جورج خباز ممثل وكاتب ومخرج تلفزيوني ومسرحي. أحب السينما والتلفزيون ولكنه سخر موهبته للمسرح طوال الـ 17 عاماً الماضية، ونجح في استقطاب جمهور عريض من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية. تألق عبر مسرحه الخاص الذي طبع هويته الفنية من خلال مجموعة كبيرة من الأعمال من بينها "كذاب كبير" و"وهلأ وقتا" و"البروفسور" و"الأول بالصف" و"مطلوب". وكانت آخر مسرحياته "يوميات مسرحجي" التي عرضها عام 2020 ليبتعد بعدها قسرياً، بسبب الظروف الاقتصادية وجائحة كورونا.
في السينما شارك خباز في عدد محدود من الأفلام، فاز بعضها بجوائز عالمية منها "تحت القصف" و"وينن" و"إلى يارا" و"كفرناحوم" و"سيلينا" و"غدي". وكان آخر أفلامه "أصحاب ولا أعز" الذي أثار ضجة كبيرة عند عرضه على منصة "نتفلكس"، ويستعد قريباً لخوض تجربة فيلم أوروبي تحت إدارة مخرجين أجانب من فرنسا وألمانيا ويأمل في أن يوصله إلى العالمية.
حصد جورج خباز شهرة واسعة في التلفزيون عبر سلسلة من الأعمال الناجحة، شارك في بعضها منذ بدايته بحثاً عن العمل الفني، وما لبث أن أصبح البطل الأساس في بعضها الآخر. ومن أشهر أعماله "نساء في العاصفة" و"عبدو وعبدو" و"القناع" و"سنابل الحب" و"أصابع من ذهب" و"جميل وجميلة" و"طالبين القرب" وغيرها. وفي مرحلة لاحقة أسهم نجاحه كممثل كوميدي في استقطاب جمهور تلفزيوني عريض ما لبث أن رافقه في رحلته المسرحية. وآخر أعماله مسلسل "براندو الشرق" من كتابته وبطولته وإخراج أمين درة ويفترض أن يعرض قريباً على إحدى المنصات.
التلفزيون يتطور
يبدو خباز ممتناً للدور الكبير الذي تلعبه المنصات في المرحلة الحالية، إذ يقول: "لا يمكن أن ننكر أهمية دور المنصات في الحركة الدرامية وتطورها كما في إثراء المكتبة الدرامية العربية. شكل التلفزيون يتغير وهو سوف يتحول من التلفزيون التقليدي الذي نعرفه إلى منصات إلكترونية مهمة كـ "نتفليكس" و"شاهد"، هذا عدا المنصات الأخرى التي بدأت تفرض نفسها واحدة تلو الأخرى، والتي أصبحت حاجة ضرورية بالنسبة إلى أي فنان". وفي المقابل هو لا يرى أن التلفزيون في طريقه إلى الأفول بل يشدد على أنه قد يغيّر نهجه ويلحق بالمنصات، ويضيف: "في الفترة السابقة كانت هناك مذيعة خاصة بربط الفقرات في البرامج التلفزيونية، وفجأة اختفت. وهذا يعني أن التلفزيون سوف يغيّر شكله لكن من دون أن يغادرنا، ولكنه لن يظل التلفزيون الذي نعرفه".
خباز الذي بدأ مسيرته على الخشبة ثم انتقل إلى الشاشة الصغيرة التي أكسبته شهرة عريضة قبل أن يعود مجدداً إلى المسرح، يقرّ بفضل التلفزيون في دعم تجربته المسرحية ونجاحها خصوصاً أن الجمهور تأثر به ورافقه إلى مسرحه، وهو يقول: "هذا الأمر حدث فعلاً في البداية لأن جمهور التلفزيون لحق بي إلى المسرح. في المرحلة الأولى كان الجمهور كافياً، ولكن الاستمرار مسرحياً لمدة سبعة عشر عاماً يعني أن التجربة أبعد من جمهور التلفزيون، وأن هناك ثقة متبادلة بين الجمهور وبين مسرحي الذي يقدم سنوياً عملاً جديداً يليق به ولا يستخف بعقله. وفي مرحلة لاحقة صارت أعمالي المسرحية الناجحة تسوّق لنفسها، وصار الجمهور يحضر عملي الجديد بناء على نجاح العمل الذي سبقه. وأنا كنت أهلاً بهذه الثقة من خلال حرصي على تقديم أعمال تليق بالناس. أنا بعيد عن الشاشة الصغيرة منذ عام 2011 ولم أطل بعمل تلفزيوني جديد منذ 11 عاماً، ولكنني سوف أعود قريباً بمسلسل "براندو الشرق". أنا تفرغت للمسرح طوال 17 عاماً، وشهرتي وأعمالي قامت عليه طوال السنوات الماضية. وإلى جانب المسرح كنت أشارك بفيلم سينمائي واحد كل ثلاث أو أربع سنوات يحدث ضجة ويحقق حضوراً جماهيرياً رائعاً. أنا استغللت التلفزيون بالمعنى الإيجابي للكلمة واصطحبته معي لتحقيق حلمي الأكبر في المسرح".
