول إلى المعلومات والبيانات التي قد تكون الحكومة الصينية مترددة في منحها الوصول إلى المنظمين الأجانب"، وبحسب الوكالة أيضاً، فإن نحو 300 شركة مقرها الصين وهونغ كونغ بقيمة سوقية تزيد على 2.4 تريليون دولار تخاطر بطردها من البورصات الأميركية مع تشديد لجنة الأوراق والبورصات لعمليات التدقيق على الشركات.
يذكر أن شركة "بتروتشاينا" أدرجت في البورصة الأميركية عام 2000، وتبلغ قيمتها السوقية 135 مليار دولار، كما أدرجت شركة "تشاينا لايف" في عام 2003، وقيمتها السوقية 98 مليار دولار، أما شركة "سينوبيك كورب" فقد أدرجت في الأسواق الأميركية عام 2000، بقيمة سوقية 71 مليار دولار، كما أدرجت شركة "تشالكو" عام 2001، وقيمتها السوقية 10.6 مليار دولار، وأيضاً أدرجت شركة "سينوبيك شنغهاي" في عام 1993، وقيمتها السوقية 3.9 مليار دولار.
حملة أميركية واسعة على الشركات الصينية
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أسدل إعلان مجموعة "ديدي" الصينية من بورصة نيويورك، الستار على العلاقة الودية بين "وول ستريت" ومجموعات التكنولوجيا الصينية. وقال محللون اقتصاديون، إن انسحاب شركة "ديدي" هو بداية لتخارجات جديدة مقبلة لجميع الشركات الصينية في "وول ستريت"، والتي تقدر قيمتها السوقية بنحو 2.1 تريليون دولار، وجاءت خطوة "ديدي" غداة حملة واسعة نفذتها الهيئة الناظمة الصينية قصقصت فيها أجنحة كبرى شركات الإنترنت الأكثر تأثيراً على المستهلكين، بما في ذلك "علي بابا" و"تينسنت".
وكانت الهيئات الناظمة لأسواق المال في الولايات المتحدة الأميركية، قد أعلنت في وقت سابق من العام الماضي، تبني قاعدة تسمح بشطب الشركات الأجنبية من البورصة حال فشلها في تقديم البيانات إلى مراجعي الحسابات، وتستهدف الخطوة بشكل أساسي الشركات الصينية وتتطلب منها كشف عن إن كانت "مملوكة أو خاضعة لسيطرة" الحكومة.
وقال رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية غاري غنسلر، "بينما بذلت أكثر من 50 منطقة اختصاص قضائي جهوداً للسماح لعمليات التفتيش المطلوبة، فإن منطقتين هما هونغ كونغ والصين لم تقوما بذلك على مدار تاريخهما".