بعيداً من الهدف أو السبب المباشر لما قاله الزعيم الإصلاحي الإيراني مير حسين موسوي الخاضع للإقامة الجبرية منذ أكثر من عقد عن الضابط في "قوة القدس" الذراع الخارجية لقوات حرس الثورة حسين همداني، وخلفيته المباشرة ودوره في قمع "الحركة الخضراء" التي اندلعت في إيران اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي تنافس فيها موسوي إلى جانب مهدي كروبي مع محمود أحمدي نجاد، وقرار النظام والدولة العميقة استخدام جميع الوسائل لمنع حصول أي تطور من خارج السياقات التي رسمتها وتريدها بأي ثمن كان، وأن منظومة السلطة كانت على استعداد لتحمل كل التبعات في مقابل منع المعارضة من النجاح في كسر إراداتها وسلطتها.
بعيداً من كل ذلك فإن موسوي يضع الإصبع على الأزمة الأخلاقية التي برزت لدى مؤسسات النظام والقوة الضاربة في الدفاع عنه، وتعاملها الدموي بحق المتظاهرين، وكيف استفاد همداني، وباعترافه، من شذاذ الآفاق و"البلطجية" والأوباش في تفريق التظاهرات وضرب المتظاهرين واعتقالهم، بعد أن نظمهم في ثلاثة ألوية عسكرية تحت إمرته، وكيف أن كل صالات السينما والمدارس في طهران لم تتسع لعدد المعتقلين خلال تلك التظاهرات.
وهمداني هو الذي كان يشغل في تلك المرحلة (عام 2009) قيادة "لواء محمد رسول الله" في حرس الثورة، المسؤول عن أمن العاصمة وريفها أو طهران الكبرى، وهو اللواء الذي تشكل من دمج "لواء 27" من حرس الثورة مع قوات التعبئة في طهران الكبرى، وتم تدريبه على آليات التعامل مع الاضطرابات الأمنية وحرب الشوارع ومواجهة التحركات المعادية التي تستهدف استقرار النظام وسلطته.
وعلى الرغم من حال التشفي التي تظهر في كلام موسوي عن همداني خلال حديثه عن مكان وكيفية موته، فإن الدافع لذلك ينطلق من خلفية دوره في قمع "الحركة الخضراء" وما رافقها من جرائم في حق عدد كبير من المتظاهرين، إذ اعترف النظام لاحقاً بمقتل أكثر من 100 شاب وشابة من المتظاهرين في المعتقلات التي نقلوا إليها، إضافة إلى استهداف بعضهم في الشارع خلال التظاهر.
واعتبر موسوي بأن "هذا الجنرال الذي لا فخر له واعترف بهذه الجريمة وتباهى بها، لم يكن مصيره سوى خسارة روحه في الغربة وفداء لمستبد آخر".
إلا أن موسوي اتخذ من هذا الموقف والكلام مدخلاً لإسقاط "القدسية" عن همداني ورفاقه الذين شاركوا في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الذي وصفه بـ "المستبد"، وأن إسقاط هذه القدسية لا يقف عند همداني، بل طاول الأيقونة التي يحاول صناعتها النظام لشخصية قائد قوة القدس قاسم سليماني، قائد العلميات الإيرانية إلى جانب النظام السوري في التصدي للحراك الشعبي، منذ أن كان سلمياً وقبل أن يدخل في مرحلة العسكرة مع الجيش الحر، ووصولاً إلى ظهور تنظيم "النصرة - القاعدة" وبعدهما تنظيم داعش.
