جاء في الحلقة الماضية نقلاً عن الأرشيف الوطني البريطاني أن مبعوث الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الرائد عبدالسلام جلود قام بزيارة غير منسق لها للعواصم الخليجية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) 1971 بعد احتلال الجزر الإماراتية الثلاث من قبل الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي.
كانت زيارة جلود مفاجئة ومستفزة في الوقت نفسه، إذ تصرف بعيداً من البروتوكلات الدبلوماسية وأساء لبعض الحكام وضيوفهم ولغير العرب من مواطني تلك الدول أو العاملين فيها.
ووفقاً لوثائق الأرشيف الوطني البريطاني لم تكن تلك الزيارة موضع تقدير من قبل الحكام الذين ذهب إليهم محاضراً ومحرضاً وناصحاً في آن واحد، معلناً مزاعم استعداد بلاده إرسال فدائيين للإنزال الجوي في الجزر وتحريرها من القوات الإيرانية، وهو التصريح الذي أحرج الحكومة الليبية وبررت عدم إرسال القوات لعدم وجود مساحات للهبوط، لكن وسائل الإعلام التي تناقلت خبر احتلال الجزر كانت تشير إلى هبوط 20 مروحية إيرانية محملة بالقوات العسكرية فجر يوم الأربعاء الأول من ديسمبر 1971 حين رفعوا العلم الإيراني على جبل حلوا (ألفا)، أعلى نقطة في جزيرة أبو موسى، بعد مقتل ثلاثة من المدافعين العرب. ودمرت القوات الإيرانية حينها المدرسة الابتدائية الوحيدة في الجزيرة مما أدى إلى نزوح السكان العرب منها.
أين الفدائيين الذين وعد بهم القذافي؟
في أبوظبي سخروا من محاضرات جلود ورفضوا نصيحته بطرد الأجانب ولم يقبلوها لكنهم قدروا موقفه من إرسال فدائيين لجزر الخليج، ولم يرحب حاكم قطر بفكرة جلود حول اللجوء للعمل العسكري قائلاً، "إن قطر ليست مستعدة لمواجهة الإيرانيين"، وفي دبي قال الشيخ راشد بن مكتوم إنه "التقى الرجل الأكثر جنوناً"، وكان حاكم رأس الخيمة حينها الشيخ صقر بن محمد القاسمي وحده من رحب بزيارة جلود واستضافه لليلة واحدة.
ويعود تاريخ التقارب بين القيادة الليبية وحاكم رأس الخيمة ونجله الشيخ خالد بن صقرالقاسمي إلى العام الأول من وصول العقيد معمر القذافي للسلطة في ليبيا، والذي تزامن مع التهديدات الإيرانية باحتلال الجزر.
وكانت تصريحات القذافي حول استعداد ليبيا للتدخل العسكري في حال تعرضت جزر الخليج العربي لاحتلال إيراني قد أخذت الصدى الواسع آنذاك، وكان القذافي قد ألقى في الـ 15 من يونيو (حزيران) 1971 أي قبل الاحتلال الإيراني للجزر بأقل من خمسة شهور، خطاباً نارياً في قاعدة عقبة بن نافع الجوية سابقاً، وذلك خلال الاحتفالات التي أقيمت لمناسبة الذكرى الأولى لانسحاب القوات الأميركية من ليبيا. وتطرق القذافي في خطبته المطولة لخطة الانسحاب البريطاني من الخليج معلناً احتمال التدخل الليبي من أجل الحفاظ على عروبة الخليج ومنع التمدد الفارسي والشيوعي، إلا أنها بقيت مثل كل خطاباته الاستهلاكية لا أثر لها في الأرض.
وجاء في البرقية السرية رقم (/150700Z650) المرسلة من السفارة البريطانية في طرابلس إلى وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ الـ 15 من يونيو (حزيران) 1971، أن خطاب القذافي أشار إلى أنه "لا تزال القوات البريطانية موجودة في الخليج العربي وهي مترددة في الانسحاب، وإيران أيضاً لديها خطط في المنطقة".
ولفتت إلى أن الزعيم الليبي الراحل أضاف أيضاً أن بريطانيا "إذا اعتقدت أن مصر مشغولة كثيراً بحيث لا تولي اهتماماً لشؤون الخليج العربي، فعليها أن تعلم أن ليبيا مستعدة للقتال من أجل تحرير الخليج في حال عدم مغادرة بريطانيا، وتأمل ليبيا أن تنسحب بريطانيا بسلام. ولن يقع الخليج تحت سيطرة الشيوعيين (السوفيات) وسيبقى عربياً".
