منذ توليه منصبه في يناير 2021، واستطلاعات الناخبين لا تبتسم في وجه الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تلاحق إدارته تداعيات وباء كورونا، والتحالفات المهتزة في أوروبا والشرق الأوسط، وصعود شبح المنافسة بين القوى العظمى، لكن النبأ الآخر غير السار الذي يواجه سيد البيت الأبيض لم يأت هذ المرة من أقاصي الشرق المتعب أو أطراف الغرب المشتعل، ولكن من منزله، إذ يواجه نجله هانتر، محاكمة محتملة، بعد تحقيقات فيدرالية اشتبهت في ارتكابه جرائم ضريبية والإدلاء ببيانات كاذبة لشراء سلاح ناري.
عائلة بايدن تحت المجهر
وبعد يوم واحد من فوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب، أطل جيم كومر النائب الجمهوري المرشح لرئاسة اللجنة القضائية وزميله جيم جوردان، في مؤتمر صحافي، جددا خلاله تعهدهما التحقيق في أنشطة هانتر بايدن التجارية في أوكرانيا والصين، ومزاعم فساد مرتبطة بعائلة بايدن.
وقال النائبان الجمهوريان، الخميس الماضي، إن الرئيس كذب على الشعب الأميركي في شأن تورطه في تعاملات عائلته التجارية. واعتبر كومر دور بايدن المزعوم "إساءة على أعلى المستويات"، في حين كتب جوردان تغريدة في وقت لاحق قال فيها، إن "صفقات عائلة بايدن التجارية تشكل تهديداً للأمن القومي".
وسيكون تحقيق مجلس النواب بمنأى عن التحقيق الجنائي في أنشطة هانتر الذي تقوده وزارة العدل، إلا أن استقصاء الجمهوريين المكثف والعلني في ماضي نجل الرئيس سيمثل كابوساً لوالده الذي لا يتردد في التفاخر بعائلته وتقاليدها، ولا ينفك يستذكر "بطولة" ابنه البكر بيو الذي شارك في الحرب الأميركية على العراق، قبل وفاته بمرض عضال عام 2015.
ولن يقتصر تأثير التحقيق في أنشطة عائلة بايدن على الشق المعنوي، إذ يسعى الجمهوريون إلى إثبات أن هانتر استغل نفوذ والده حينما كان نائباً للرئيس لتعزيز علاقاته التجارية مع دول أجنبية، وهو ما لمح له النائبان الجمهوريان في حديثهما.
عقبات أمام الجمهوريين
وعلى الرغم من أن الجمهوريين يؤكدون أن اللجنة القضائية ستركز على الرئيس الحالي لا نجله، فإنه من الصعب عليهم استدعاء بايدن للشهادة، إذ من المرجح أن يستخدم الرئيس حق الامتياز التنفيذي لتجنب المثول أمام الكونغرس، وهو ما فعله دونالد ترمب إبان رئاسته، إذ لجأ إلى صلاحياته الرئاسية لمواجهة تحقيقات الكونغرس في سجلاته الضريبية، وحجب بعض الوثائق والشهادات أثناء محاولة عزله الأولى.
وفي ضوء الامتياز التنفيذي، اختصر الجمهوريون الطريق على أنفسهم واستبعدوا إمكانية استدعاء بايدن، إذ أقر كومر في تصريحات لشبكة "سي أن أن" بأن استدعاء رئيس حالي للشهادة سيكون "معقداً"، إلا أنه أكد أن اللجنة ستستدعي هانتر للمثول أمامها.
من جانبه، قال كريستوفر كلارك محامي هانتر بايدن، إن "موكله ليس لديه تعليق على إعلان الحزب الجمهوري". أما البيت الأبيض فوصف دوافع التحقيق الجمهوري بأنها "سياسية". وقال متحدث باسم المكتب القانوني "بدلاً من العمل مع الرئيس بايدن لمعالجة القضايا المهمة للشعب الأميركي مثل خفض تكاليف (المعيشة)، يعتبر الجمهوريون أولويتهم القصوى في الكونغرس ملاحقة الرئيس بايدن بهجمات ذات دوافع سياسية، مليئة بنظريات المؤامرة التي افتضح أمرها منذ فترة طويلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتهامات تلاحق هانتر
وبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق مع هانتر بايدن في عام 2018، مركزين على تعاملاته المالية والتجارية في دول أجنبية خلال الفترة التي كان فيها والده نائباً للرئيس، إذ اشتبه المحققون في ما إذا كان هانتر وبعض شركائه ارتكبوا جرائم غسل الأموال، وانتهكوا قوانين جماعات الضغط الأجنبية.
