مر يوم الجمعة الموافق 11 نوفمبر (تشرين الثاني) كغيره من الأيام المعتادة على العاصمة المصرية القاهرة وأغلب مدن المحافظات المختلفة، بعد أن احتدمت الدعوات خلال الأسابيع والأيام الماضية لحشد المواطنين للخروج في تظاهرات ضد الحكومة المصرية، بالتزامن مع تنظيم مؤتمر المناخ "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ السياحية، احتجاجاً على ما اعتبروه "تردياً للأوضاع المعيشية والاجتماعية لدى المواطنين"، إلا أنها لم تلق استجابة.
وعلى رغم تكثيف عناصر مقيمة بالخارج من جماعة الإخوان، التي تصنفها السلطات المصرية "إرهابية" للدعوة إلى الخروج، وإطلاق قناة جديدة سموها "الحرية 11/11" من فيتنام، عشية اليوم المحدد للتظاهرات، بقيت سخونة الأجواء والاشتباكات بين المؤيدين والمعارضين أسيرة العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اختار كثيرون مسار السخرية للتعبير عن آرائهم في ما حدث.
لكن وعلى رغم الهدوء الذي شهدته المحافظات المصرية، كان لافتاً التشديد الأمني المكثف من قبل عناصر الشرطة المصرية، في الميادين الرئيسة وفي محيط المنشآت الحيوية بالبلاد، لا سيما ميدان التحرير ومنطقة وسط القاهرة، التي كانت مركزاً أساساً لتجمع المتظاهرين في ثورتي 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران).
تشديد أمني
وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، فإن أبرز مشاهد اليوم غير المعتادة بالنسبة إلى الميادين الرئيسة في العاصمة القاهرة، وتحديداً ميدان التحرير، كان انتشار عناصر الأمن بزي مدني وعسكري، فضلاً عن بعض الإجراءات الإضافية التي شملت إغلاق المقاهي وبعض الشوارع الجانبية، قائلين إن رجالاً بلباس مدني في محيط وسط العاصمة كانوا يدققون في محتوى الهواتف النقالة للشباب العابرين على دراجات نارية أو لمارة آخرين.
وبينما لم يسجل حضور أي متظاهر كانت شاحنات للشرطة متمركزة على الجسور المؤدية إلى ميدان التحرير، وذلك بعد أن ادعت بعض المقاطع المصورة وجود حشود مناهضة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لكن ثبت أنها مقاطع تعود إلى أعوام سابقة.
وبدأت الدعوة إلى التظاهر في 11 نوفمبر قبل أسابيع، ببث الممثل والمقاول المصري المقيم في إسبانيا لمقاطعه المصورة المعتادة بموقع "فيسبوك" التي تدعو المصريين إلى الاحتجاج على الظروف المعيشية، التي بدأها منذ سبتمبر (أيلول) 2019 بعد هربه خارج البلاد، وتلت دعوة علي خروج عديد من قيادات جماعة الإخوان المقيمين في تركيا والمملكة المتحدة، لتأييد تلك الدعوة وانتقاد قرارات السلطات المصرية المتكررة خلال الأشهر الماضية.
ومع تكثيف الحشد من قبل عناصر الإخوان، والموالين لهم عبر مواقع التواصل، والدعوة إلى خروج المصريين، كان لافتاً توقيف السلطات التركية لنحو 34 من أعضاء الجماعة الذين دعوا إلى الاحتجاجات، كما أوقفت بعض البرامج التلفزيونية في خطوة وصفها مراقبون بأنها "جادة" في عملية تطبيع العلاقات مع القاهرة على رغم التقدم البطيء في مسار تحسن العلاقات بين الجانبين، وذلك تزامناً مع إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات متلفزة قبل أسبوع، عدم استئناف مسار المباحثات مع تركيا "لأنه لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي يوم الجمعة الأخير قبل أسبوع من الموعد المحدد للدعوة الاحتجاجية، تنافس "وسمان" على قائمة "التريند" في موقع "توتير" بمصر، "انزل11_11" الداعي إلى التظاهر متضمناً مقاطع مصورة لأشخاص عاديين يشكون تردي الظروف المعيشية والاقتصادية، في مقابل هاشتاغ "11_11_نهاية الإخوان"، و"#مصر_السيسي_قد_الدنيا" من جانب الرافضين لما تصفه تغريداتهم على "تويتر" بدعوات "الخراب والفوضى"، بينما اعتبر مراقبون أن تلك الدعوات "الافتراضية" وراءها حملات ممولة بمواقع التواصل الاجتماعي من الخارج، وتتبع حسابات مزيفة يصعب السيطرة عليها ومعرفة هوية القائمين عليها وخصوصاً المقيمين خارج البلاد.
من جانبها كثفت السلطات الأمنية المصرية من جهودها في إطار الرد على ما تصفه بإشاعات "جماعة الإخوان" التي تصنفها الحكومة المصرية كتنظيم إرهابي منذ نهاية عام 2013، إذ أعلنت وزارة الداخلية المصرية بيانات عدة ترصد مقاطع مصورة نشرتها منصات الجماعة على الإنترنت، موضحة بالتقنيات الحديثة أنها مقاطع قديمة أو مزيفة لتجمعات احتجاجية شهدتها البلاد منذ سنوات.
