الفاجعة التي ألمت بالمصريين إثر مصرع 41 شخصاً في حريق كنيسة الأسبوع الماضي، فتحت ملف إجراءات السلامة والأمان بالمباني العامة، وهو الحديث الذي يتجدد مع وقوع كل حريق في البلاد، لكن العدد الكبير من الضحايا في واقعة كنيسة "الشهيد أبو سيفين" دفع كثيرين من البرلمانيين والمجتمع المدني إلى المطالبة باتخاذ خطوات تمنع تكرار مثل تلك الحوادث.
خلال خمسة أيام، وقعت أربعة حرائق داخل كنائس، بدأت في الـ14 من أغسطس (آب) الحالي بحريق كنيسة أبو سيفين بحي إمبابة في محافظة الجيزة، وبعدها بيومين نشب حريق محدود في كنيسة بحي الهرم من دون وقوع إصابات، وفي اليوم التالي اندلع حريق دمر الطابق الأرضي في كنيسة القديس الأنبا بيشوي بمحافظة المنيا في صعيد مصر، ثم وقع حريق محدود في كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب بمنطقة أوسيم بمحافظة الجيزة، الجمعة الماضي، وتمت السيطرة عليه سريعاً.
تماس كهربائي
وكيل قوات الحماية المدنية الأسبق اللواء أيمن سيد الأهل قال إن الرابط بين ثلاثة من تلك الحرائق أنها نتيجة تماس كهربائي، الأمر الذي يؤكد وجود أزمة في سلامة المباني العامة، خصوصاً مع ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف، إلى جانب أخطاء بالتوصيلات الكهربائية العشوائية أو غير المناسبة والضعيفة.
وأشار في تصريحات صحافية إلى زيادة الأحمال الكهربائية نتيجة استخدام أجهزة التكييف، موضحاً أنه أثناء زيادة الأحمال يحدث انصهار لمادة عزل الأسلاك المصنوعة من البلاستيك، ما يسبب التماس الكهربائي وينشب الحريق في غضون دقائق، ولفت الخبير الأمني إلى أن ضعف أو انعدام الصيانة لبعض الأجهزة الكهربائية، إضافة إلى عدم كفاية التهوئة جميعها تعتبر قصوراً في أمان وسلامة المبنى وسبباً رئيساً للحرائق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت تحقيقات النيابة العامة في حريق كنيسة أبو سيفين أن سبب الحريق اشتعال مولد كهربائي داخل الكنيسة بعد تشغيله إثر انقطاع الكهرباء بالتزامن مع عودة التيار، فنشب الحريق لخلل بالتوصيلات الكهربائية الخارجة من المولد الذي تم تركيبه منذ خمسة أعوام وامتداده بغير انتظام إلى لوحة المفاتيح وزيادة الأحمال عليها، مما أسفر عن نشوب الحريق وامتداد ألسنته من الطابق الذي فيه المولد إلى طابق آخر، بحسب بيان للنيابة العامة التي حفظت التحقيقات بعدما تبين عدم وجود تعمد في حدوث الحريق.
كانت كنيسة أبو سيفين، الواقعة في حي شعبي مزدحم، بين نحو خمسة آلاف كنيسة بنيت من دون ترخيص على مدار عقود، وفق تقديرات غير رسمية، ثم جرى تقنين وضعها عام 2019 ضمن نحو ألفي كنيسة قننت أوضاعها منذ صدور قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس الذي أقر في أغسطس 2016 والذي نتج منه تشكيل لجنة حكومية لإدارة ملف تقنين أوضاع الكنائس في يناير (كانون الثاني) 2017.
تقنين على الرغم من المخالفة
ينص القانون على ملاءمة مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها مع عدد المواطنين في المنطقة السكانية التابعة لها، وكذلك ترخيص المباني القائمة بالفعل ككنائس بشرط ثبوت الاشتراطات البنائية، فضلاً عن سلامتها الإنشائية.
وأكد القمص ميخائيل أنطون، نائب رئيس لجنة تقنين أوضاع الكنائس المشكلة من قبل مجلس الوزراء المصري أن الحريق كشف عن غياب بعض الاشتراطات، ما أدى إلى زيادة عدد الوفيات، وأشار إلى تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج بأن سيارات الإطفاء وصلت فور نشوب الحريق، لكنها لم تستطع التعامل معه على الوجه الأمثل بسبب ضيق الشارع الذي تقع فيه الكنيسة.
وقالت القباج في تصريحات إلى الصحافيين عقب الحادثة إن الأمر يحتاج إلى "وقفة مع شروط السلامة"، مؤكدة أن السلطات تجري مراجعة كاملة لوضع الكنائس وتقنينها وغلق القديمة منها واستبدالها بأخرى جديدة لتجنب أية كوراث.
وأثارت تلك التصريحات تساؤلات بشأن أسباب تقنين الكنيسة من جانب الحكومة طالما ليست مطابقة للمعايير التي أقرتها لجنة حكومية.
من جانبه، طالب بابا الكنيسة الأرثوذكسية المصرية البابا تواضروس الثاني الحكومة بالمشاركة في نقل الكنائس المقامة بمناطق شعبية أو ضيقة إلى مساحات أكبر لتناسب أعداد المصلين، لافتاً إلى أن كنيسة أبو سيفين تقع على مساحة 120 متراً وهي مساحة تصلح لشقة سكنية لا لدور عبادة.