وبمرور الوقت، بدأ المحققون التقصي في ما إذا كان هانتر قد ارتكب جرائم ضريبية وأدلى ببيانات كاذبة في مستندات قدمت لشراء سلاح ناري. وذكرت شبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية، الشهر الماضي، بأن مكتب التحقيقات الفيدرالية جمع أدلة كافية لاتهام هانتر بايدن بهاتين الجريمتين، وبعد سنوات من التحقيق، أصبح قرار توجيه اتهامات جنائية بيد المدعي العام الأميركي في ولاية ديلاوير.
وأقر هانتر بخضوعه للتحقيق في ديسمبر (كانون الأول) 2020 للمرة الأولى، ونفى ارتكاب أي مخالفات، قائلاً إنه "واثق بأن المراجعة المهنية والموضوعية لهذه الأمور ستثبت أنني تعاملت في شؤوني بشكل قانوني ومناسب، مع الاستفادة من مستشاري الضرائب الخبراء".
ماذا قال بايدن؟
يزعم الديمقراطيون أن الجمهوريين يستهدفون هانتر للنيل من والده سياسياً مستشهدين بمساعي ترمب المزعومة للضغط على كييف للتحقيق مع عائلة بايدن على خلفية عمل هانتر لشركة أوكرانية.
وفي وقت سابق، أكدت "سي أن أن" نقلاً عن مصادر لم تسمها أنه لم يتم التحقيق مع الرئيس بايدن، كجزء من التحقيق في أنشطة أعمال ابنه التجارية، لكن تحقيق وزارة العدل الجاري أثار باستمرار تساؤلات حول سلوك نجل الرئيس، وجعله هدفاً سهلاً للجمهوريين.
وتأتي خطط مجلس النواب لاستدعاء هانتر امتداداً للمتاعب السياسية التي تسبب بها لوالده، فقبل عامين كان هانتر هدفاً سهلاً لحملة الرئيس الجمهوري السابق التي أثارت الجدل في شأن معاملاته التجارية الخارجية في الصين وأوكرانيا واتهمته بالفساد واستغلال نفوذ والده.
ومنذ بدء التحقيقات الفيدرالية، اتخذ بايدن موقفاً داعماً لابنه، معرباً عن ثقته بأنه "لم يخالف القانون"، بحسب رون كلاين، كبير موظفي الرئيس الأميركي، الذي أكد أن البيت الأبيض لن يتدخل في القضية، وسيترك لوزارة العدل قرار الحسم فيها.
كما تأتي الاتهامات الموجهة لعائلة بايدن في وقت حساس بالنسبة للرئيس الأميركي الذي خسر حزبه هذا الأسبوع أغلبية مجلس النواب، وتواصل شعبيته تسجيل مستويات متدنية، إذ كشف استطلاع أجرته "رويترز" بالتعاون مع "إبسوس" الشهر الحالي عن تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي إلى 39 في المئة، وهو أدنى مستوى وصل إليه خلال ولايته.
وأظهر استطلاع أجرته شبكة "سي أن أن" في يوليو (تموز) الماضي أن 75 في المئة من الناخبين الديمقراطيين، والناخبين الذين يميلون إلى الحزب، لا يريدون بايدن أن يترشح لولاية ثانية. واعتبر 17 في المئة منهم عمر بايدن (79 عاماً)، الذي يعد أكبر الرؤساء سناً في تاريخ بلاده، السبب وراء رغبتهم بترشح شخص آخر.
وتحدث بايدن الشهر الماضي للمرة الأولى عن التحقيقات الفيدرالية التي يخضع له ابنه. وقال إنه "فخور بصراحته في شأن معركته مع إدمان المخدرات". وذكر الرئيس الأميركي في مقابلة مع "سي أن أن"، أن ابنه تغلب على الإدمان، وأسس حياة جديدة، مؤكداً أنه "واثق بأن ما يقوله يطابق ما حدث بالفعل". وتابع، على سبيل المثال، لقد ألف كتاباً عن مشكلاته (مع الإدمان) وكان صريحاً حيالها".
وعن قضية السلاح قال بايدن "لم أعرف أي شيء عنه، لكن اتضح أنه قدم طلباً لشراء مسدس، حيث يسأل عما إذا كان متعاطياً للمخدرات، وأجاب بـ’لا’، وقد كتب عن ذلك في كتابه".
وكان هانتر اشترى سلاحاً خلال فترة كان يعاني فيها من إدمان المخدرات، وهو ما يخالف القانون الفيدرالي الذي يشترط الإفصاح عن أي تاريخ للإدمان مع المخدرات لحيازة الأسلحة.
ويرفض البيت الأبيض التعليق على التحقيقات الفيدرالية التي يخضع لها هانتر بايدن، مؤكداً أنها "مسألة تخص وزارة العدل"، في حين يكثف الجمهوريون مساعيهم لكشف مزيد من الحقائق حول مزاعم تورط الرئيس في تعاملات ابنه التجارية، ويعتبرون التحقيق فيها أولوية لمجلس النواب المقبل ذي الأغلبية الحمراء.