أثارت الصورة التي نشرتها وسائل الإعلام الأميركية لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن وهما يشاهدان مباراة المغرب وفرنسا ضمن مونديال قطر في جو من الألفة الواضحة، حالاً من الجدل حول العلاقات الإثيوبية - الأميركية التي شهدت أخيراً تدهوراً كبيراً على خلفية الحرب التي اندلعت في إقليم تيغراي منذ نهايات عام 2020.
الولايات المتحدة التي أبدت تعاطفها مع جبهة تيغراي وفرضت عقوبات اقتصادية وتجارية قاسية على حليفتها التقليدية أديس أبابا، كانت مارست ضغوطاً كبيرة على المستويين السياسي والدبلوماسي لدفعها إلى اتخاذ مواقف في شأن الحرب والعلاقة مع الجبهة، لكن الأهم أيضاً هو المطالب المتعلقة بضرورة مراجعة علاقاتها بحليفها الإريتري.
وضمت الصورة الأخيرة الملتقطة في واشنطن على هامش القمة الأميركية -الأفريقية إلى جانب بايدن وآبي أحمد، رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش ورئيس ليبيريا وجورج ويا والرئيس النيجيري محمد بخاري، وقد أتت بعد جملة من المحادثات أجراها الوفد الإثيوبي بقيادة آبي أحمد مع المسؤولين الأميركيين، بدءاً بوزير الخارجية أنتوني بلينكن وأخيراً بالرئيس الأميركي بايدن على هامش مشاركة أحمد في القمة الأميركية - الأفريقية في واشنطن.
انسحاب إريتريا شرط التعاون
ونقل القسم الأمهري في هيئة الإذاعة البريطانية عن مصادر دبلوماسية مشاركة في المحادثات الثنائية قولها "إن واشنطن اشترطت الانسحاب الكامل للجيش الإريتري من إقليم تيغراي قبل الشروع في مراجعة العلاقات الإثيوبية - الأميركية، إذ سيمثل الانسحاب الإريتري الخطوة الأولى لجدولة رفع العقوبات المفروضة على أديس أبابا".
من جهتها نقلت وسائل الإعلام الأميركية أن دعوة بايدن رئيس الوزراء الإثيوبي إلى مشاهدة المباراة رفقة مجموعة من الرؤساء الأفارقة الذين يتمتعون بعلاقات تحالف متقدمة مع واشنطن يؤشر إلى كسر جليد العلاقات بين أديس أبابا وواشنطن.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن بلينكن أبلغ آبي أحمد "الحاجة الملحة إلى مغادرة كل القوات الإريترية إقليم تيغراي، وهو ما سيحدث بالتزامن مع نزع سلاح مقاتلي تيغراي"، وكرر بلينكن أن بلاده "لا تزال ملتزمة بدعم عملية السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك آلية المراقبة والتحقق التابعة للاتحاد".
وأضاف المتحدث الرسمي أن واشنطن جددت ترحيبها "بالتقدم المحرز في تنفيذ اتفاق ’يروتوريا‘ لوقف الأعمال العدائية بين الحكومة والمتمردين في إقليم تيغراي".
وشدد بلينكن، بحسب تصريح برايس، على "أن تحقيق سلام دائم في شمال إثيوبيا يتطلب اتخاذ قرارات عملية في شأن انسحاب القوات الإريترية"، مشيداً بالخطوات التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية لتحسين وصول المساعدات الإنسانية والبدء في استعادة الخدمات الأساس بالإقليم، وداعياً آبي أحمد إلى ضرورة تسريع تنفيذ الاتفاق ووصول مراقبي حقوق الإنسان الدوليين إلى مناطق النزاع.
حدود التضحية بالحليف
وظلت الحكومات المتعاقبة على أديس أبابا تحتفظ بعلاقات تحالف قوية مع واشنطن عبر التاريخ، باستثناء الفترة التي اعتلى فيها النظام الشيوعي بقيادة الرئيس الأسبق منجستو هيلي ماريام سدة الحكم في إثيوبيا، إذ عقد تحالفات قوية مع الاتحاد السوفياتي في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين.
لكن سقوط نظامه متزامناً مع انهيار جدار برلين دفع النظام الجديد بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى إعادة بناء التحالف التاريخي بين واشنطن وأديس أبابا، ولطالما دعمت الأولى مطالب الأخيرة في المحافل الدولية بما فيها الموقف من الحرب الحدودية مع جارتها إريتريا (1998 - 2000).
لكن الوضع السياسي الجديد الذي قام بتحالف القوى السياسية الممثلة لقوميتي الأمهرا والأورومو دفع جبهة تيغراي إلى الانسحاب ثم الدخول في مواجهة مسلحة بين المركز والجبهة، مما اضطر واشنطن إلى اتخاذ مواقف متشددة من حكومة أديس أبابا، لا سيما بعد تحالفها مع النظام الإريتري الذي يناصبها العداء وتعمل واشنطن على عزله عن محيطه الإقليمي والدولي.
ثم تأتي القمة الأخيرة بين بايدن وآبي أحمد لتطرح تساؤلات عدة حول حجم الاختراق الذي تم تحقيقه في طبيعة العلاقة المتوترة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الصحافي والباحث في شؤون القرن الأفريقي عبدالقادر محمد علي "أن مشاركة رئيس الوزراء الإثيوبي في القمة الأميركية - الأفريقية تأتي في سياق عمل الطرفين على ترميم علاقتهما التي اتسمت بالعدائية على خلفية مواقفهما من كيفية معالجة الحرب في تيغراي".