الشاه يوظف موقف القوميين العرب
وبعد أن غزت القوات الإيرانية جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة، سارع الشيخ صقر بن محمد القاسمي بإرسال برقية إلى مقر جامعة الدول العربية وأخرى خاصة إلى العقيد معمر القذافي، جاء فيها "كانت جزيرتا طنب ولا تزالان منذ أقدم العصور وحتى الآن جزءاً لا يتجزأ من أرض رأس الخيمة، والاستيلاء الإيراني عليهما نوع من العدوان السافر على رأس الخيمة نفسها وعلى العرب في جميع أراضيهم، ندعوكم إلى اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لصد المعتدين والوقوف في صف واحد لدعم الحق العربي، ونتوسل إليكم أن تتحملوا كل مسؤولياتكم الوطنية أمام الله والتاريخ، ونحثكم على تبني القضية أمام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية، وانتظاراً لردكم السريع نتمنى لكم النجاح".
وظف الشاه الإيراني التصريحات العربية حول احتمال تدخل عسكري عربي في قضية الجزر والخطر الشيوعي واحتمال استغلال الاتحاد السوفياتي الفراغ الأمني المتوقع نتيجة الانسحاب البريطاني من الخليج، وكانت صحيفة "إطلاعات" في عددها الصادر يوم السبت، 20 فبراير (شباط) 1971، عنونت صفحتها الأولى بتصريح الشاه محمد رضا بهلوي القائل "إذا لزم الأمر فسنستخدم إيران القوة للاستيلاء على جزيرتي طنب وأبو موسى".
كما أعطت مثل هذه التصريحات الذريعة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ليقدما الدعم اللوجيستي للقوات الإيرانية التي كانت تنتظر بدء الانسحاب البريطاني من الخليج، وجعل كذلك بريطانيا تغض الطرف عن الاستعدادات الإيرانية للانقضاض على قواعد البريطانيين في الخليج العربي.
وتناولت وثائق الأرشيف البريطاني هذه الحادثة مؤكدة في إحدى تقارير البعثات السرية أن "الحكومة الإيرانية مستاءة جداً من استمرار عزوف بريطانيا عن إقناع شيخ الكويت بالسماح للتمثيل القنصلي الإيراني هناك، كما لديهم بعض القلق المبرر من الاختراق التدريجي لمنطقة الخليج من قبل الدعاية المصرية والسورية والمد القومي العربي والدعاية السوفياتية الملحوظة".
نفذ الشاه الإيراني تهديداته في الساعات الأخيرة من بدء عملية الانسحاب البريطاني من الخليج، إذ أعلنت صحيفة "إطلاعات" الإيرانية في عددها الصادر يوم الثلاثاء، 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1971، خبر احتلال الجزر الإماراتية وانتشار القوات العسكرية الإيرانية هناك، معنونة بـ "نزول القوات المسلحة الإيرانية فجر اليوم في جزيرتي طنب وأبو موسى".
بريطانيا تهين نفسها
وعلى رغم أن الحكومة البريطانية أكدت على لسان وزير دفاعها خلال جلسة البرلمان البريطاني المنعقدة في الـ 11 من مارس (آذار) 1971 سحب قواتها البرية والبحرية والجوية من الخليج بنهاية عام 1971، هاجمت صحيفتا "التايمز" و"فايننشال تايمز" الموقف البريطاني، وعلقت بأن الاحتلال الإيراني قبل انتهاء المعاهدات كان إهانة مشينة لبريطانيا نفسها وليس للدول العربية.
ورداً على ذلك ذكر مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية حينها أن لندن لم تتلق بعد التفاصيل الكاملة ولا يمكنها التعليق على الأحداث في هذه المرحلة، على رغم أن الخسائر في الأرواح كانت مؤسفة للغاية، بحسب ما تروي وثائق الأرشيف.
السعودية تقف في وجه الشاه
وعلى رغم أن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود حاول منع الشاه محمد رضا بهلوي من تنفيذ خطته ودفع الشر الإيراني عن منطقة الخليج العربي، إلا أن الإعلام القومي العربي وفي مقدمه الإعلام الليبي آنذاك، استغل قضية احتلال الجزر للهجوم ولوم الملك السعودي.
