كشفت بيانات رسمية حديثة انخفاض نشاط الأعمال في الشركات الأميركية الخاصة في أوائل أغسطس (آب)، عند بعض من أعلى المعدلات التي شوهدت منذ بداية الوباء، وأدى ارتفاع أسعار الفائدة وبلوغ التضخم مستويات قياسية إلى إعاقة إنفاق المستهلكين، وسجل أحدث مؤشر لمديري المشتريات المركب الأولي من "أس أند بي غلوبال"، مستوى 45 نقطة اعتباراً من 22 أغسطس، انخفاضاً من مستوى 47.7 نقطة في يوليو (تموز) الماضي، وكان معدل تباطؤ النشاط التجاري هو الأسرع الذي تم تسجيله منذ مايو (أيار) 2020 عندما تم إغلاق ملف الوباء لأول مرة، ويمثل هذا خمسة أشهر متتالية من انخفاض مؤشر النشاط والشهر الثاني على التوالي الذي كان فيه في منطقة الانكماش، وتشير المستويات فوق 50 نقطة إلى التوسع بينما تمثل المستويات أدناه حدوث انكماش.
وربما تدفع هذه المؤشرات باتجاه حدوذ الركود الذي يتحدث عنه المحللون وشركات الأبحاث والدراسات، بخاصة في ظل اتجاه الناتج المحلي للانكماش خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي.
الأزمة أشد عنفاً في قطاع الخدمات
في مذكرة بحثية حديثة، قال سيان جونز كبير الاقتصاديين في "أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس"، إن "البيانات تشير بالتأكيد إلى تراجع في الوقت الحالي، من الواضح، علينا أن ننتظر ونرى كيف تتقدم، لكنها بالتأكيد ستكون بيئة أعمال صعبة للمضي قدماً"، كما قال سكوت أندرسون الخبير الاقتصادي، إن الانخفاض في مكون الطلبات الجديدة في المؤشر يظهر أن مزودي الخدمات يتراجعون مع تزايد احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود.
وكان الانكماش عميقاً بشكل خاص بين شركات قطاع الخدمات، وانخفض مؤشر "أس أند بي غلوبال" إلى مستوى 44.1 نقطة في أغسطس الحالي، منخفضاً من قراءة 47.3 نقطة في يوليو، وانخفض مؤشر التصنيع من مستوى 52.2 نقطة في يوليو إلى 51.3 نقطة في أغسطس، وهو أدنى مستوى في عامين، ويأتي التباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري وسط موجة من رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي إذ يسعى البنك المركزي إلى كبح مستويات التضخم المرتفعة.
وتقول كايلين بيرش الخبيرة الاقتصادية في، "ذا إيكونوميست إنتليجنس يونيت"، إن ارتفاع أسعار الفائدة ليس سوى أحد العوامل العديدة التي تلعب دوراً، وأشارت إلى أن التضخم المرتفع باستمرار أدى إلى تآكل قدرة المستهلكين على الإنفاق، كما أن التأخيرات اللوجستية المستمرة ونقص المواد الناجم عن الحرب في أوكرانيا يسهمان في انخفاض الإنتاج، وأضافت، "نتوقع أن يكون تأثير ارتفاع أسعار الفائدة محسوساً بشكل أكبر خلال الأشهر الستة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من الانخفاضات، كانت الشركات التي شملتها الدراسة التي أجرتها "أس أند بي غلوبال" أكثر تفاؤلاً مما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر بشأن النشاط التجاري في الأشهر الـ12 المقبلة، وذكرت أن "الثقة تنبع من الآمال في زيادة طلب العملاء واكتساب عملاء جدد من خلال الحملات الإعلانية والتسويقية، ومع ذلك، كانت درجة التفاؤل أقل من اتجاه السلسلة إذ تتوقع الشركات أشهراً قليلة مليئة بالتحديات".
أزمة نقص المواد الخام ورفع أسعار الفائدة
وأشار التقرير إلى أن نقص المواد الخام وتأخير عمليات التسليم ورفع معدلات الفائدة، إضافة إلى الضغوط التضخمية القوية تسببت في خفض طلب المستهلكين في الولايات المتحدة، وبحسب التقرير، فقد تسبب طلب العملاء الضعيف والطلبات الجديدة المنخفضة في دفع الشركات إلى تقليص عمليات تعيين الموظفين مع ارتفاع التوظيف بأقل وتيرة منذ بداية العام الحالي، وتشير البيانات إلى أن الاقتصاد الأميركي انكمش بشكل عام بنسبة 0.9 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، على أساس سنوي، مخالفاً بذلك التوقعات بشكل حاد، إذ كانت تشير إلى نمو بمقدار 0.4 في المئة، وهذا الهبوط إلى النطاق السلبي هو الثاني على التوالي لاقتصاد الولايات المتحدة، إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي انكماشاً بنسبة 1.6 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مقارنة بالفترة عينها من 2021.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية بنسبة 2.3 في المئة هذا العام بانخفاض ملحوظ عن تقديراته السابقة البالغة نحو 2.9 في المئة.
تعديل التوقعات الخاصة بالعجز الأميركي
في الوقت نفسه، فقد أعلن البيت الأبيض عن تعديل توقعاته للعجز في العام المالي 2022 إلى 1.032 تريليون دولار، بانخفاض قدره 383 مليار دولار عن توقعاته للميزانية التي صدرت في مارس (آذار) الماضي، بما يعكس زيادة في الإيرادات وتراجعاً طفيفاً في الإنفاق، ولا تشمل التوقعات الجديدة، التي اكتملت في التاسع من يونيو (حزيران)، تشريعات تم إقرارها منذ ذلك الحين من بينها قانون دعم صناعة وبحوث أشباه الموصلات البالغ قيمته 52 مليار دولار وحزمة زيادات ضريبية قدرها 430 مليار دولار واستثمارات في الرعاية الصحية والطاقة النظيفة.
وتوقع البيت الأبيض أن عجز الميزانية للعام المالي 2023 سيبلغ 1.3 تريليون دولار، بزيادة قدرها 146 مليار دولار عن توقعاته في مارس، ورجح أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 6.6 في المئة خلال 2022 و2.8 في المئة خلال 2023 و2.3 في المئة خلال 2024، في وقت يرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة 1.4 في المئة خلال 2022، و1.8 في المئة خلال 2023، و2.0 في المئة خلال عام 2024، وفي ما يتعلق بمعدلات البطالة، توقع البيت الأبيض أن يبلغ متوسط معدلها في الولايات المتحدة مستوى 3.7 في المئة في كل من 2022 و2023، و3.8 في المئة خلال 2024.