يبدو أن الشتاء هذا الموسم لن يكون بين جنبات خيمة قماشية رقيقة لا تقي عواصف الأمطار والثلوج المقبلة، عشرات العائلات العائدة من لبنان إلى سوريا يتلهفون إلى عودة آمنة وبالقدر ذاته يرغبون في ملاجئ أسمنتية تقي النساء والأطفال من برد يطرق الأبواب، فلا ملاذ لهم إلا بدفء بيوتهم وإن كانت شبه مدمرة.
بأعداد خجولة وعلى مضض تتواصل قوافل العودة الطوعية بعد سنوات الترحال والنزوح، إنها دفعة ثانية للعائدين السوريين، يحلم كل منهم بالمكوث تحت سقف بيته ووضع نهاية للعيش لرحلة النزوح القاسية.
معبر الدبوسية في ريف حمص وسط سوريا منذ السبت الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي شهد عودة ما يفوق 400 شخص كعدد تقريبي، بحسب المعلومات الواردة، فيما ترتفع الأعداد، لكن تبقى متواضعة مقارنة بالدفعة الأولى في 26 أكتوبر (تشرين الأول) التي ناهزت ألف عائد لبلد مزقته الحرب منذ عام 2011 بصراع أهلي مسلح.
إرادة الدول المضيفة
يتوقع الناطق الرسمي باسم المصالحة الوطنية في سوريا عمر رحمون في حديثه لـ"اندبندنت عربية" استمرار تدفق العائدين دون توقف عند حد معين أو رقم محدد، بل سيستمر استقبال مزيد من الراغبين بالعودة إلى وطنهم من دون موانع.
ويعتقد أن "العامل الأكبر المشجع للعودة الطوعية هي قناعة الدول التي تستضيف اللاجئين بضرورة عودتهم. يضيف، "عندما تقرر هذه الدول المضيفة إعادة هؤلاء النازحين سيعودون إلى بلدهم اليوم. لبنان قرر، والأردن لن يتأخر كثيراً، أما تركيا فهي دولة احتلت أراضي سورية وتختلف طريقة تعاطيها مع الملف السوري عن لبنان والأردن".
في غضون ذلك يظل ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار، الذي سجل أكثر من ثمانية ملايين لاجئ من أعقد الملفات الضاغطة على الحكومات، لا سيما تلك التي تعاني أزمات اقتصادية كلبنان الذي يأوي أكثر من مليوني لاجئ سوري.
ومع كل أثير من ضجيج إعلامي عن عودة طوعية توقفت في ظل جائحة كورونا، وأعادت السلطات بين البلدين إحياء هذا المسار، لكن ليس على المستوى المأمول. يروي أحد القاطنين في مخيم عرسال يدعى جابر صندوق "التخوف من العودة إلى القرى والبلدات المدمرة، هنا يوجد عمل، لكن هناك ينقص عائلاتنا كثير، هناك قرى مدمرة بشكل كامل، من الصعب العودة إليها إذا بقيت دون إعمار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة قسرية
وتورد المعلومات عدم اكتمال القوافل وانكفاء النازحين من الإقدام على السفر لبلد ممزق الأشلاء لم تتوقف فيه طاحونة الحروب مع اقتصاد منهار. وحذر ناشطون حقوقيون من عودة قسرية يتعرض لها اللاجئون بالضغط عليهم، يأتي ذلك بالتوازي مع حريق التهم مخيم الوفاء العماني في عرسال كنوع من الضغط من قبل مجهولين عليهم.
في هذه الأثناء ناشدت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية بالعمل على وقف خطط عودة اللاجئين، وذكرت نائبة مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، ديانا سمعان "في خضم الأزمة الاقتصادية بالبلاد يجب على المجتمع الدولي مواصلة دعم أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان لمنع أي تصاعد إضافي في عمليات العودة غير الآمنة".
في المقابل تقدم الحكومة عبر المعابر الحدودية تسهيلات لعودة مواطنيها بعد عقد من الهجرة خارج بلادهم، ويروي الناطق الرسمي باسم المصالحة الوطنية في سوريا رحمون "هناك تسهيلات صحية عاجلة كلقاحات وغيرها، ومن يود العودة إلى بيته يمكنه ذلك، ومن لا بيت لديه تفتح أمامه منازل الإيواء".
وأضاف رحمون يمكن تقديم طلب تسوية لكل من عنده مشكلة قانونية، وذلك في مراكز التسوية، وقد افتتح لهذا الشأن بمحافظة حمص أمس دعماً لهذا المسار وفق حديثه.
مراكز تسوية
على الجانب اللبناني كشف وزير المهجرين عصام شرف الدين عن خطة إعادة 15 ألف لاجئ سوري خلال الفترة القريبة المقبلة لأشخاص باتت بلداتهم وقراهم آمنة، في وقت تساور كل من يفكر بالعودة مخاوف وهاجس العودة غير الآمنة، علاوة عن أعباء وكلفة الحياة الصعبة، وهجرة معاكسة للشباب خارج بلادهم بسبب الوضع الاقتصادي وهرباً من أداء الخدمة الإلزامية. فيما تبدي السلطات السورية رحابة صدر أوسع مع العائدين، بحسب مصادر في دوائر المصالحة الوطنية، سواء بافتتاح مراكز التسوية، أو بإلغاء التشدد الأمني ومنه على سبيل المثال إلغاء إجراء مراجعة للأجهزة الأمنية للسوريين الحاملين الجنسية التركية عند عودتهم.
وإزاء هذا الواقع تحتاج العودة الطوعية إلى توفر مقومات العودة الآمنة أولاً وإعادة إعمار للمدن والبلدات المدمرة، واتخاذ قرارات جريئة تخص الشباب الهاربين من الخدمة الإلزامية فقد لوحظ غياب هذه الفئة العمرية من قوافل العائدين، ويبقى توفير برامج سبل العيش لهم ولعائلاتهم المطلب الأهم وسط تردي الواقع الاقتصادي.