تعد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي تأسست عام 1965، من أكثر الحركات السياسية المثيرة للجدل، بسبب حالة التأرجح في المواقف السياسية بين المجموعات والأحزاب داخل إيران وخارجها.
تأرجحت المنظمة ما بين الأيديولوجية الإسلامية مروراً بالماركسية وعودتها في الستينيات إلى النضال ضد الإمبريالية وتنفيذ اغتيالات قبل الثورة بحق الأميركيين في إيران، ومن ثم التعاون مع المسؤولين معهم في العقود الثلاثة الماضية، وانتهاج الكفاح المسلح من الستينيات حتى الثمانينيات، إلى ترك السلاح منذ عقدين والتحول إلى الحملات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي، والانتقال من الصراع داخل النظام في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية إلى البقاء مع صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988)، ما جعل المنظمة تقدم مثالاً نادراً ورائعاً في التحول.
والسؤال الآن؛ ما الثقل الذي تتمتّع به مجاهدو خلق بين فصائل المعارضة؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا توضيح 3 أمور: مقدار العدد والعتاد حال دخول مجاهدي خلق في مواجهة مع النظام الحاكم مقارنة بالتيارات المعارضة الأخرى، وثقل هذا التنظيم لدى الرأي العام الإيراني داخل البلاد وخارجها، والأخير كيفية تمثيل مجاهدي خلق في المحافل الدولية وعلاقتها بالحكومات ومقدارها.
القدرات والتأثير
على الرغم من تأثيرها الكبير، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي والخطاب الإصلاحي في إيران هش، وفكرة قبول منظمة مجاهدي خلق من قبل النشطاء السياسيين البارزين داخل إيران غير مقبولة، لكن هناك تغييراً جوهرياً حدث خلال رئاسة حسن روحاني (الرئيس الحالي لإيران)، وهو إحباط الجمهور من إصلاح النظام.
في مثل هذه الظروف، يمكن أن يسهم السلوك التخريبي (كما يسميه النظام) الواضح للمنظمة بفتح الباب تدريجياً أمام خروج المنظمة، فقد كانت ولا تزال الأكثر نظاماً بين جماعات المعارضة الإيرانية، بل على رأس الجماعات المعارضة من حيث الحصول على الموارد. وفي حال انهيار النظام، لدى المنظمة القدرة على إرسال آلاف الجنود إلى البلاد لتنظيم القوات وتعبئتها والحصول على حصة من السلطة، في حين أن التيارات السياسية الأخرى أكثر شبهاً بأحزاب "فولكس فاغن" (سيارات ألمانية قديمة الطراز)، وهذا يعني أن أعضاءها تناسبهم تلك السيارات. أما من حيث المنابر الإعلامية، فلدى مجاهدي خلق وسائل إعلامية ودعائية أكثر من المجموعات السياسية خارج إيران، ولكن لا بد أن نشير إلى أنه في حالة انهيار النظام الإيراني لن تتمكن أي منظمة أو جماعة السيطرة بمفردها على مصير البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرأي العام
بالنسبة إلى الرأي العام في إيران فإن المنظمة أفرزت بسبب السلوك الطائفي وتقديس قادتهم من جهة، وعدم فتح باب الحوار للتلاقي مع غيرهم من المعارضين أو المؤيدين للنظام على الساحة العامة (الإعلام والجامعات والمنتديات الدولية)، موقفاً سلبياً من غالبية معارضي النظام في الخارج والداخل.
ويحاول الأفراد والجماعات المؤيدة للملكية الدستورية وأنصار الجمهورية، الحفاظ على مسافة بينها وبين المنظمة، ولعدم وجود استطلاعات للرأي دقيقة وذات مصداقية حول الموقف العام للإيرانيين تجاهها بخاصة جيل الشباب، ولأن الأحكام في الأساس تستند إلى المشاعر، وأحياناً إلى دعاية النظام وجماعات المعارضة، كل ذلك ينعكس على وسائل التواصل الاجتماعي سلباً تجاه مجاهدي خلق.
