لا يستطيع زائر مدينة بنغازي بشرق ليبيا أن يغفل عن منارة بنغازي القديمة، إذ تتربع على عرش أهم المعالم التاريخية بالمنطقة، أو كما تعرف عند السكان الأصليين بمنارة سيدي خريبيش، نسبة لاسم مقام الولي الصالح الذي يشاركه في حراستها أيضاً مقام "سيدي غازي" على رغم إزاحة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لأضرحتهم.
وعلى رغم الأضرار التي لحقت بها جراء اشتباكات القوات المسلحة مع تنظيم داعش في السنوات الماضية، إلا أنها ما زلت تقف شامخة على أعلى نقطة في "العصية" (لقب تعرف به بنغازي) قبالة البحر، كأنها تهمس بلطف "البحر أمامكم وأنا وراءكم"، فلا يمكن لأي زائر أن يغمض عينيه أمام حضورها التاريخي والاستراتيجي باعتبارها كانت تسهم بفانوسها المعلق في الأعلى بإرشاد السفن القادمة لميناء بنغازي.
جمالها الخارجي تشوه بسبب الثقوب التي نحتتها قذائف الحرب على جدرانها، لكنها لم تستسلم ولم تسقط، بل استعادت رونقها من جديد إثر عمليات الترميم التي سهر على تنفيذها بعناية جهاز المدن التاريخية فرع بنغازي بالتعاون مع السفارة الإيطالية.
"جاءت من رحم الحرب"
أما عن تاريخ تأسيسها فيقول المؤرخ فرج نجم إنه "لا توجد وثائق رسمية تثبت صحة تأسيسها، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنها أنشئت في القرن الـ19 الميلادي من قبل شركة فرنسية، لتهدم بعد ذلك من قبل الاستعمار الإيطالي الذي شيدها من جديد إلى أن اكتملت عام 1932".
ويصف المؤرخ التاريخي منارة بنغازي بأنها عبارة عن صهريج ماء كبير جداً كان يستخدم لرفع منسوب المياه في المدينة، وأيضاً لتنظيف البيوت التي تنتشر بصفة عشوائية بالقرب منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما عن رمزية هذه المنارة لأهل بنغازي فيقول نجم إنهم "يستمدون شموخهم من شموخها، بخاصة أنها تطل على سجن سيدي خريبيش الذي قضى فيه الشيخ عمر المختار آخر خمسة أيام من حياته قبل أن يعدم من قبل السلطات الإيطالية".
ويواصل أن "منارة سيدي خريبيش هي الآن الرمز التاريخي الذي تتزين به بنغازي، لاسيما إثر هدم القذافي للمتحف القديم وضريح كل من الوليين الصالحين سيدي خريبيش وسيدي غازي وغيرهما من المعالم التاريخية، إذ عرف القذافي بعداوته لمدينة بنغازي بالتالي أخذتها البلدية بعد ذلك كرمز لها، لكن ما ينقصها الآن فقط هي الإضاءة التي كانت تتزين بضوء أبيض يشتعل كل ثلاث ثوان لإرشاد السفن القادمة للميناء".
توقف المشروع
وكان جهاز المدن التاريخية فرع بنغازي باشر عملية صيانة المنارة وترميمها بالشراكة مع السفارة الإيطالية في ليبيا عام 2019، وذلك من خلال توفير المواد الخاصة بالصيانة، باعتبار أن منارة بنغازي أحد أبرز معالم المدينة التي برزت في العهد الإيطالي، وفقاً للمعايير والمواصفات المعتمدة في ترميم المباني التاريخية، وذلك حفاظاً على الهوية التاريخية لمدينة بنغازي بحسب ما أفاد به محيي الدين مخلوف مدير إدارة العقارات والاستثمار بجهاز المدن التاريخية فرع بنغازي.
وأوضح مخلوف أن الصيانة تمت من قبل شركة ليبية تحت إشراف جهاز إدارة المدن التاريخية ومكتب المشروعات بالبلدية، ضمن أعمال لجنة إعادة الاستقرار لمدينة بنغازي.
وبخصوص تضارب المعلومات حول الفانوس الذي كان يعتلي المنارة وهل ضاع أم سرق، أكد مخلوف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن "الفانوس الأصلي موجود لدى إدارة الموانئ ببنغازي ولم يعد تركيبه نظراً إلى توقف مشروع استكمال مكملات المنارة، وهو جزء مستحدث حول المنارة، من ضمنه الدرج والممر والمدخل الجديد لسور المنارة".
وسُجلت المنارة في عام 2012 ضمن المعالم التاريخية للدولة الليبية من قبل إدارة جهاز المدن التاريخية، واعتمدت لدى وزارة الحكم المحلي، وجار العمل على تسجيلها ضمن المعالم العالمية بالتعاون مع السفارة الإيطالية ومنظمة التراث العالمي وفق ما أوضحه مخلوف.