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن السعوديين بذلوا جهوداً كبيرة في وقف حركات التمدد الإيراني في فترة الشاه على الجزر في الخليج العربي رغم تعنّت الشاه، وأسفرت عن بعض النتائج الإيجابية كان أبرزها إبعاد شبح الاحتلال عن مملكة البحرين.
ووثق الأرشيف أن "الملك فيصل أقنع الشاه بترك البحرين وشأنها لكن جهوداً مماثلة في شأن الجزر باءت بالفشل، وحمّل بريطانيا مسؤولية تسليم الجزر لطهران".
ويبدو أن الشاه الإيراني الذي وعد الملك فيصل بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لفرض واقع جديد على الجزر، تراجع عن وعوده وأوكل القضية لرئيس وزرائه أمير عباس هويدا الذي ظهر في جلسة البرلمان الإيراني رقم (17) المنعقدة صباح الثلاثاء، 30 نوفمبر 1971، معلناً احتلال الجزر العربية وقائلاً "إنه لمن دواعي سروري أن أبلغ النواب المحترمين وأبناء الوطن بأن القوات المسلحة الإيرانية وصلت صباح اليوم في تمام الساعة (6:15) صباحاً إلى جزيرتي طنب الكبيرة والصغيرة، وتمركزوا أيضاً في المناطق المحددة في جزيرة أبو موسى وفي الساعة 6:50 رفع العلم الإيراني فوق جبل الحلوة أعلى نقطة في جزيرة أبو موسى".
وكان الإعلام المصري في العهد الناصري مناهضاً للسعودية، فيذكر الأمير تركي الفيصل في مقابلة مع صحيفة "القبس" الكويتية في عددها الصادر في الثاني من يوليو (تموز) 2020 أن "اللكمات الإعلامية لم تكن موجهة للسعودية كنظام ودولة فقط، إنما للملك فيصل شخصياً، وقد رفض والدي رحمه الله اتباع الأسلوب نفسه مع الرئيس الراحل عبدالناصر ومنع وسائل الإعلام السعودية من التعرض له أو لمصر، واستمر في صبره على ذلك الأمر إلى أن انتهت حرب 1967، وعندما كان يستمع الملك لإذاعة القاهرة وما يوجه للمملكة كان يقول ’الله يهديه‘ واستمر على هذا النهج طوال السنين العجاف في العلاقة بين المملكة ومصر".
وحول تلك المرحلة وموقف القوميين العرب تجاه الملك السعودي تقول وثائق الأرشيف البريطاني، "حين ذهب السفير السعودي لدى الكويت محمد منصور الرميح، بداية يوليو (تموز) 1965 إلى القاهرة لحضور اجتماعات جامعة الدول العربية، تلقى مكالمة هاتفية من الشيخ صقر، إذ رحب به الشيخ صقر وكان ودوداً معه ثم سأل عن الملك فيصل، فرد عليه الرميح كيف تسأل عن الملك فيصل وكانت الصحافة والإذاعة في القاهرة تكرر هجماتها عليه، وتتهمه بالتعاون مع البريطانيين في الخليج، ونفى الشيخ صقر أن يكون قد هاجم الملك فيصل وقال إن التقارير الصحافية والإذاعية المصرية كانت تنشر أكاذيب".
وتضيف الوثائق أن "الرميح أطال الحوار وجعل الشيخ صقر يكرر نفيه مراراً وتكراراً، وأنه لم يتحدث أبداً ضد الملك فيصل أو السعودية بسوء، وعند نهاية المحادثة أخبره الرميح أنه قام بتسجيل شريط للمحادثة بأكملها ولن يتردد في استخدامها".
وخلال الاجتماع الذي عقد في اليوم التالي، كشف السفير السعودي عن الجهات التي كانت تسيئ إلى الملك فيصل باسم الشيخ صقر، ثم أعاد تشغيل محادثته مع الشيخ صقر ليوم أمس.
تسمية الجزر
تختلف تسميات المدن والمناطق العربية عن غيرها بسبب الدلالات التأريخية والجغرافية التي تحملها معظم الأسماء العربية، فأطلق البحارة العرب منذ القدم اسم طنب الكبرى وطنب الصغرى على الجزيرتين الواقعتين في مقابل رأس الخيمة وذلك تشبيهاً لها بالأطناب التي تثبت الخيمة العربية، والطنب هو الحبل ويقال شد أطناب الخيمة أي شد حبالها، لكن لإيران رواية أخرى، إذ تعتقد أن سبب تسمية رأس الخيمة يعود لخيمة نادر شاه الأفشاري.
