تظهر صدوع داخل النخبة السياسية الحاكمة في إيران حول انتفاضة شعبية بدأت قبل أكثر من سبعة أسابيع وتتحدى الجمهورية الإسلامية بصورة غير مسبوقة إلا في ما ندر في غضون 43 سنة من وجودها.
وتبدو الانقسامات حتى الآن أقل كارثية من تلك التي ظهرت داخل الطبقات السياسية والدينية الحاكمة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية عام 2009 التي اندلعت اعتراضاً على إعلان إعادة انتخاب رئيس متشدد [محمود أحمدي نجاد]. ولا يزال من غير الواضح أيضاً ما إذا كان أي اعتدال في اللهجة يعكس سياسة متغيرة أو إيماءات فارغة من قبل قيادة مذعورة تهدف إلى تهدئة مشاعر الغضب وإبطاء الاحتجاجات.
"أتمنى استعادة الأمن بالكامل في البلاد قريباً، حتى تبدأ التغييرات المشروعة والضرورية في تأسيس نوع جديد من الحوكمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل إطار الجمهورية الإسلامية". هذا ما قاله رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وهو أحد المتشددين، وفق ما نقل هذا الأسبوع بعد أيام فقط من دعوته إلى سحق الاحتجاجات.
ويقول محللون إن تحولات تبدو مهمة، فهي تظهر أن حركة الاحتجاج لديها قدر من النجاح في زرع الإرباك والذعر والخلاف في صفوف النظام الذي يهيمن عليه المتشددون. وهناك أيضاً من الدلائل ما يشير إلى أن النظام بدأ في التعامل مع المحتجين باعتبارهم قوة اجتماعية مشروعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قال راز زيمت في مركز التحالف للدراسات الإيرانية التابع لجامعة تل أبيب "قد يرى المرء أن هناك بعض الأصوات التي لا تدعو بالضرورة إلى تغيير التشريعات بل في الطريقة التي يمارس بها القانون. لن أندهش إذا رأينا مزيداً ومزيداً من هذه الأصوات".
وتسببت الاحتجاجات، التي أشعلها مقتل مهسا أميني البالغة من العمر 22 سنة، في وضع حركة تخلو من الزعامة وتتألف في الأغلب من الشباب في مواجهة زمرة سياسية ودينية شديدة المحافظة نجحت في تطهير صفوفها من المعتدلين.
وحتى الآن، لجأ النظام في شكل شبه حصري إلى العنف لقمع الاضطرابات، ورفض النظر في مطالب المعارضة الرئيسة مثل إلغاء قانون الحجاب أو تخفيفه، وهو القانون الذي دفع إلى إلقاء شرطة الأخلاق القبض على أميني، لكن الاضطرابات توسعت لتشمل المطالبة بحريات سياسية واجتماعية موسعة وتحسينات اقتصادية. وقتل 319 متظاهراً على الأقل واعتقل 15 ألفاً آخرون خلال الاضطرابات، طبقاً لما ذكرته "هرانا"، وهي جماعة حقوقية تتخذ من أوسلو مقراً.
وذكر أن بياناً أقره 227 عضواً في البرلمان دعا المسؤولين إلى السعي إلى إنزال عقوبة الإعدام في المحتجين المعتقلين، وكرر القضاء الثلاثاء نداءات إلى المدعين العامين بتوجيه اتهامات تحمل عقوبة الإعدام إلى المحتجين.
لكن حتى داخل المتشددين الذين يسيطرون على جهاز الدولة، نشأت أصوات معارضة وقلقة.
وتعطي صحف إصلاحية بحذر مجالاً إلى دعوات علنية للتغيير يوجهها معتدلون، بمن فيهم حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية. فقد نقل عن الأخير قوله في مقابلة أجريت معه "من الأفضل الاستماع إلى الناس". وحتى التلفزيون الحكومي الخاضع إلى سيطرة شديدة سمح بظهور بضعة أصوات معتدلة على الهواء.
وأشار محللون إلى أن بيان المشرعين الذين يطالبون بإنزال عقوبة الإعدام على المحتجين لم يتضمن أسماء النواب، مما يشير إلى حذر سائد بين صفوف النخبة. ولم يصدر المرشد الأعلى علي خامنئي ولا رئيس البلاد إبراهيم رئيسي موافقة كاملة على القمع.
وقال باحث في العلوم السياسي في طهران "يحيل رئيسي هذا الموضوع إلى خامنئي، ويحيله خامنئي إلى رئيسي. هما يرميان الموضوع على بعضهما بعضاً".