أهمية كلام موسوي أنه تطرق إلى مسائل تعتبر بالنسبة إلى النظام والمنظومة الحاكمة والمؤسسة العسكرية من المحرمات، فهو من ناحية جاهر بكل الكلام والجدل الذي يدور في كواليس القوى السياسية حول خلافة المرشد ومساعي تمرير تعيين نجله الأوسط مجتبى في هذا الموقع وفرضه كأمر واقع، وهو ما خلق حال إرباك داخل أركان النظام بكل مستوياته واستنفره للرد واتهامه بالسعي إلى الانسجام مع المعارضة الخارجية من ملكيين ومجاهدين، والتخطيط للانقلاب على النظام والثورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية ثانية صوّب على المشروع الإقليمي للنظام وتعريته من الغطاء الأيديولوجي والعقائدي الذي استخدمه لتسويغ تدخلاته، مشيراً إلى الجهود التي بذلها المرشد عبر كبير مستشاريه علي أكبر ولايتي وبالتعاون مع سليماني في سلب الهوية الشعبية والمدنية للحراكات الشعبية التي شهدتها العواصم العربية تحت شعار "الربيع العربي"، ومحاولة إلصاق صفة "النهضة الإسلامية" بهذه الانتفاضات، معتبراً أن هدف النظام والسلطة الإيرانية كان "تفريغ هذه الانتفاضات من مضمونها والأهداف الحقيقية التي قامت من أجلها في المطالبة بالحرية والعدالة، بعد أن ضاقت هذه الشعوب بالديكتاتورية والجوع والفرق والظلم والبرلمانات الصورية"، وبالتالي محاولة النظام الظهور كمؤثر أساس في خلفية هذه التحركات انطلاقاً من طبيعته الدينية - الأممية، ودوره الذي يتجاوز الحدود الإيرانية إلى كل العالم الإسلامي.
ومن بوابة الربيع العربي صوّب موسوي على دور النظام في الأزمة السورية عبر أساسه الأيديولوجي، والاختباء وراء البعد العقائدي لوقوفه إلى جانب الأسد ونظامه في القمع الدموي للحراك السوري، عندما أطلق على عناصر الحرس والفصائل التي قاتلت إلى جانبه وقتلوا في سوريا اسم "المدافعين عن الحرم"، في حين أن حقيقة هذا التدخل جاء دفاعاً عن مصالح النظام السياسية والاقتصادية والأمنية، ونفوذه الإقليمي وبناء محوره في المنطقة على حساب هذه الشعوب ومصالحها وتطلعاتها نحو الحرية والعدالة والمشاركة والتغيير، كما حصل في التعامل مع "الحركة الخضراء" ومصادرة العملية الديمقراطية وفرض الرئيس الذي يريده بالتزوير والقمع والدم والعنف، ووصف ما يقوم به النظام في هذا الإطار، واستخدام البعد الديني والمذهبي بأنه "تزوير لحقيقة المفاهيم والمعاني الرفيعة، وربط أقدس الأسماء بأكثر الجرائم وضاعة والتي تبعث على الخجل".
رد الفعل الذي صدر عن الشخصيات السياسية الموالية للنظام والسلطة يكشف حجم الأزمة السياسية والعقائدية والاجتماعية التي يعانيها ولا يزال يواجهها النظام ومنظومة السلطة في تسويغ عمليات القمع والقتل والاعتقال ضد كل التحركات الاعتراضية في الداخل، إضافة إلى مشاركته وتصديه لعمليات القمع الدموي والحرب التي شنها ضد الحراك السوري إلى جانب النظام ودفاعاً عن مصالحه، والتي لعب همداني في كلا الأزمتين دوراً محورياً وقيادياً، بحيث يسهم هذا الكلام لموسوي في إحباط الجهود التي بذلتها مؤسسة حرس الثورة على مدى السنوات الماضية لبناء صورة إنسانية لنفسها، وأنها الأقدر على إنقاذ إيران والدفاع عن مصالح الشعب في مواجهة الأزمات التي عاناها ويعانيها نتيجة العقوبات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والآثار السلبية لجائحة كورونا، الأمر الذي دفع الرئيس إبراهيم رئيسي إلى زيارة قبر سليماني في كرمان، ودفع بقائد الحرس حسين سلامي إلى زيارة منزل همداني واتهام موسوي من هناك بالخيانة، مما يدلل على عمق الأثر الذي تركه هذا الكلام على صورة هذه المؤسسة والنظام وقيادته والمرشد الأعلى، وأحبط مساعي ترميم صورته وتكريس دوره في مستقبل إيران، بما في ذلك إحكام القبضة على مستقبل النظام السياسي.