بعد أن هبط إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار استقر الجنيه الاسترليني في التعاملات الأخيرة مرتفعاً أكثر من واحد في المئة إلى مستوى 1.08 دولار، لكن السياسة الاقتصادية التي أدت إلى الانخفاض التاريخي للعملة لم تختف، وهي أخبار سيئة بشكل خاص لأي شخص ليس ثرياً.
فالملايين من مالكي المنازل في المملكة المتحدة على وشك زيادة مدفوعات الرهن العقاري الشهرية بمئات أو حتى آلاف الدولارات. ويرجع ذلك إلى أنi من المتوقع وعلى نطاق واسع أن يقوم بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة بشكل أكبر لمعالجة التضخم الذي سيتفاقم بسبب التخفيضات الضريبية الشاملة التي فرضتها الحكومة. ويتوقع كثيرون أن يصل معدل الاقتراض إلى ستة في المئة خلال العام المقبل ارتفاعاً من 2.25 في المئة في الوقت الحالي.
وعلى عكس الولايات المتحدة الأميركية، حيث عادة ما يكون للرهن العقاري معدل ثابت على مدى 15 أو 30 عاماً، فإن القروض البريطانية ذات السعر الثابت لها مدد أقصر بكثير وتمتد من سنتين إلى خمس سنوات. وهذا يعني أن ما يصل إلى 1.8 مليون مقترض يندفعون الآن نحو الهاوية المالية بينما يستعدون لإعادة التمويل خلال العام المقبل، عندما يكون معدل الرهن العقاري قد تضاعف.
المدفوعات الشهرية تقفز 73 في المئة
بحسب كبير الاقتصاديين في "بانثيون ماكرو إيكونوميكس" صامويل تومبس، فإن معدل الفائدة بنسبة ستة في المئة على متوسط الرهن العقاري ذي السعر الثابت لمدة عامين في المملكة المتحدة من شأنه أن يدفع المدفوعات الشهرية إلى أعلى بنسبة هائلة تصل إلى 73 في المئة.
بعبارة أخرى، سيضطر صاحب المنزل العادي الذي يدفع في الوقت الحالي ما يقرب من 920 دولاراً شهرياً إلى دفع ما يقرب من 1600 دولار فجأة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تحقق الأسر الأكثر ثراء في البلاد مكاسب ضخمة، حيث تلغي السياسة التي وضعتها إدارة رئيسة الوزراء ليز تراس الحدود القصوى لمكافآت المصرفيين وتمنح العمال الذين يجنون أكثر من مليون دولار سنوياً تخفيضاً ضريبياً يبلغ 58 ألف دولار تقريباً. والغالبية العظمى أو ما يقرب من ثلثي المكاسب الضريبية تذهب إلى أغنى خمس أسر، وفقاً لتقدير أحد مراكز الأبحاث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبطبيعة الحال، يشعر الناس بالفزع في الوقت الحالي. وقد تضاعفت عمليات البحث على الإنترنت عن "إعادة التمويل" في المملكة المتحدة، الإثنين، وفقاً لتحليل بيانات بحث "غوغل" بواسطة "لون كورب"، وهي شركة سمسرة للرهن العقاري.
في الوقت الحالي يشعر المستثمرون بالحيرة، والمستهلكون مرعوبون منذ أن أعلنت إدارة تراس الحديث عن خطتها الشاملة لخفض الضرائب، التي تعتقد أنها ستحفز النمو وتزيل الركود الذي يلوح في الأفق. وقلة من الاقتصاديين يوافقون على ذلك. وقد وصف محللو "سيتي بنك" القرار بأنه "مقامرة ضخمة وغير ممولة لاقتصاد المملكة المتحدة".
وفي المقابل دافعت تراس عن خطتها، مستشهدة بالاقتصادات المتدرجة في عهد ريغان، التي تعتقد أنها ستشجع الشركات على الاستثمار، لكن سياسات ريغان الضريبية كانت بعيدة كل البعد عن كونها ضربة قاسية. ووفقاً لوزارة الخزانة الأميركية فقد خفضت التخفيضات الضريبية الإيرادات الفيدرالية بنحو تسعة في المئة في أول عامين. ومع ذلك، قرر الكونغرس في النهاية أن التخفيضات الضريبية الشاملة غير مستدامة، وبموافقة ريغان رفعت الضرائب كثيراً خلال الفترة من عام 1982 وحتى عام 1984. ومرة أخرى عام 1987.
ولدى بريطانيا دروسها التاريخية الخاصة التي يمكن الاستفادة منها. ففي المرة الأخيرة التي تم فيها تخفيض الضرائب في بريطانيا إلى هذا الحد، كان هناك تضخم متفش وقفزة هائلة في الديون، وفي النهاية خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي عام 1976.
