سجل عجز ميزان الطاقة في تونس ارتفاعاً قياسياً خلال النصف الأول من 2022، بسبب زيادة الطلب على المحروقات من المواد البترولية ثم الغاز المعتمد لإنتاج الكهرباء، في الوقت الذي تراجع فيه الإنتاج الوطني للنفط وسوائل الغاز.
وبلغ العجز 6.1 مليار دينار (1.9 مليار دولار) إلى نهاية شهر أغسطس (آب) 2022 مقابل 3.1 مليار دينار (968 مليون دولار) في الفترة نفسها من 2021، أي بزيادة قدرها 96 في المئة.
فيما استقرت نسبة تغطية الواردات للصادرات في حدود 37 في المئة مقابل 41 في المئة بحساب الانزلاق السنوي، بعد أن ناهز عجز ميزان الطاقة 3.3 مليون طن مكافئ نفط إلى نهاية أغسطس 2022 مقابل ثلاثة ملايين في الفترة نفسها من سنة 2021، أي بارتفاع قدره 11 في المئة، ما خفض نسبة الاستقلال الطاقي. الأمر الذي يدفع إلى تفعيل سياسة التحكم في الطاقة واعتماد البديلة للضغط على تواصل النسق التصاعدي لارتفاع فاتورة الطاقة وزيادة الاعتماد على الطاقة الأحفورية في إطار رهانات مرتبطة بأمن الطاقة والتنافسية الاقتصادية.
وتعمل تونس في اتجاه تقليل الطلب على الطاقة الأولية بنسبة 30 في المئة وزيادة حصة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 35 في المئة في أفق سنة 2030.
انخفاض الاستقلال
عرفت الصادرات ارتفاعاً في القيمة بنسبة 70 في المئة لكن الواردات زادت بقيمة 85 في المئة، خصوصاً على مستوى واردات الغاز الطبيعي، الذي ارتفع إلى نهاية شهر أغسطس 2022 بنسبة تسعة في المئة من حيث الكمية وبنسبة 110 في المئة من حيث القيمة.
أما بخصوص نسبة الاستقلالية الطاقية، وهي نسبة تغطية الموارد المتاحة للطلب الإجمالي، فقد سجلت انخفاضاً لتستقر في حدود 49 في المئة خلال الفترة المذكورة، مقابل 53 في المئة خلال الفترة نفسها من سنة 2021.
وبلغت الموارد الوطنية التونسية من الطاقة الأولية المتكونة من الإنتاج الذاتي والاستيراد من الغاز الجزائري في الثمانية أشهر الأولى من السنة الراهنة 3.2 مليون طن مكافئ نفط، مسجلة انخفاضاً بنسبة ثمانية في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2021 تحت مفعول انخفاض الإنتاج الوطني من النفط الخام.
في المقابل بلغ الطلب الإجمالي على الطاقة الأولية 6.5 مليون طن مكافئ نفط مسجلاً ارتفاعاً طفيفاً بنسبة واحد في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، إذ شهد الطلب على المواد البترولية ارتفاعاً بنسبة اثنين في المئة، وذلك تبعاً لعودة الأنشطة الاقتصادية تدريجاً لنسقها الطبيعي بعد الإجراءات المتخذة سابقاً لمجابهة جائحة كورونا، التي أثرت بصفة مباشرة في استهلاك الطاقة، فيما شهد الطلب على الغاز الطبيعي استقراراً في مستوى السنة المنقضية نفسه.
يذكر أن منحى الطلب على الغاز راجع بالأساس إلى اقتصار الشراءات من الغاز الجزائري على الشراءات التعاقدية مما نتج منه نقص في الكميات اللازمة لإنتاج الكهرباء، بالتالي اللجوء إلى استيراد الكهرباء مباشرة.
تراجع إنتاج النفط الخام والغاز
بلغ الإنتاج الوطني من النفط إلى حدود شهر أغسطس 2022 نحو 1.14 مليون طن مكافئ نفط، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 13 في المئة بحساب الانزلاق السنوي، حيث بلغ 1.31 مليون طن مكافئ نفط في الثمانية أشهر الأولى من سنة 2021.