وهذا الأسبوع، دعا عضو محافظ في البرلمان من مدينة تبريز، التي تعد موقعاً لبعض أكثر الاحتجاجات صخباً في إيران، الحكومة إلى الرد على الاستياء الشعبي. ففي مقابلة مع موقع "إيران أوبزرفر"، قال أحمد علي رضا بيجي، "ما حدث لم يكن نتيجة لوفاة السيدة مهسا أميني فحسب. كان ما حدث لهذه السيدة الشرارة التي أشعلت تراكم مطالب الناس، وهذا ما جلب لنا نتائج مريرة وضارة".
وفي أماكن أخرى، اعترف رجل الدين مصطفى رستمي، مبعوث المرشد الأعلى علي خامنئي إلى نظام الجامعات في البلاد، بأن أغلبية الأشخاص الذين شملهم استطلاع ساندوا الاحتجاجات، على رغم أنه زعم أن عدداً قليلاً فقط أشار إلى قواعد الحجاب باعتبارها السبب وراء سخطهم. وفي خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا الشهر، قال "يتعين علينا أن نعترف بوجود عدد من المشكلات الجوهرية في مجتمعنا".
وكان علي ربيعي، المتحدث السابق باسم الرئيس السابق حسن روحاني، حذر في مقالة في صحيفة "اعتماد" من أن المتشددين "كانوا يبذلون أقصى قدر من الضغوط لتعطيل جهود الوسطاء بين الحكومة والمحتجين".
وفي استعراض قوي للمعارضة، دعا رجل الدين المسلم السني الأبرز في إيران مولوي عبدالحميد الجمعة، إلى إجراء استفتاء على مستوى الأمة بالكامل حول مستقبل البلاد، الأمر الذي أثار غضب قادة الحرس الثوري. ففي خطبة ألقاها في الجنوب الشرقي للبلاد قال "يحتج الناس لما يقرب من 50 يوماً، وقتل مسؤولون أمنيون عشرات المحتجين في أسابيع من الاضطرابات. لقد نزف الناس وقتلوا. لا يمكن التخلص منهم".
وهذا الأسبوع انتقد عديد من المحافظين الإيرانيين البارزين وسفير سابق لدى موسكو علناً مبيعات الأسلحة المثيرة للجدل إلى روسيا التي تستخدم ضد أوكرانيا حيث تستهدف المدنيين. ونفت إيران أولاً المبيعات، ثم زعمت أنها حصلت قبل أن تبدأ الحرب، وهو زعم تفنده كييف.
وليس مرجحاً أن تؤدي بعض الأصوات الاعتراضية في صفوف قادة النظام والخطوات الصغيرة التي تتخذها السلطات للاعتراف بالمطالب الشعبية إلى أي أثر يذكر في تهدئة حركة الاحتجاج التي يبدو أنها عازمة على الإطاحة بالجمهورية الإسلامية. ويبدو أن السيد خامنئي كان يعتقد منذ فترة طويلة أن الخضوع إلى الضغوط الشعبية من شأنه أن يفتح السدود أمام مزيد من توقعات التغيير.
وقال السيد زيمت، "يبقى السؤال إلى أي مدى يمكنهم الذهاب [في الموافقة على مطالب المحتجين]. قد يشعرون بالقلق لأنهم إذا وافقوا على أي تغيير عملي فقد يؤدي هذا إلى مزيد من المطالب، تتناول مثلاً الفصل بين الرجال والنساء والأسرى السياسيين. هناك حدود لما يمكنهم القيام به".
وفي داخل إيران لفت كثيرون إلى حال الانقطاع الحاد بين القيادة والمتظاهرين. فقد حافظ النظام في الأغلب على جبهة موحدة ضد المحتجين، مع وجود قليل من علامات المعارضة داخل صفوف قوات الأمن.
وقال الباحث في العلوم السياسية في طهران "لكأن القادة في طائفتهم الخاصة، لا يسمعون حتى ما يقوله الجانب الآخر. هم لا يفهمون بعضهم بعضاً. فالقيادة ليست بين الناس. هي ليست في قنوات وسائل التواصل الاجتماعي نفسها. هم لا يتسوقون البقالة مع الناس"، لكن ظهور الصدوع قد يكون خطوة حاسمة نحو إسقاط طبقات النخبة خلال ما يتوقع بعض المتابعين أن يكون انتفاضة تستمر لأشهر أو سنوات.
وقال السيد زيمت "سيكون من المستحيل العودة لما كان عليه الوضع قبل 50 يوماً. من غير المرجح على الإطلاق فرض القواعد الإسلامية نفسها أو ممارسة القمع نفسه. سنشهد بعض التغيير. ولست على يقين من قدرة القيادة على التغيير في الوقت الحالي".
© The Independent