ملخص
أسهم تطبيق "تيك توك" في توثيق حرب السودان، وأصبح بديلاً للإعلام التقليدي من خلال البث المباشر والفيديوهات التي حازت مشاهدات مليونية، ونشرت شهادات حية من قلب الحدث بواسطة شباب مؤثرين نقلوا الواقع وحققوا انتشاراً واسعاً، كما تحولت المنصة لأداة أمل ومعيشة في ظل الحرب رغم الأخطار التي واجهها صناع المحتوى.
منذ أعوام أطلق كثر على الجيل الحالي اسم "جيل السوشيال ميديا" لارتباطه الوثيق بمواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها أداة الربط الرئيسة في العالم، فمن خلالها أصبح الخبر يظهر على محركات البحث قبل أن ينشر على المواقع الإخبارية والتلفزيونية، مما جعل صناع المحتوى الرقمي هم الأكثر متابعة، ومصدراً رئيساً للخبر.
ومع إطلاق الرصاصة الأولى في حرب السودان المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 تسابق هواة التوثيق وناقلو الأحداث عبر المنصات المختلفة في توثيق ما يدور في هذه الحرب، خصوصاً تطبيق "تيك توك"، الذي نشر فيه أول فيديو ينقل الاشتباكات من محيط القصر الجمهوري الواقع وسط الخرطوم.
هذه الفيديوهات الحقيقية التي تنقل الواقع كما هو، جعلت المنصة الرقمية المصدر الأول لأخذ الفيديوهات التي توثق الحرب. ولأن الصورة الحية (المتحركة) أكثر أهمية من غيرها، كان "تيك توك" الأكثر مشاهدة خلال فترة الحرب، لأن الجميع يرغب في أن يرى المشاهد الحية وما يدور في البلاد من خلاله.
وبعد مرور أشهر قليلة من اندلاع الحرب، أخذ المحتوى المتناقل عبر التطبيق أشكالاً عدة، بعضها توثيق للحياة اليومية خلال الحرب، وآخر ينقل الأخبار وما يدور من اشتباكات وتوثيق للجرائم بمختلف أنواعها، وآخرون جعلوا المنصة فرصة للترويج التجاري في ظل فقدان وظائفهم، فجعلوا "تيك توك" المنصة التي يحصلون منها على رزقهم اليومي.
فإلى أي مدى أثر موقع "تيك توك" على حرب السودان؟ وهل وثق لكل اللحظات التي يمر بها السودانيون منذ اندلاع الحرب التي قاربت على دخول العالم الثالث؟
مساهمة فعالة
نصرالدين أيمن، شاب في مقتبل العمر، تحمل مسؤولية توثيق ما يدور في الحرب من جرائم وانتهاكات عبر خاصية البث المباشر في تطبيق "تيك توك"، وحصد تفاعلاً واسعاً، ومع تسارع الأحداث، كان يغير محتواه بما يلائم التطورات، وبعد تحرير مدينة الخرطوم وكثير من الأحياء، توجه لبث محتوى خاص بتوثيق خلو المنازل من عناصر "الدعم السريع"، وحث أصحابها على العودة لها من مختلف الدول ومناطق النزوح، وأسهم بدعوته هذه في عودة آلاف الأسر إلى منازلهم.
وعلق نصر الدين قائلاً، "منذ اندلاع الحرب في السودان، شعرت أن هناك مسؤولية تقع على عاتقي كواحد من الشباب الذين يعيشون الحدث من قلب المأساة، وعملت على نقل ما يدور في البلاد عبر منصة 'تيك توك' باعتبارها أداة فعالة وسريعة لإيصال صوتنا للعالم".
وتابع، "الأمر بدأ عبر التوثيق اليومي بخاصية البث المباشر، والفيديوهات اليومية، من قصف البيوت، وما يدور داخل المستشفيات، وحصر المفقودين، ومتابعة الحالة الصحية للأسرى الذين أطلق سراحهم، وربطهم مع أسرهم النازحة الذين انقطع اتصالهم منذ اندلاع الحرب".
وواصل الشاب حديثه "ما قمت به من نقل للأحداث كان مجرد صدفة، ولم أتوقع هذا الانتشار الهائل، فقد وصل الحساب إلى ملايين من المشاهدين خلال عام واحد، وجعل كثيرين يرون ما يدور في السودان بصورته الحقيقية، بعيداً من بعض وسائل الإعلام التي تنقل ما تريد فقط".
وأضاف أيمن، "التوثيق المستمر والمتواصل منذ اندلاع الحرب، جعل العالم يتابع ما يدور في السودان بالضبط، وأصبحت المواقع الإخبارية والتلفزيونية تأخذ الخبر منا شخصياً، خصوصاً تلك التي ليس لها مراسلون صحافيون داخل مناطق النزاع، وبهذا الفعل المستمر شعرت بمسؤولية وطنية كبيرة، انتهت بي بلم شمل مئات المفقودين والأسرى الذين أطلق سراحهم، وأسهمنا في إطعام المئات عبر فاعلي خير من مختلف أنحاء العالم، لذلك ظلت منصة 'تيك توك' هي الخيار الأول لمعظم السودانيين لمتابعة الأحداث ومعرفة الحقيقة".
