Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف وصل أنور إبراهيم إلى حكم ماليزيا بعد ربع قرن من الانتظار؟

كان نائباً لمهاتير محمد عام 1993 واختلفا معاً بسبب الأزمة المالية الآسيوية واتهامات بالفساد وقضى 10 سنوات في السجن

بعد انتظار لثلاثة عقود تمت تسمية زعيم المعارضة الماليزية أنور إبراهيم رئيساً للوزراء وتكليفه من قبل القصر الوطني تشكيل الحكومة إبان وصول البلاد إلى طريق مغلق بـ"برلمان معلق" على أثر تأخير تسمية رئيس الوزراء.

وبعد تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء على قيادة البلاد بعد الانتخابات العامة الـ14، تفرقت أصوات الماليزيين بين تحالفات كبيرة أبرزها التحالف الوطني الذي يتزعمه محيي الدين ياسين وتحالف الأمل المعارض برئاسة أنور إبراهيم. وشهدت ماليزيا خلال الأيام الأخيرة حال استقطاب حادة إذ فشل التحالفان المتصدران لنتائج الانتخابات في كسب تأييد بقية الأحزاب والوصول إلى الغالبية البسيطة اللازمة للفوز بالحكم ليرجع القرار إلى القصر الوطني، مما أدى إلى تشاور لحكام الملايو وتسمية رئيس الوزراء الجديد بعد لقاء جميع الأطراف السياسية وحكام البلاد.

لعبة الانتخابات

بعد ما يزيد على أربعة أعوام من الفوضى السياسية التي أعقبت انتخابات 2018، تلتها أحداث درامية وسجن رئيس وزراء ماليزيا السابق نجيب رزاق، تقرر عقد الانتخابات العامة الـ15 مبكراً، بينما لم يتمكن أي من التحالفات السياسية الرئيسة من الحصول على الغالبية البسيطة داخل البرلمان، أي 112 مقعداً، فيما حصد تحالف برساتو الملايو مع الحزب الإسلامي "التحالف الوطني" أصوات كتلة الملايو وسحب البساط من تحالف أومنو الذي ما زالت بعض قياداته تحت الاستجواب وماراثون المحاكمات.

تحالف الأمل المعارض حافظ على صدارته بإجمالي 82 مقعداً وجاء بعده التحالف الوطني المشكل قبل عامين فقط بـ73 مقعداً ملحقاً بالجبهة الوطنية خسارة فادحة بحصولها على 30 مقعداً فقط، لكن التحالف الوطني نجح في استمالة كتلة الملايو وتسلح بتعاون استراتيجي مع الحزب الإسلامي ذي الكتلة الصلبة في ثلاث ولايات.

سيناريو التحالفات لم ينجح ولم يستطع أي من التحالفين الكبيرين الأمل والوطني، إثبات امتلاكه الغالبية البسيطة بعد مرور أربعة أيام من إعلان نتائج الانتخابات، فيما التقى ملك ماليزيا بنواب الجبهة الوطنية وتحالف أحزاب ساراواك ورئيسي تحالف الأمل والتحالف الوطني، ليأتي القرار الملكي بتسمية أنور إبراهيم رئيساً للوزراء وأمره بتشكيل الحكومة التي أطلق عليها "حكومة وحدة".

الزعيم المعارض

أنور إبراهيم زعيم المعارضة الماليزية ورئيس تحالف الأمل، البالغ من العمر 75 سنة والذي استطاع تأمين 83 مقعداً خلال الانتخابات العامة التي جرت السبت الماضي وهو أعلى رقم حصل عليه تحالف هذا العام، لكنه لم يكن كافياً لتشكيل الحكومة لعدم بلوغه الغالبية البسيطة المحددة عند 112 نائباً. 

وتحالف أنور إبراهيم مع رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد وتمكن من تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات ضد أومنو في 2018. وحصل تحالفه حينها على 89 مقعداً، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يختلف مرة أخرى مع مهاتير محمد لتسقط الحكومة بعد أقل من عامين. وله تاريخ خلافي مع هذا الأخير في التسعينيات عندما كان نائباً له، وسجن مرتين بتهمة أخلاقية، قضى على أثرها عقداً من الزمن داخل السجن، لكنه أصر على براءته ووصف سجنه بأنه اضطهاد سياسي. وبعد فوز تحالف الأمل بتشكيل الحكومة عام 2018، استطاع مهاتير محمد إقناع ملك البلاد بإصدار عفو ملكي عن أنور إبراهيم ليخرج مع وعد بتسليم السلطة إليه في غضون عامين وهو ما لم يحدث حينها.

طول انتظار

تنصيب أنور إبراهيم جاء تتويجاً لفترة انتظار قضاها في صفوف المعارضة قاربت على ربع قرن ورئيس الوزراء الجديد بدأ حياته كقائد ذي توجه إسلامي خلال حياته الجامعية ثم انضم إلى حزب أومنو (المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة) وشغل منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء عام 1993 في عهد رئيس الوزراء مهاتير محمد. وكان من المتوقع أن يتولى السلطة من مهاتير محمد منذ ذلك الوقت، لكنهما دخلا في خلاف حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية، إضافة إلى اتهامات بالفساد داخل الحزب الحاكم بقيادة محمد، مما تسبب في سوء العلاقات بين الزعيمين. وبعدها بخمسة أعوام، أقال مهاتير محمد، إبراهيم وشن حملة على المعارضة ووجهت إليه تهمة أخلاقية التي انتهت بحبسه وتعرضه للتعذيب وفق شهادة مسؤولي الشرطة حينها.

