بين الإعجاب وذكريات النزاع يعبر الأرجنتينيون عن آراء متناقضة في تقييم إرث إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، البلد الذي يتشاركون معه تاريخاً معقداً من بين فصوله حرب طاحنة.
وعلقت الحكومة في بوينوس آيرس بسرعة على نبأ وفاة الملكة وقالت للشعب البريطاني إنها ترافقهم في "لحظة الحزن هذه".
وتناولت صحف الأرجنتين النبأ باحترام واعتبرت الملكة "رمزاً للقرن العشرين" وبأنها شخصية "عرفناها أكثر مما عرفنا عماتنا".
لكن في الشارع طغت على الإشادة بإرث الملكة الذكريات المؤلمة لحرب 1982 في جزر فوكلاند التي تطالب كل من الدولتين بالسيادة عليها.
وقالت ماريا لوهان رودريغيز (51 سنة) في بوينوس آيرس "كنت أود لو أعادت الملكة الجزر إلينا قبل وفاتها".
وكانت سيليا كارلن (88 سنة) من بين آخرين وضعوا باقات الزهر في السفارة البريطانية بالعاصمة تكريماً لملكة "حساسة ورصينة جداً"، وبالنسبة إلى الجزر قالت كارلن "أعتقد أن عليهم إعادتها لنا، لكنني أفصل بين المسألتين".
خلال الحرب التي استمرت 74 يوماً وأسفرت عن أكثر من 900 قتيل بينهم 649 جندياً أرجنتينياً و255 جندياً بريطانياً، إضافة إلى آخرين من سكان الجزر، كانت الملكة إليزابيث هدفاً لكثير من الانتقادات اللاذعة التي رأى كثيرون أنها لم تكن في محلها.
آنذاك، كان هواة كرة القدم التي استوحيت من بريطانيا لتصبح أكثر من مجرد رياضة في الأرجنتين، ينشدون أغاني تشير إليها بعبارة سيئة.
ويشدد المحلل السياسي روزيندو فراغا على أن الحرب كانت قراراً سياسياً اتخذته حكومة مارغريت تاتشر.
ولا يتمتع التاج البريطاني بصلاحيات تنفيذية أو سلطة صنع القرار، لكن صورة الملكة كشخصية عامة جعلتها هدفاً سهلاً للانتقاد.
وتختصر ميرثا لوغران مقدمة البرامج التلفزيونية المعروفة البالغة (95 سنة) التي تصغر الملكة بـ10 أشهر فقط المشاعر المتناقضة للأرجنتينيين بقولها "المسألة مؤلمة جداً فكنت أتابعها منذ تتويجها بعمر الـ25"، مضيفة "كانت ملكة عظيمة، لكن لا أستطيع أن أنسى أنها حكمت خلال حرب فولكلاند، لا أستطيع أن أنسى، كانت لحظة حزينة جداً للجميع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتشارك البلدان تاريخاً طويلاً من العلاقات المتقلبة وبعد عمليتي غزو بريطانيتين داميتين لبوينوس آيرس في 1806 و1807، جاءت فترة استثمارات اقتصادية تدفقت خلالها الأموال البريطانية إلى قطاعات الزراعة والطاقة وأكبر شبكة للسكك الحديدية في أميركا اللاتينية.
لكن الحرب عادت لتضرب من جديد فأرسلت الأرجنتين جنودها لبسط سيادتها على جزر فولكلاند الواقعة قبالة سواحل باتاغونيا، مما أثار غضب تاتشر.
وبموافقة الملكة، أرسلت تاتشر نحو 30 ألف جندي لاستعادة الجزر التي تطالب الأرجنتين بالسيادة عليها منذ 1833 وتطلق عليها اسم "المالوين".
وكان نجل الملكة الأمير أندرو، البالغ آنذاك 22 سنة، ضمن القوة التي أرسلت وكان طيار مروحية.
خرجت بريطانيا منتصرة، لكن الحرب تركت ندوباً عميقة على الرغم من استعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية عقبها، وقال "مركز قدامى حرب فولكلاند" ومقره الأرجنتين في بيان إن الملكة إليزابيث الثانية كانت على رأس إمبراطورية استعمارية، وأضاف "نحن أمام رحيل وجه لنظام ملكي على مستوى عالمي اعتلى العرش لسبعين عاماً"، مشيراً إلى "معاناة الشعوب المقهورة التي خضعت للسيطرة الاستعمارية والاقتصادية طوال فترة حكمها وهذا نظام عفا عليه الزمن".
وفي أبريل (نيسان) هذا العام وخلال مراسم لمناسبة مرور 40 عاماً على الحرب، شدد الرئيس ألبرتو فرنانديز أن "فولكلاند كانت وستظل الأرجنتين"، كما أظهر استطلاع العام الماضي أن أكثر من 81 في المئة من الأرجنتينيين يؤيدون المطالبة بالسيادة على الجزر.
لكن في استفتاء أجري عام 2013 بين سكان فولكلاند اختار 97 في المئة منهم البقاء تحت التاج البريطاني، مما دفع الملكة إلى إعلان الجزر أحد أقاليم ما وراء البحار، وأثارت غضباً في بوينوس آيرس بقولها للبرلمان آنذاك إن بريطانيا "ستضمن الأمن والحكومة الرشيدة والتنمية في مناطق ما وراء البحار، بما في ذلك حماية حق سكان جزر فولكلاند في تقرير مستقبلهم السياسي".
وسارعت الحكومة الأرجنتينية إلى الرد بأن "هذا يكشف الطبيعة الاستعمارية للاحتلال غير القانوني وغير الشرعي لجزرنا".
وتشير المعلمة المتقاعدة إليزابيث فارينيز (67 سنة) إلى "علاقة متضاربة نوعاً ما مع الشعب الإنجليزي، لكن علينا الإقرار بأنها (إليزابيث الثانية) كانت سيدة محترمة بامتياز" وأضافت "علينا أن نقول أحسنت يا ليليبيت على مدى 70 عاماً من حكم إنجلترا".