المسرح صامد
وهل هذا يعني أن حلمه المسرحي تحطّم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم؟ يجيب خباز: "المسرح لم يتحطم أبداً عبر التاريخ. هو كان شاهداً على الكثير من الحروب والأوبئة، كما شهد ظهور السينما والتلفزيون والانترنت، ولكنه بقي صامداً لكونه حاجة إنسانية جماعية ضرورية. ربما تعترضه بعض الظروف فـيتراجع ويقفل ويرتاح، ولكنه لا يلبث أن ينهض مجدداً عند أول نفَس، ويعود حاجة أكثر مما كان عليه قبل استراحته. من الضروري جداً أن يرتاح المسرح بين وقت وآخر وخصوصاً في تجربتي التي تمتد لنحو سبعة عشر عاماً ومن دون توقف. ولم يكن بإمكان أي شيء أن يوقفه. لكن الظروف الصعبة التي نمر بها أوقفتني قسراً. مسرحياً، أنا في حالة استراحة حالياً على أن تكون العودة بنفس جديد، خصوصاً أن السنوات الثلاث الأخيرة علمتني الكثير. وأنا جاهز للعودة بقوة ولكن في الوقت المناسب، لأنني لا أريد أن أحرم أحداً من مسرحي". ويتابع: "لكي أتمكن من دفع أجور التقنيين والممثلين والفنيين وعمال المسرح، يجب أن أرفع تسعيرة البطاقة وكأنني أقول للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، لا تأتيا إلى مسرحي. وأنا أرفض أن يحصل هذا الأمر في مسرحي لأنه لكل الناس بمضمونه فكيف بالشكل. وأنا لا يمكنني الخيانة شكلاً. بإمكاني أن أقدم عملاً مسرحياً لمدة شهرين وأن أعتمد على الطبقة الميسورة التي لطالما كانت حاضرة بين جمهوري، ولكنها كانت تتواجد إلى جانب الطبقات الأخرى. لا أريد مسرحاً يتوجه إلى طبقة واحدة، ولذلك أنا متروٍ بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية، لكي أتمكن من تسعير بطاقة تتناسب مع إمكانيات كل الناس، وتغطي في الوقت نفسه تكاليف مسرحي الباهظة. لأنني لا أركز على المسرح فقط بل أيضاً على الكواليس والفريق العمل التقني، وهناك 45 موظفاً يعملون في مسرحي كعمال موقف السيارات وعمال النظافة والتقنيين والإضاءة والشاشة والممثلين والإنتاج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يؤكد خباز بأنه يستغل الوقت بانتظار عودته الكبرى إلى المسرح بتصوير أعمال مختلفة وموضحاً: "خلال الفترة الماضية صورت فيلم "أصحاب ولا أعزّ" الذي عرض على "نتفلكس" كذلك انتهيت من تصوير مسلسل "براندو الشرق". وأشارك إلى جانب عابد فهد وكاريس بشار في مسلسل من 30 حلقة خاص بالموسم الرمضاني المقبل 2023، لم نختر اسماً له حتى الآن، من إنتاج شركة "الصبّاح" وكتابة رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز. كما أشارك بفيلم سوف يتم تصويره في أوروبا ولكنني لا أستطيع أن أكشف عن تفاصيله، وهو يشكل خطوة جديدة في مساري الفني، وأتمنى أن تكون نحو العالمية. كل ذلك بانتظار عودتي الكبيرة إلى المسرح بعمل جديد، وهذا العمل جاهز، وكنت قد أنجزت كتابته والتحضير له خلال الفترة الماضية".
لا بد من التراث
خباز الذي أعاد تقديم أعمال لزياد الرحباني والأخوين رحباني وروميو لحود ودريد لحام وغيرهم خلال الدراسة يحرص على أن تكون أعماله المسرحية من توقيعه على كافة المستويات: "في مرحلة البدايات كلنا نعيد أعمال غيرنا ولكن الأعمال التي أنتجتها في مسرحي الخاص كلها من تأليفي وإخراجي، باستثناء مسرحية واحدة بعنوان "شو القضية" المقتبسة عن مسرحية إنجليزية لجيلبرت ويكفيلد اسمها "استشارة محامي" اشتريت حقوقها ولكنني قمت بتعديلها بتصرف كبير".
وعن سبب تعلقه بالمسرح أكثر من الفنون الأخرى وأبرز المسرحيين الذين تأثر بهم يقول خباز: "تركيبتي هي تركيبة مسرحية. التفاعل المباشر مع الناس ولقاء 600 أو 700 شخص يقصدونني يومياً ويصفقون لي، يضحكون معاً ويبكون معاً ويعيشون اللحظة معاً، ليس بالأمر السهل. وهذه الطاقات المتبادلة والمتداخلة في المسرح مهمة جداً بالنسبة لي. عدا عن أنني أعشق هذا المكان منذ طفولتي، وكنت أتابع الكثير من الأعمال المسرحية، وتأثرت بعدد من الفنانين كما هي حال كل الفنانين. مثلاً، الأخوان رحباني يقولان إنهم تأثراً باللحن الإيطالي الكنسي وباللحن البيزنطي وأنهما أخذا من التراث وقاما بتطويره. من لا قديم لديه لا جديد لديه، وكلنا تأثرنا في يوم من الأيام بالذين سبقونا ثم بنينا هوية جديدة لأنفسنا، معتمدين على أسس متينة صنعها هؤلاء الفنانون. وأنا تأثرت بالأخوين رحباني، دريد لحام، شوشو، زياد الرحباني، وبمبدعين أجانب كوليام شكسبير، موليير، تشيكوف، أونيسكو، وبالكثير من الممثلين الكبار أمثال روبن ويليامز وجين كيلي وغيرهما. ويضاف إلى تأثري بتلك الأسماء هويتي الشخصية وظروف حياتي، في العالم وفي العالم العربي وفي لبنان، وهذه الخلطة صنعت هويتي الفنية التي كنت أضيف إليها من تجربتي من عمل إلى آخر. ومع الوقت ومع التقدم في السن تغلبت هويتي على كل ما كنت قد تأثرت به وأصبحت لي تجربتي الخاصة".