ويضيف علي لـ "اندبندنت عربية" أن "دعوة أحمد إلى الجلوس بجانب بايدن لمشاهدة مباراة كرة القدم تؤكد محاولة واشنطن منح العلاقة شيئاً من الدفء المفقود وإخراجها من حيزها الرسمي إلى دبلوماسية العلاقات الشخصية، وفي هذا رسالة لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية في سياق التنافس الجيو-استراتيجي بين واشنطن وبكين تحديداً على النفوذ في إثيوبيا".
ويؤكد الباحث أن "آبي أحمد عمد خلال الفترة الماضية إلى تطوير علاقته مع الصين في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة، مما دعا الأخيرة إلى تغيير استراتيجيتها حيال أديس أبابا نحو اتجاه أقل حدة خلال الأشهر الأخيرة".
وفي قراءته لمدى استعداد آبي أحمد للتضحية بحليفه في حرب تيغراي مقابل تطوير علاقته مع واشنطن يقول، "أعتقد أن الضغوط الأميركية تأتي في سياق مقاربة إدارة بايدن التي هدفت منذ بداية ولايتها إلى تفكيك التحالف الإثيوبي - الإريتري، مراهنة على رفض أسمرة أي حل لا يتضمن تصفية كاملة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في حين أن المقاربة الإثيوبية الحالية في تقديري تحاول كسب جميع الأطراف".
ويحدد الباحث تلك المقاربة في نقاط عدة تتمثل في "التفاهم مع الأميركيين والتهدئة مع تيغراي وإقناع إريتريا بسحب قواتها من خلال تقديم الضمانات الأمنية الكافية، والتي يفترض أن يلبي ’اتفاق بريتوريا‘ أكثرها، وبهذا يستمر مشروع آبي أحمد داخلياً وإقليمياً من خلال التحالف الثلاثي مع الصومال وإريتريا".
ويتساءل، "أي المقاربتين ستنجح؟ إن تداخل العوامل المحلية والإقليمية في الصراع الإثيوبي يجعل من الصعب التكهن بمسار الأمور، لكن في اعتقادي أن مجموعة من العوامل ستسهم في تشكيل قرار أديس أبابا وأهمها قدرة طرفي عملية السلام الإثيوبية على بناء خطوات الثقة والمضي بها قدماً، وكذلك الضمانات التي يقدمها رعاة هذه العملية السلمية وفي مقدمهم الولايات المتحدة لأديس أبابا بما يقنعها بفك ارتباطها مع إريتريا، ومدى قدرة إثيوبيا على تحمل الضغوط، وبالطبع موقف أسمرة من التطورات لدى جارتها الكبرى".
محورية دور أديس
بدوره يرى الباحث الإثيوبي تيفري نجاش أن "اللقاءات الثنائية التي عقدها آبي أحمد مع بايدن ووزير خارجيته تأتي تلبية للرؤية الاستراتيجية التي ظلت تقدمها المجالس المتخصصة بالشؤون الخارجية والأمن القومي الأميركي حول ضرورة احتواء أديس أبابا".
ويفيد نجاش "أن عدداً من التقارير الاستراتيجية الأميركية أشارت خلال الفترة الماضية إلى محورية دور إثيوبيا قارياً وإقليمياً، وبالتالي ضرورة أن تستوعب الإدارة الأميركية حجم هذا الدور وألا تترك أديس أبابا تمضي في اتجاه يضر بالاستراتيجية الأميركية في القارة السمراء في ظل ذلك النفوذ الصيني المتعاظم، فضلاً عن الأدوار الروسية والتركية وغيرها من القوى الطامحة إلى كسب أراض جديدة في القارة البكر".
ويضيف، "أتوقع أن ينجح آبي أحمد في خلق معادلة جديدة للتوازن بين تحالفه التكتيكي مع النظام الإريتري وعلاقاته الاستراتيجية مع واشنطن".
ويشير إلى الدور الذي منحه آبي أحمد للولايات المتحدة عبر مبعوثها للقرن الأفريقي في لعب دور حاسم في اتفاق السلام بجنوب أفريقيا "كجزء من تلك المقاربة الجديدة"، مضيفاً "لا أعتقد أن يذهب آبي أحمد بعيداً إلى الحد الذي يدفعه لتفكيك التحالف مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لكن ثمة خطوات مهمة قد تتخذ في اتجاه دفعه نحو سحب القوات مع ضمان منطقة عازلة في الحدود المشتركة بين البلدين".
وفي تعليقه على الدعوة التي قدمها بايدن لعدد من الرؤساء الأفارقة خارج الأطر الرسمية ومن بينهم آبي أحمد لمشاركته في مشاهدة إحدى مباريات كأس العالم في جو من الألفة يقول نجاش، "هذا مؤشر مهم يبعث برسالة إلى من راهن على انفضاض التحالف التاريخي الإثيوبي - الأميركي"، مضيفاً "لم تكن تلك الإشارة الوحيدة لطبيعة العلاقة، فقد حصل آبي أحمد على جائزة من اثنتين من أكبر المؤسسات الأميركية لدوره في الاهتمام بالبيئة في إطار المشروع الذي أطلقه تحت مسمى البصمة الخضراء، والهادف إلى الحفاظ على البيئة من خلال غرس الأشجار".
ويعتقد أن "كل المؤشرات تذهب في اتجاه عودة العلاقات الأميركية - الإثيوبية لشكلها الطبيعي على رغم وجود بعض القضايا العالقة وعلى رأسها رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية، والتحقيق في الاتهامات الموجهة من قبل منظمات حقوق الإنسان حول مزاعم ارتكاب جرائم تصل إلى التصفية العرقية في إقليم تيغراي".