شهدت منطقة عفرين التي كانت واقعة تحت سيطرة فصائل من "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، خلال الأيام القليلة الماضية، مواجهات عسكرية عنيفة مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، في موازاة استمرار التوتر الذي أدى إلى سيطرة الهيئة على مركز مدينة عفرين وانسحاب الفصائل منها بعد معارك على أطرافها والمداخل المحيطة بها.
ومع صبيحة، الأربعاء 12 أكتوبر (تشرين الأول)، توجهت القوات العسكرية التابعة للهيئة باتجاه بلدة جنديرس وتمكنت من السيطرة عليها، خلال ساعات قليلة، لتدخل لاحقاً مدينة عفرين بعد اشتباكات مع الفيلق الثالث التابع لـ"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، وبعد السيطرة على حي المحمودية، شمال المدينة، اتخذت الهيئة من مشفاها مقراً لها، كما انتشر عناصر للأمن العام التابع للهيئة في مدينة عفرين وبدأت حملة اعتقالات في صفوف عناصر ومؤيدي "الجيش الوطني" بحسب مواقع سورية معارضة.
مشاهد متداولة:
انسحاب المجموعات المسلحة المدعومة من #تركيا من #عفرين باتجاه قرية #كفرجنة بعد دخول عناصر #هيئة_تحرير_الشام داخل المدينة من محور قرية #ترندة التابعة لمركز المدينة.
pic.twitter.com/2PWkpuJ4Q9
— نغم مستو (@naghammesto) October 13, 2022
تزامن ذلك مع انسحاب عناصر الفيلق إلى القرى المحيطة بالمدينة خصوصاً، شرقها، وحشدت قواتها في قرية كفرجنة (ثمانية كيلو مترات شرق عفرين) التي شهدت، مساء الجمعة، اشتباكات عنيفة بعد ملاحقة عناصر الهيئة للفيلق الذي كان ينوي التوجه نحو مدينة أعزاز الاستراتيجية.
الوضع الإنساني
وأدت الاشتباكات وعمليات القصف المتبادلة إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى، وتم التأكد من مقتل مسنة في عفرين فيما لم تعرف الإصابات في صفوف المسلحين.
وجراء التطورات الميدانية المتسارعة، شهدت المدينة نزوحاً باتجاه الريف، وأيضاً نحو مدينة أعزاز وأقفلت أسواقها التجارية وباتت في شبه شلل تام.
"تركيا تساند الهيئة في الخفاء"
ولم تدخل تركيا على خط المواجهات إلا بعد مضي نحو 48 ساعة تقريباً من بدء المعارك، على الرغم من وجود قواتها العسكرية في مركز مدينة عفرين والريف المجاور، وبدأت مع "هيئة تحرير الشام" بنصب حواجز أمنية في مداخل عفرين، صباح الجمعة، بحسب مصادر محلية.
في الأثناء، بدأت مفاوضات بين الطرفين المتقاتلين برعاية تركية في معبر باب الهوى شمال حلب.
وذكر موقع "جسر" الإخباري (سوري معارض)، نقلاً عن مصادر، أن الاجتماع جرى بحضور ممثل عن الحكومة التركية، إضافة إلى القيادي في "الجبهة الشامية" التابعة للفيلق الثالث أبو أحمد نور ممثلاً لـ"الجيش الوطني"، وأبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام"، وجاء في الموقع أن ممثل "الجيش الوطني" رفض في الاجتماع تسليم المناطق الخاضعة للجيش لـ"تحرير الشام"، وأفيد بأن الجانب التركي اتخذ موقفاً مسانداً لـ"تحرير الشام" بسيطرة الأخيرة على كل المناطق، وفق ما ذكرت المصادر نفسها.
"صفقة محتملة"
وكان موقع "عفرين بوست" المتخصص بأوضاع المدينة وريفها، قد نشر في الثاني من يوليو (تموز) الماضي، معلومات وصفها بأنها سيناريو لصفقة غير معلنة بين روسيا وتركيا تقضي بموجبها سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مناطق في "غصن الزيتون" و"درع الفرات" مقابل تقدم قوات النظام السوري باتجاه جبل الزاوية والسيطرة الكاملة على الطريق الدولي M4 خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر.
وبحسب الموقع أيضاً، فإن أول ملامح هذه الصفقة تمثلت بهجوم قوات "الهيئة" على معبري الغزاوية ودير بلوط وصولاً إلى مشارف مدينة عفرين الجنوبية في 18 يونيو (حزيران) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتفاق أولي
ونشرت معرفات تابعة للمعارضة السورية نص اتفاق مؤلف من 10 بنود بين "هيئة تحرير الشام" والفيلق الثالث وصفها الناطق باسم "الجيش الوطني" وائل علوان بالاتفاق المبدئي القابل للاستمرار أو التراجع ما بين الطرفين، وأنه كان نتيجة اجتماع بين أبو محمد الجولاني زعيم "الهيئة" وأبو ياسين قائد الفيلق الثالث.
ونص الاتفاق على وقف إطلاق نار شامل وإنهاء ما سماه الخلاف الحاصل بين الطرفين، إضافة لإطلاق سراح "الموقوفين في الأحداث الأخيرة من مختلف الأطراف"، وأيضاً عودة قوات الفيلق الثالث إلى مقراته وثكناته، وإنهاء الاستنفار العسكري الحاصل من جانب "هيئة تحرير الشام"، واستعادة الفيلق الثالث مقراته وثكناته، وجاء في البيان أيضاً "عدم التعرض لمقرات وسلاح وعتاد وممتلكات الفيلق الثالث وعناصره، كما يتركز نشاط الفيلق الثالث في المجال العسكري فقط"، ونص البندان الثامن والتاسع على "عدم ملاحقة أي أحد بناء على خلافات فصائلية وسياسية، والتعاون على البر والتقوى في محاربة الفساد ورد المظالم"، كما اتفق الطرفان على استمرار التشاور والمداولات "لترتيب وإصلاح المؤسسات المدنية في المرحلة المقبلة".
موقف "قسد"
من جهتها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، عبر معرفات مركزها الإعلامي، أن سيطرة "هيئة تحرير الشام" على عفرين تمت بمباركة تركية لأسباب ميدانية وسياسية، وأن "المعارك الأخيرة هي مجرد إثارة الغبار للتغطية على الدور التركي في تحويل المنطقة إلى منطقة آمنة لـ"داعش" و"النصرة" والانطلاق منها مجدداً إلى الداخل السوري".
وكانت عفرين ذات الغالبية الكردية تقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، حتى 18 مارس (آذار) 2018، حيث احتلتها تركيا في عملية عسكرية بمشاركة قوات من "الجيش الوطني السوري" المعارض وسميت العملية وقتها بـ"غصن الزيتون" بحجة حماية أمن تركيا القومي، ومنع وصول "قوات سوريا الديمقراطية" إلى سواحل البحر المتوسط بحسب تصريحات رسمية تركية.