وانخفض إنتاج سوائل الغاز وانحصر في نحو 75 ألف طن مكافئ نفط مقابل 115 ألف طن مكافئ نفط خلال الفترة نفسها من 2021 وراوح الانخفاض نسبة 35 في المئة.
يشار إلى أن قطاع استكشاف وإنتاج وتطوير المحروقات شهد تحديات مهمة خلال سنة 2020، من بينها تراجع سعر النفط في السوق العالمية والتداعيات الصحية لجائحة كورونا، خصوصاً التحركات الاجتماعية التي أدت منذ 16 يوليو (تموز) 2020 إلى الانخفاض التدريجي لمعدلات الإنتاج اليومي للحقول الموجودة في الجنوب التونسي، ثم توقفها نهائياً في أغلب الحقول نظراً لنفاد طاقة الخزن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسجل رجوع الإنتاج تدريجاً إثر التوصل إلى اتفاق مع المحتجين وإعادة فتح محطة الضخ بـ"الكامور" في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ومع بداية سنة 2021 دخل امتياز حقل النفط "حلق المنزل" (الشمال الشرقي) حيز الإنتاج إثر حل الإشكالات القانونية والتقنية التي شهدها على مدى سنوات.
كما رفع إنتاج "حقل نوارة" للغاز الطبيعي (الجنوب الشرقي) مما أثر بشكل إيجابي في إنتاج المحروقات، مع العلم أنه لم يحفر إلى حدود نهاية يونيو (حزيران) 2022 أي بئر استكشافية، وفي المقابل حفرت بئر تطويرية جديدة.
وتراجع إنتاج حقل "حلق المنزل" منذ بداية السنة الحالية لوجود مشكلات تقنية يجري العمل على تجاوزها وفق المرصد الوطني للطاقة (حكومي).
في المقابل سجل إنتاج الغاز التجاري الجاف إلى نهاية شهر أغسطس 2022 تراجعاً مقارنة مع 2021 بنسبة اثنين في المئة، إذ بلغ نحو 1.26 مليون طن مواز نفط مقابل 1.32 مليون طن مواز نفط خلال الفترة نفسها في 2021، ويعود هذا بالأساس إلى تراجع الإنتاج بأهم الحقول.
وشهد شهر مارس (آذار) 2021 دخول حقلي "عبير" و"بشرى" الغازيين حيز الإنتاج، كما تجدر الإشارة إلى تحسن الإنتاج في بعض الحقول في بداية السنة الراهنة في بعض الحقول على غرار حقول الجنوب.
استيراد الكهرباء
كما حافظ الطلب على الغاز الطبيعي إلى حدود شهر يوليو 2022 على مستوى السنة المنقضية نفسه، وهو 3.43 مليون طن مكافئ نفط، وقد سجل الطلب على هذه المادة لإنتاج الكهرباء انخفاضاً بنسبة ستة في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من 2021.
ويرجع ذلك بالأساس إلى محدودية توفر الغاز، بالتالي لا يوفر الحاجات التونسية من الكهرباء التي واصلت نموها وتمت تغطية جزء منها باستيراد الكهرباء من الجزائر، وتبلغ حصة الطلب لإنتاج الكهرباء نحو 70 في المئة، وفي المقابل سجل استهلاك الغاز في بقية القطاعات ارتفاعاً بنسبة 19 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من 2021.
بينما ارتفع استهلاك المواد البترولية في الثمانية أشهر الأولى من سنة 2022 بنسبة اثنين في المئة بحساب الانزلاق السنوي، وسجل استهلاك البنزين ارتفاعاً بنسبة تسعة في المئة في حين شهد استهلاك الغازوال استقراراً مع عودة النشاط الاقتصادي بعد تداعيات جائحة كورونا في موجتها الثانية وآثارها في النقل والحركة الاقتصادية.
كما ارتفع استهلاك كيروزان الطيران بنسبة 79 في المئة إلى حدود شهر أغسطس 2022 باسترجاع حركة الطيران على المستويين الوطني والدولي نسقها العادي.