بعد خروج أعضاء المنظمة من العراق واستقرارهم في ألبانيا، تم اتخاذ تدابير لمعالجة هذه المشكلة أصبح أعضاؤها أكثر نشاطاً في مجالين: الكتابة المستمرة لوسائل الإعلام الخارجية من دون ذكر الصلة بهم، وإنتاج المحتوى وتسويقه على إنستغرام وتليغرام وفيسبوك وتويتر. ما جعل المنظمة تستطيع من هذه الجهة المراقبة والإشراف على الأبواق الدعائية للنظام (مثل الراديو والتلفزيون الرسمي والصحف القومية). وفي حالة وصول قضية إعدامات النظام للمعارضة في السجون عام 1988 إلى الرأي العام في إيران، يمكنها استغلال ذلك لصالحها لإثارة المشاعر العامة.
الاتجاه العام للأجهزة الدعائية للجمهورية الإسلامية مع تهميش الهوية الوطنية (وتكريس الهوية الإسلامية) واستخدام الكبرياء الوطني لأجل العولمة والطموح في الشرق الأوسط، يسهم في الهجوم على منظمة مجاهدي خلق، باتهامها بالوقوف إلى جانب صدام تحت عنوان "تحريم العمل المناهض للوطن". علماً بأن النظام يعمل ضد الأمن والمصالح الوطنية، كإسقاط الطائرة الأوكرانية أو الهجوم على ناقلات النفط في الدول المجاورة ومنشآت النفط، وإشعال النيران عن عمد في منطقة الشرق الأوسط، الذي أدى إلى جعل وجود مجاهدي خلق في العراق إرثاً صغيراً في التاريخ المعاصر.
مشكلة هذه المنظمة داخل الرأي العام الإيراني لا تتعلق ببعض قراراتها أو أفعالها في الماضي، بل بالإهمال وعدم الاهتمام بعقلية واحتياجات جيل الشباب وتقديم رؤية عملية ومقبولة لمستقبل إيران.
فالصورة التي قدمتها منظمة مجاهدي خلق عن عضوات التنظيم تعود إلى خمسة عقود مضت، ولا يمكن للجيل الشاب من الإيرانيين اليوم الارتباط بها بأي شكل من الأشكال. وهو أقل تركيزاً على القضايا الثقافية والاجتماعية التي تحظى بتقدير كبير من قبل جيل الشباب وتستند إلى الفردية والحريات الشخصية أكثر من القضايا الاقتصادية والسياسية.
التمثيل على الساحة الدولية
أما العامل الذي يعود بالنفع على المنظمة، فهو البرنامج النووي الإيراني والتدخل الإقليمي والإرهاب، ما يثني الدول الغربية تدريجياً عن دخول ساحة التعاون الدولي والتعايش السلمي مع النظام في إيران، فلدى الدول الأوروبية صعوبة لتسويق نهج خفض التصعيد معه، غير أن تركيز مجاهدي خلق على البرنامج النووي وفضح بعض مواقع التخصيب ولّد رأس مال سياسياً كبيراً بين الحكومات والبرلمانات الغربية مع المنظمة يستخدم في المستقبل.
كما نجحت المنظمة في شطب اسمها من قائمة الجماعات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومهدت الطريق لأنشطتها المستمرة، إذ لا تتمتع أي منظمة أو جماعة سياسية إيرانية في الخارج بعلاقات مع الحكومات الغربية كما هو حال مجاهدي خلق.
وبقدر ما تضغط الجمهورية الإسلامية على الحزب الديمقراطي الأميركي ووسائل الإعلام التابعة له، فإن المنظمة لديها علاقات قوية بالحزب الجمهوري الأميركي ووسائل الإعلام المقربة منه، عدا أن لها حلفاء بين قادة الحزب الديمقراطي. وهي واحدة من مجموعات المعارضة القليلة التي تعي الدور الرئيس للسياسة الخارجية الأميركية في التطورات الداخلية لإيران وقد سعت إلى اكتساب أدوات التأثير فيها.
ومن البيّن أنه كلما طال عمر الجمهورية الإسلامية اتضح فسادها وعدم كفاءتها واستعبادها للشعب الإيراني، ويبعد الرأي العام عن الخط الذي سطره النظام الإيراني (الإله والشيطان).
في ظل هذه الظروف، سيتم الحكم على الجماعات والمنظمات من خلال قدرتها على تحدي النظام والرؤية التي تقدمها لمستقبل إيران بدلاً من ماضيها، وحان الوقت لنرى إلى أي مدى يمكن لها الاستفادة من هذه الفرصة.