وتقول، "يعتقد بعضهم أن سبب تسمية رأس الخيمة يعود للخيام التي نصبت من قبل جيش نادر شاه في تلك المنطقة، حيث نصبت هذه الخيام من أجل الإشراف على حركة السفن بمضيق هرمز ورصدها".
وحكم نادر شاه في بلاد فارس لم يتجاوز 11 عاماً، وحين حاول العبور إلى الضفة الثانية من الخليج بعد احتلاله ميناء بوشهر، انتبه إلى أن بلاده لا تمتلك أسطولاً بحریاً، وقرر الاعتماد على العرب في إنشائه، وحين عیّن نادر شاه میرزا مهدي قائداً لأسطوله البحري الذي شيده العرب، لم يكن قد سبق لمیرزا أن شاهد سفینة في عرض البحر وعند وفاة نادر شاه کان القائدان الموجودان في الأسطول الفارسي في ميناء بوشهر من البحارة العرب.
وتشير بعض الوثائق البريطانية إلى أن نادر شاه بعد استيلائه على السلطة في شيراز في الثامن من مارس 1736 اعتمد في غزواته البحرية على السفن العربية ممارساً القوة والترهيب، إذ أجبر الملاحين العرب على نقل جنوده إلى الضفة الثانية من الخليج العربي، لأن الفرس في تلك الحقبة لا يمتلكون سفناً حربية ولا يجيدون الملاحة البحرية أصلاً، وسار خلفه كريم خان زند على السياسة نفسها وهي مصادرة السفن العربية وإجبار أصحابها على خدمة القوات الفارسية.
كما تؤكد الرسائل التي يعود تاريخها للـ 20 من مارس عام 1767 أن عدم مغادرة جيش كريم خان زند مدينة شيراز كان بسبب امتناع عرب الهولة [عرب الساحل الشرقي] وقبيلة القواسم من إعارة سفنهم الحربية لحملته.
لم يدم حكم نادر شاه أكثر من 11 عاماً حتى اغتيل على يد مجموعة من جنوده شمال شرقي بلاد فارس يوم الـ 19 من يونيو (حزيران) 1747، وتحررت المنطقة العربية مرة أخرى من تدخلات بلاد فارس وأطماعها حينئذ.
ردود الأفعال حول احتلال الجزر
كانت ردود أفعال معظم الدول العربية تجاه قضية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية متقاربة نوعا ما، إذ اكتفت معظمها بإصدار البيانات والتنديد والاستنكار لما حدث، إلا العراق الذي قطع علاقاته الدبلوماسية مع بريطانيا وإيران، أما الحكومة المصرية فكان لها رأي آخر وهو ناتج من اعتقادها بأن إثارة قضية الجزر قد يؤثر سلباً في القضية الفلسطينية، وهو الموقف المعتمد حتى الآن لدى جامعة الدول العربية في عدم تبني قضية عربستان (الأحواز).
وكان الموقف الكويتي أقرب إلى الموقف المصري من الموقف الليبي والعراقي في ما يخص الجزر، وورد في تقرير السفارة البريطانية في الكويت الصادر يوم الـ 16 من ديسمبر 1971 أن "رد الفعل الأولي للحكومة الكويتية كان في الواقع مسايرة للموقف المصري القائل بأنه يجب ألا نسمح لقضية الجزر أن تحول الانتباه عن القضية العربية الرئيسة، وهي قضية فلسطين".
ويؤكد التقرير أن السفير الكويتي لدى منظمة الأمم المتحدة عبدالله بشارة كان مختلفاً عن موقف الحكومة الكويتية، إذ يرى أن لجوء إيران إلى استخدام القوة يعد أمراً خطراً في المنطقة، وعليه يجب اتخاذ موقف صريح تجاه هذا الأمر، بخاصة أن الكويت بسبب موقعها من إيران أكثر عرضة للخطر من مصر، كما سخر بشارة من تشدق الايرانيين بـ "كوروش" الذي يقولون عنه إنه صاحب أول ميثاق لحقوق الإنسان في العالم، قائلاً "أهدت إيران الأمم المتحدة أخيراً نسخة من ’ميثاق كوروش‘ في شأن حقوق الإنسان، محاولة تعزيز صورتها كبلد عريق يؤمن بقوانين الأمم المتحدة ومبادئها، لكنها قوضت أمن الخليج أخيراً باحتلالها الجزر العربية".