في حين انخفض إنتاج الكهرباء منذ بداية السنة الحالية إلى حدود شهر يوليو وناهز نحو 13570 غيغاوات في الساعة، مسجلاً بذلك تراجعاً بنسبة اثنين في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2021.
وعرف الإنتاج الموجه إلى الاستهلاك المحلي ارتفاعاً بنسبة ستة في المئة، وقد اعتمد أسطول إنتاج الكهرباء في هذه الفترة بصفة شبه كلية على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، حيث يقدر إسهامه بأكثر من 97 في المئة، وأمنت الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) 94 في المئة، فيما وفر الخواص ستة في المئة منه.
وتجدر الإشارة إلى الارتفاع الملحوظ لواردات تونس من الكهرباء من الجزائر، حيث أسهمت في تغطية 11 في المئة من الحاجات التونسية.
مسار الطاقة البديلة
مدير عام الكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة بلحسن شيبوب، كشف أن تونس سجلت عجزاً طاقياً بلغ 10 في المئة سنة 2010، وارتفع إلى 59 في المئة سنة 2019، ثم انخفض سنة 2021 إلى 48 في المئة بدخول حقل "نوارة" للغاز الطبيعي حيز الاستغلال. وقال شيبوب "لمواجهة العجز الناتج من الموارد المحدودة انطلقت تونس في التأسيس لوسائل إنتاج أخرى لسد حاجات الاستهلاك، وهي الانتقال الطاقي من طريق الطاقة البديلة الحل الأمثل في تونس بسبب ميزاتها الاقتصادية في إنتاج الكهرباء بفضل انخفاض التكلفة مقارنة مع الغاز". وأشار إلى أن تونس تنتج حالياً بين أربعة وخمسة في المئة من حاجاتها من طريق الطاقة البديلة، وتهدف إلى ترفيع هذه النسبة إلى 35 في المئة سنة 2030، ويقع الاستعداد لإطلاق طلبات عروض لإنتاج 2000 ميغاواط باستثمار حجمه خمسة مليارات دينار (1.56 مليار دولار) قريباً.
وتعمل تونس على تخفيض الطلب على الطاقة بنسبة 30 في المئة بتسريع نسق هذه المشاريع، وبخصوص الهيدروجين الأخضر ذكر شيبوب أنه يعد من أهم التحديات التي تخوضها البلاد في اقتحامها لمجال إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.
ولفت إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر لا يزال في طور مرحلة الدراسات بحكم ارتباطه بمحطات تحلية المياه وإشكالات ندرة المياه الحالية، علاوة على حاجات التمويل، على أن تنطلق المشاريع الأولى لإنتاجه بمشاريع حجمها لا يتجاوز 50 ألف طن كانطلاقة، وفي حال النجاح من المنتظر أن يشهد أول مشروع النور سنة 2027.
عوائق وحواجز
علي الكنزاري رئيس الغرفة الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفلتوضوئية (هيئة نقابية) انتقد بشدة النسق البطيء الذي يشهده الانتقال الطاقي في تونس بالنظر إلى أن البلاد تسعى إلى إنتاج 35 في المئة من مجموع استهلاكها للكهرباء من الطاقة البديلة سنة 2030، و80 في المئة سنة 2050، ما يساوي تركيز مشاريع حجمها 4500 ميغاواط قبل حلول سنة 2030 ما يعني إطلاق استثمارات توفر 700 ميغاواط سنوياً في حين لم يزد الإنتاج على 500 ميغاواط طوال عشر سنوات.
وأشار الكنزاري إلى الحواجز التي تحول دون التسريع في خلق هذه الثروة الكامنة التي تمكن من الضغط على استهلاك الطاقات الأحفورية وتفيد تونس بخلق موارد للعملات من طريق تصدير الكهرباء، وتفتقر القوانين المنظمة لقطاع الطاقات المتجددة إلى مزيد من المرونة وحذف جملة من الرخص المعيقة لتوريد التجهيزات اللازمة.