حروب الهاشتاغات باقية
وفيما خلت الشوارع من أية استجابة للتظاهرات، كانت الواقع الافتراضي عكس ذلك، إذ تواصلت حروب الهشتاغات بين المؤيدين والمعارضين، التي كان أبرزها، "أخبار الثورة، محدش نزل، ثورة 11/11، السويس، كلنا مع السيسي، معتز مطر، وغيرها من الهشتاغات"، فيما تفاعل بعضهم مع تلك الهاشتاغات بالسخرية من دعوات التظاهر.
فمن جانب المؤيدين اعتبروا أن "الشعب انتصر للاستقرار ورفض دعوات الفوضى والتخريب من الجماعات الإرهابية وشبكاتها الافتراضية، بعد أن حاولوا نشر المؤامرات والأكاذيب ضد مصر وقيادتها السياسية، بهدف تعطيل مسيرة التنمية وتهديد الأمن القومي"، مضيفين أن "المواطن المصري اكتسب مناعته من حرص الحكومة على مسابقة الزمن لتحقيق إنجازات على الأرض، وهو ما قاد إلى فشل حملات قوى الشر وأبواقها الإعلامية".
في المقابل لا يزال بعضهم يرى أن الأيام المقبلة ستكون مختلفة "مع وصول غضب الجماهير الحالمة بالحرية والعدل والكرامة والعيش الكريم إلى ذروته"، وأن "الحراك الشعبي قادم لا محالة".
دعوات لم تلق قبولاً
وعلى مدار السنوات الأخيرة لم تلق أية دعوة لحشد المصريين للخروج في تظاهرات جديدة تفاعلاً على الأرض، سوى من تظاهرات متقطعة في سبتمبر (أيلول) من عام 2020، وهي تلك التي أعقبت دعوة الممثل والمقاول محمد علي للخروج ولقيت استجابة محدودة.
لكن تأثير محمد علي تراجع كثيراً في الأعوام التي تلت تلك الدعوة وفق كثير من المراقبين، لعدم امتلاكه قاعدة "تنظيمية تدعمه داخل مصر"، فضلاً عن مخاوف المصريين من العودة لحالة الانفلات الأمني والفوضى التي شهدتها البلاد في أعقاب ثورة يناير 2011 وإطاحة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ويقول إبراهيم المنشاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ"اندبندنت عربية"، إن "دعوات التظاهر الراهنة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي يصدرها تنظيم الإخوان وبعض قياداته من الخارج، فمنذ إطاحة نظام حكمهم سعوا طوال الوقت لإحداث بلبلة وفوضى في البلاد على أمل عودتهم مرة أخرى، أو الضغط بهدف التصالح مع الحكومة الحالية، إلا أن كل الدعوات كان مصيرها الفشل في النهاية".
ويوضح المنشاوي "على رغم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعانيها قطاعات واسعة من الشعب المصري، إلا أنه ولا شك فهناك حال رفض كبيرة بين المصريين، للخروج خوفاً من العودة لحال الفوضى وعدم الاستقرار، مع التأكيد في الوقت ذاته أن هناك رفضاً كذلك لفكرة عودة الإخوان، على اعتبار أنهم قد يكونوا المستفيد الوحيد من حدوث أية فوضى مترقبة في مصر"، مشيراً إلى تحرك السلطات المصرية لاحتواء غضب المواطنين، عبر قراراتها الأخيرة بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية.
قبل نحو أسبوعين أقرت السلطات المصرية، على هامش مؤتمر اقتصادي عقدته لمناقشة الأزمة التي تمر بها البلاد ووضع خريطة طريق مستقبلية للاقتصاد المصري، عدداً من القرارات شملت صرف زيادات استثنائية للأجور والمعاشات فضلاً عن رفع الحد الأدنى للأجور، والعمل على نشر منافذ إضافية "لتوفير جميع السلع الغذائية وغير الغذائية بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق بنسبة تصل إلى 60 في المئة".
من جانبه وبحسب أحمد علي الباحث المتخصص في الشؤون المصرية، "لا يمكن اعتبار أن عدم استجابة المصريين للخروج في تظاهرات، هي تعبير عن حال الرضا تجاه الأوضاع الراهنة والسائدة في البلاد وسياسات الحكومة، لكن هناك أسباب أخرى يمكن إرجاع الأمر لها، منها رفض العقلية المصرية للاستجابة إلى دعوات قادمة من الخارج، فضلاً عن عدم الثقة في النخب المعارضة".
وتابع "هناك بعض الأمور التي على الحكومة المصرية النظر إليها التي قد تدفع في أي وقت بخروج الناس بشكل مفاجئ، ومن بينها تأخر إصلاح المناخ السياسي والإعلامي بشكل جاد، حتى مع إطلاق الحوار الوطني"، موضحاً أن "مناخ الحريات وحقوق الإنسان ينبغي إعادة النظر فيه بشكل عام، لغلق أي باب أمام تفاعل المصريين مع دعوات خارجية إلى التظاهر".
وإجمالاً تخضع التظاهرات في مصر لقيود شديدة بموجب قانون صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بعد إطاحة الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، إثر تظاهرات شعبية حاشدة.