وكان مهاتير محمد قطع وعداً على نفسه عام 1998 بالحيلولة دون وصول أنور إبراهيم إلى رئاسة الوزراء مؤكداً أنه "لا يمكن السماح لهذا الرجل بأن يصبح زعيماً في بلد كماليزيا". وأفرج عنه عام 2004، ليسجن مرة أخرى بالتهمة نفسها عام 2015 في عهد نجيب رزاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حقبة جديدة

قيادة أنور إبراهيم للمعارضة كانت قائمة على مبدأ الشمولية وإصلاح النظام السياسي في الدولة متعددة الأعراق ويرى أن الامتيازات الممنوحة لعرق الملايو عادلة وهي نقطة تثير غضب كثير من الملايو. ومن المتوقع أن يركز خلال فترة رئاسته للحكومة على "الإصلاح" والملفات الداخلية لماليزيا، وهو ما وعد به حزبه عدالة الشعب وتحالف الأمل. ويتألف تحالفه من أعراق عدة وهو غير قائم على عرق الملايو كما هي الحال مع منافسيه، ويشمل التحالف حزب العمل الديمقراطي صاحب أكبر عدد من مقاعد التحالف وهو حزب معظم أعضائه من أصل صيني ولا يحظى بشعبية لدى الغالبية الملاوية المحافظة. 

ويحسب أنور إبراهيم على تيار جماعة الإخوان حتى وقت قريب، لكنه نأى بنفسه أخيراً حين أعلن صراحة عدم ارتباطه بأي من المنظمات الدولية، معرباً عن تأثره واحترامه لعدد من المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة. كما ويعتبره بعض الماليزيين حليف واشنطن بدليل زياراته المتكررة ولقاءاته المتعددة في الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية على عكس غريمه مهاتير محمد الذي مال للندن وسياساتها.

معادلة صعبة

كانت الانتخابات العامة الـ15 صعبة وسط تنافس ثلاثة تحالفات رئيسة متمثلة في الجبهة الوطنية بقيادة حزب أومنو الذي حكم البلاد منذ استقلالها وحتى عام 2018 ثم عاد إلى السلطة العام الماضي 2021، وتضم الجبهة أحزاب المؤتمر الهندي الماليزي والجمعية الصينية الماليزية إلى جانب حزبين آخرين وأربعة أحزاب صغيرة صديقة. وتحالف الأمل المعارض الذي حكم ماليزيا لمدة 22 شهراً عقب الانتخابات الماضية، يضم حزب عدالة الشعب وحزب العمل الديمقراطي ذا الأصول الصينية وحزب أمانة وحزبي أوبكو ومودا. أما التحالف الوطني، فهو بزعامة حزب برساتو المنشق عن تحالف الأمل والمتعاون مع الحزب الإسلامي الماليزي إضافة إلى ثلاثة أحزاب صغيرة أخرى. كما شاركت خمسة تحالفات أخرى أبرزها تحالف أحزاب ساراواك الذي يضم أربعة أحزاب في ولاية ساراواك انشقت عن الجبهة الوطنية عقب خسارة انتخابات 2018، وأثبت جدارته عبر فوزه بـ23 مقعداً من أصل 30 مقعداً تنافس عليها، وهو الآن يملك كتلة قوية داخل البرلمان، مما جعله مطمعاً للتحالفات الثلاثة الرئيسة. كما أن هناك تحالفاً آخر قاده مهاتير محمد وحزبه الجديد "بيجوانج" ويضم أربعة أحزاب صغيرة ولم يتم تسجيله بشكل رسمي، لكن خسارته كانت ساحقة ولم يفز حتى رئيسه مهاتير أو نجله مخرز.

وخسر رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد خسارة مدوية في دائرته السابقة لانكاوي وبعد إعلان النتيجة انحصرت المنافسة بين تحالف الأمل والتحالف الوطني، إذ سعى كل منهما إلى استمالة بقية التحالفات لتأمين الغالبية البسيطة اللازمة لتشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء الماليزي الـ10. 

توقعات مخالفة

على رغم أن المراقبين أكدوا زعامة التحالف الوطني وتشكيل الحكومة الجديدة، بخاصة لكونه قائماً على عرق الملايو وبديلاً قوياً لحزب أومنو الخاسر، ونظراً كذلك إلى أن معظم مقاعد تحالف الأمل المعارض يملكها حزب العمل الديمقراطي "الصيني" وهو ما قد يفتح باباً لتأجيج الطائفية والعنصرية في حال تشكيل تحالف الأمل للحكومة، إلا أن معسكر أنور إبراهيم الذي التقى رئيس الجبهة الوطنية زاهد حميدي كانت له الغلبة واستطاع إقناع الملك بأحقيته للمنصب المنتظر منذ أن كان نائباً لرئيس الوزراء قبل ما يزيد على ربع قرن. كما أن وجود الحزب الإسلامي داخل التحالف الوطني أثار مخاوف من سيطرة "متشددين" على مقاليد الحكم. 

خارجياً من المتوقع أن يحافظ على سياسة الحياد الماليزي المعهودة في ما يخص دول الجوار والعلاقات الدبلوماسية، مع بقاء القضية الفلسطينية على رأس أولوياته التي لطالما وصف نفسه بأنه أول مناصريها عالمياً. كما سينصب تركيز أنور إبراهيم على رفع مستوى العلاقات مع دول الخليج والصين، استكمالاً لما بدأته الحكومتان السابقتان بعد أن تضررت خلال عامي مهاتير محمد. ومع تأثر البلاد بجائحة كورونا وحال انكماش الاقتصاد، يقع على عاتق أنور إبراهيم رسم سياسات اقتصادية تعيد البلاد إلى مقدمة دول "آسيان"، ليترجم خبراته ونظرياته الاقتصادية على أرض الواقع بعد تغير مركزه من صف المعارضة إلى سدة الحكم.

المزيد من تقارير