مطالبات برلمانية
امتدت المطالبات بمراجعة اشتراطات السلامة إلى البرلمان المصري، حيث دعا النائب محمد عبدالله زين الدين إلى مراجعة إجراءات السلامة والصحة المهنية في كل المؤسسات من مساجد وكنائس ومدارس ومصانع وغيرها، وأوضح أن قوانين البناء توجب التزام إجراءات الحماية المدنية وتركيب أجهزة إنذار وحريق وغيرها، لافتاً إلى أن تكرار هذه الحوادث يؤكد أهمية المراجعة الدورية لإجراءات السلامة بالمنشآت وفي مقدمتها إنذارات الحريق مثل أجهزة الاستشعار وتوفير سبل التعامل مع هذه الأزمات وقت حدوثها لتقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات.
كما أكدت عضو مجلس الشيوخ المصري دينا هلالي أن الحادثة كشفت عن ضرورة العمل على مراجعة منظومة الحماية المدنية وتدابير الوقاية اللازمة ليس بالكنائس فقط بل في جميع المنشآت الحيوية، وطالبت بضرورة وجود متخصصين في مكافحة الحريق بتلك المنشآت أو العمل على تأهيل وتدريب حارس المنشأة بشأن كيفية التعامل والرصد اللحظي لتلك الكوارث، خصوصاً أن تلك المنشآت تحوي كثيراً من المواد التي تساعد على الاشتعال، ما يحتم تطبيق المعايير السليمة لاشتراطات الأمن والسلامة في مكافحة الحرائق وتفعيل الأكواد الخاصة بها والنظر في توفير مخارج كافية للطوارئ وأجهزة الاستشعار وماكينات رفع المياه وضخها.
كود الحرائق
كان المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء في مصر وضع بعض التوصيات لحماية المباني من اشتعال الحرائق تحت مسمى "الكود المصري للحريق" يتضمن إجراءات الوقاية من الحريق التي يجب أن تراعى في تصميم المبنى.
ويضم الكود مجموعة المتطلبات والمحددات والمعايير التي يجب أن يراعيها المصمم المعماري لتحقيق هذه الاعتبارات بهدف استيفاء جميع التجهيزات الوقائية ضد أخطار الحريق في المباني المختلفة حماية للأرواح أولاً ثم الممتلكات.
صدور الكود المصري للحريق كان نتيجة لنشوب حريق كبير داخل المنطقة الصناعية في العاشر من رمضان عام 2003، أدى إلى إصابة العشرات وأسفر عن خسائر مادية كبيرة، ما دفع الرئيس المصري حينها محمد حسني مبارك إلى إصدار قرار بإعادة تنظيم المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، وتكليفه إعداد الكود المصري لأسس التصميم واشتراطات التنفيذ بهدف حماية المنشآت وتقليل الخسائر المادية والاقتصادية إلى أدنى حد ممكن في حال وقوع حرائق بالمنشآت.
ويتكون الكود من أربعة أجزاء، وهو موجه للمقاولين والمهندسين واستشاريي السلامة الذين من المفترض أن يستعين بهم صاحب المنشأة قبل أن يحصل على رخصتها. يضم الجزء الأول من الكود متطلبات الحماية من الحريق في تصميم وتنفيذ أنظمة المبنى مثل مسالك الهروب، وفي الجزء الثاني طرق الحد من انتشار الحريق أو الدخان، أما الجزء الثالث، فيختص بأنظمة الإنذار وكواشف الدخان وفي الجزء الرابع أنظمة الإطفاء بالمياه.
ووفق تصريحات صحافية لوكيل لجنة الإسكان في مجلس النواب طارق شكري، فإن تفعيل كود مكافحة الحريق واجب بحكم قانون البناء والإسكان الصادر عام 2008، إذ من المفترض أن تراجع الجهة مانحة الترخيص للمباني بمختلف أنواعها مدى الالتزام بالكود قبل الموافقة على منح الترخيص.
استباقاً للحوادث
دعا رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى إصدار توجيهاته للحكومة بوضع خطة عاجلة لتنفيذ كود مكافحة الحرائق والسلامة الإنشائية في كل دور العبادة وأماكن التجمعات مثل دور السينما والمولات التجارية وضمان وجود وسائل إنذار مبكر للحريق ونظام تلقائي للقضاء على الحريق.
مطالبات مراجعة إجراءات السلامة وجدت صدى لدى بعض المسؤولين، فعقد محافظ أسوان أشرف عطية اجتماعاً لقيادات المحافظة بهدف "استعراض جهود مراجعة قواعد السلامة والصحة المهنية والحماية المدنية لجميع المباني العامة ودور العبادة" التي تشهد تجمعات كبيرة، بحسب بيان للمحافظة الأسبوع الماضي.
وفي محافظة الشرقية، كلف المحافظ ممدوح غراب مسؤولي المراكز والمدن مراجعة وصلات الكهرباء الخارجية في الكنائس والمباني الملحقة بها والتأكد من تطبيق اشتراطات الحماية المدنية ومراعاة قواعد السلامة والصحة المهنية للحفاظ على أرواح المواطنين.