تحذيرات من ارتفاع التضخم وعدم المساواة
في إطار سلسلة الانتقادات التي تواجهها حكومة تراس، حذر صندوق النقد الدولي من أن التخفيضات الضريبية- وهي الأكبر في بريطانيا منذ أوائل السبعينيات- من المرجح أن تزيد التضخم وعدم المساواة. وقال متحدث باسم الصندوق "نحن ندرك أن الحزمة المالية الضخمة التي تم الإعلان عنها تهدف إلى مساعدة العائلات والشركات على التعامل مع صدمة الطاقة وتعزيز النمو من خلال التخفيضات الضريبية وإجراءات التوريد".
وأضاف، "مع ذلك، نظراً إلى ضغوط التضخم المرتفعة في عدد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، فإننا لا نوصي بحزم مالية كبيرة وغير مستهدفة في هذا المنعطف، حيث من المهم ألا تعمل السياسة المالية بما يتعارض مع أغراض السياسة النقدية".
وترافق الانهيار في الجنيه الاسترليني منذ الجمعة مع ارتفاع مفاجئ في تكاليف الاقتراض في المملكة المتحدة، حيث تجاوزت العوائد على السندات الحكومية لمدة خمس سنوات تلك الخاصة بالاقتصادات الأوروبية المثقلة بالديون مثل إيطاليا واليونان.
وفي الوقت الحالي، تتوقع الأسواق المالية أن يتعين على بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من ستة في المئة بحلول الربيع المقبل، من 2.25 في المئة في الوقت الحالي، لدعم العملة واحتواء الضغوط التضخمية التي أطلقتها الهبات المالية الضخمة. ووعد كبير الاقتصاديين في البنك المركزي بإجراءات سعرية "كبيرة" في اجتماعه المقرر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
واليوم، أعلن بنك إنجلترا عن تدخل طارئ في سوق السندات الحكومية، مشيراً إلى "الخلل الوظيفي" الأخير. وقال إنه سيشتري سندات حكومية بريطانية طويلة الأجل "بأي حجم ضروري لاستعادة أوضاع السوق المنتظمة".
البنوك تكافح لمواكبة تقلبات سوق السندات
ويوم الجمعة، قالت حكومة ليز تراس التي خلفت بوريس جونسون كرئيس للوزراء قبل ثلاثة أسابيع فقط، إنها ستخفض الضرائب بمقدار 45 مليار جنيه استرليني (48 مليار دولار) في محاولة لتحريك الاقتصاد البريطاني مرة أخرى. وتتضمن الحزمة إلغاء أعلى معدل لضريبة الدخل لأصحاب الدخل المرتفع وزيادة كبيرة في الاقتراض الحكومي لخفض أسعار الطاقة لملايين الأسر والشركات هذا الشتاء.
لكن عدداً من الاقتصاديين البارزين وصفوا الإجراءات غير التقليدية بأنها مقامرة متهورة، وحذروا من أنها ستجبر بنك إنجلترا على الضغط بقوة أكبر في الوقت الذي يحاول ترويض التضخم الذي يقترب بالفعل من أعلى مستوياته في 40 عاماً عند 10 في المئة تقريباً.
وحاولت وزارة الخزانة في المملكة المتحدة تهدئة أعصاب السوق بالقول، إنها ستقدم مزيداً من التفاصيل عن خططها في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) وهي ملتزمة بضمان انخفاض الدين كحصة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة على المدى المتوسط.
وقال صندوق النقد الدولي، إن الإجراءات المخطط لها "من المرجح أن تزيد من عدم المساواة". ودعا حكومة المملكة المتحدة إلى استخدام الميزانية في نوفمبر كفرصة "للنظر في طرق تقديم الدعم الأكثر استهدافاً وإعادة تقييم الإجراءات الضريبية، بخاصة تلك التي يستفيد منها ذوو الدخل المرتفع".
لكن قد يأتي ذلك بعد فوات الأوان بالنسبة للشركات التي تواجه بالفعل ارتفاعاً حاداً في تكاليف الاقتراض، ومئات الآلاف من حاملي الرهن العقاري الذين سيحتاجون إلى إعادة تمويل قروضهم في الربع الأخير من هذا العام. وتم بالفعل سحب المئات من منتجات الرهن العقاري من السوق حيث تكافح البنوك لمواكبة تقلبات سوق السندات.
وانخفضت عائدات السندات الحكومية البريطانية لأجل 10 سنوات بشكل حاد بعد إعلان بنك إنجلترا لكنها ظلت مرتفعة. وكانت آخر مرة بالقرب من 4.1 في المئة، مرتفعة من أقل من 2.9 في المئة في بداية الشهر.
كما انتقدت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" خطط الحكومة البريطانية. وقالت في مذكرة بحثية حديثة إن "التخفيضات الضريبية الكبيرة غير الممولة ستؤدي إلى عجز هيكلي أعلى وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض وتوقعات نمو أضعف وضغط حاد على الإنفاق العام الناجم عن الوباء وعقد من التقشف". وأضافت أن فقدان الثقة بين المستثمرين في الحكومة يمكن أن "يضعف بشكل دائم القدرة على تحمل ديون المملكة المتحدة".