بث الأمل
أما تيسير عبدالحميد خريجة المختبرات الطبية التي ارتبط اسمها بـ"بسبوسة أم يزن"، أجبرتها الحرب على العمل بائعة لحلوى "البسبوسة"، وبمساعدة زوجها، قامت بفتح مشروع صغير من منزلها بأم درمان، الذي لم تغادره مع اندلاع الحرب رغم صعوبة الأوضاع، وروجت لمشروعها عبر "تيك توك"، وأصبح مصدر دخل ثابت لها.
لم تكتف تيسير ببيع الحلوى فحسب، بل أسهمت مع خيرين في توزيعها على المارة من الأطفال والمحتاجين، ضاربة مثالاً في بث الأمل رغم مرارة الحرب.
وعدت تيسير، منذ اندلاع الحرب، بتوزيع حلواها للجيش السوداني في محيط القصر الجمهوري فور تحريره، وأوفت، حيث نشرت عبر حسابها على "تيك توك"، في 25 مارس (آذار) الماضي فيديو توثق فيه توزيعها أطباقاً من البسبوسة على الجيش السوداني، وكتبت على الفيديو "وعدتونا وأوفيتوا"، وقبلها بشهر ونصف وزعت ذات الكمية على أفراد الجيش في محيط القيادة العامة بعد تحريرها.
وبعثت بائعة الحلوى الأمل في قلوب ما يقارب نصف مليون شخص يتابعون المحتوى الذي تقدمه عبر التطبيق، وبدعم زوجها استطاعت أن تصمد في وجه الظروف التي مر بها ملايين السودانيين بفعل الحرب.
اعتقال وتهديد
في وقت يؤدي مئات الشباب السوداني أدواراً بطولية في توثيق الحرب، إلا أن الأمر عرض آخرين لخطر الاعتقال والمساءلة، فضلاً عن التهديد والاختطاف والتعذيب.
وبحسب سامية أحمد، فإنها كانت تقوم بنقل ما يدور من أحداث وانتهاكات في الحي الذي تقطنه، فتم رصدها واعتقالها من قبل قوات تابعة لـ"الدعم السريع"، وتعرضت للتعذيب ومصادرة هاتفها المحمول وتهديدها بالقتل في حال نشرها فيديوهات عبر منصة "تيك توك" مجدداً.
وقالت لـ"اندبندنت عربية"، "أول فيديو قمت بنشره كان يظهر قوات تابعة لـ’الدعم السريع‘ تقوم بتعذيب أحد سكان الحي الذي أقطن فيه، وقمت بنشره عبر التطبيق وحقق أكثر من مليون ونصف المليون مشاهدة، مما دفع أفراداً منهم لرصدي وتهديدي أنا ووالدي بالقتل، وقاموا بأخذ الهاتف وحذف الفيديو".
وأكدت أن تطبيق "تيك توك" تنتشر فيه الفيديوهات بسرعة كبيرة، لذلك يقوم غالبية الهواة والناشطين بنشر ما يدور من أحداث في البلاد من أجل التوثيق للحرب.
انتشار وموثوقية
من جانبه يشير المتخصص في الإعلام الرقمي، جعفر شريف، إلى أن "مواقع التواصل الاجتماعي بصورة عامة، وتطبيق 'تيك توك' بصورة خاصة، أصبحت أكبر من مجرد منصات للترفيه، إذ شكلت هذه المنصة مصدراً رئيساً لنقل الأحداث وتوثيقها، خصوصاً في مناطق النزاع والمناطق التي لم يستطع الإعلاميون دخولها".
وأضاف، أنها "تميزت بسرعة الانتشار والموثوقية، حيث سجلت مشاهدات عالية جداً، وصلت لأكثر من 3 ملايين للفيديو الواحد، ولأنه تطبيق سهل الاستخدام وفي متناول الجميع، أصبح المصدر الرئيس للخبر، خصوصاً أنه لا يتعرض للتسييس، وينقل الصورة والحدث كما هو من دون رقابة".
وتابع شريف، "هناك مئات من صناع المحتوى قاموا بنشر عديد من الفيديوهات التي تختص بما يدور في السودان عبر هذا التطبيق، مشكلين إعلاماً بديلاً، بل مصدراً أساساً للقنوات الإخبارية التي لا تملك مراسلين إخباريين في بعض المناطق، فاستعانوا بهم لنقل الأخبار التي كانت واقعية وصحيحة بنسبة كبيرة جداً، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض الأخبار المضللة التي تتم السيطرة عليها بسرعة، ونفيها من طريق المتابعين أنفسهم الذين أصبحوا يميزون بين المحتوى الصحيح والخطأ".
وأكد المتخصص في الإعلام أن طرفي الحرب الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" قاما بنشر عدد كبير من المقاطع المصورة التي توثق العمليات القتالية طوال فترة الحرب عبر هذا التطبيق، وهو دليل كاف على أن المنصة أسهمت مساهمة فعالة في التوثيق لحرب السودان.