وعلى عكس موقف الحكام العرب رحب نائب حاكم الشارقة بالقوات الإيرانية في أبو موسى، ولدى عودته للشارقة واجه غضباً شعبياً وتعرض إلى هجوم من قبل المتظاهرين وأصيب بطعنات سكين في محاولة اغتيال، وكان حاكم الشارقة قد أوضح علناً سبب سماحه للإيرانيين بالهبوط في مناطق محددة من الجزيرة وفق مذكرة تفاهم بين إيران والشارقة، مؤكداً اعتراف إيران بسيادة الشارقة على جزيرة أبوموسى، وهو الأمر الذي تخلت عنه طهران خلال عهد الجمهورية الإسلامية وأحكمت احتلالها على الجزيرة وكرست وجودها عام 1996 بافتتاح مطار لها على الجزيرة.
جزيرة عبود موسى بدل أبو موسى
دفع موقف الزعيم الليبي الذي وعد بالتدخل العسكري من أجل الحفاظ على عروبة الخليج حاكم رأس الخيمة إلى إرسال برقية للقذافي، وفور تسلم القذافي برقية حاكم رأس الخيمة سارع بإرسال نائبه الرائد عبدالسلام جلود لمنطقة الخليج، لكن تصرفات جلود وتصريحاته كانت مثيرة للجدل، وكاد أن يخلق للحكام مشكلات أخرى لو كانوا أخذوا بنصائحه الثورية.
كما وعدت وزارة الخارجية الليبية الإنجليز بأن تراجع قرار تجميد أصول شركة "بريتيش بتروليوم" المجمدة ضمن قرار التأميم الليبي، إذ نجحت بريطانيا في مناقشة قضية الجزر إلا أن تقرير وزارة الخارجية البريطانية السري، رقم (FH FCO 171820Z) الصادر في الـ 17 من ديسمبر 1971، شكك في نيات وصدقية القذافي.
وقال، "في الواقع تنص الفقرة الأخيرة من الرسالة الليبية إلى رولاند على أن وزارة الخارجية تعد بأننا سنراجع مسألة أصول شركة ’بريتيش بتروليوم‘ إذا نجحت مناقشاتكم حول الجزر، على رغم أن كلمة مراجعة غامضة، إلا أننا نشك فيما إذا كان قرار التأميم سيتغير تحت أي ظرف من الظروف".
وفي القاهرة أدت نشاطات الوفد الليبي وضغوطه على الحكومة المصرية التي كانت تعيش الصدمة بعد وفاة زعيمها جمال عبدالناصر من جانب وانشغال الرئيس أنور السادات بترتيب البيت المصري من جانب آخر إلى صدور بيان عربي مشترك.
وتناقلت الصحف نص البيان حينها لكنه لم يميز بين جزيرتي طنب وجزيرة أبو موسى التي كان لها وضع مختلف، والخطأ الآخر أن تسمية "جزيرة أبو موسى" وردت في البيان باسم "جزيرة عبود موسى"، مما أثار سخرية الصحف والدبلوماسيين حينها.
وتقول الوثائق البريطانية عن ذلك "إن بيان المتحدث الرسمي يحتل مكانة بارزة في الصحافة المصرية اليوم، إذ تؤكد لهجته المعتدلة أن الحكومة المصرية تحاول التقليل من شأن الأمر، ولقد قيل لنا إنه فقط بعد ضغوط من الليبيين قررت الحكومة المصرية إصدار بيان، ومن المخيب للآمال أن البيان لا يميز بين عبود موسى وطنب".
وكان الرائد عبدالسلام جلود سبق وأن اعترف خلال لقائه السفير البريطاني في ليبيا السيد تريب، بعدم معرفته بأسماء الجزر العربية التي احتلتها إيران، بحسب ما دوّن السفير بقوله في إحدى برقياته إلى لندن "ورداً على سؤالي اعترف جالود بأنه لا يعرف أسماء الجزر ولا إلى أي من الإمارات المتصالحة تنتمي".
آخر المطاف قد يكون "العدل الدولية"
وعلى رغم فرض النظام الإيراني الأمر الواقع في الجزر الإماراتية، إلا أن دول مجلس التعاون لا تزال لهجتها شديدة في مطالبة طهران بمراجعة استيلائها عليها، إذ أكد المجلس الأعلى في آخر اجتماع له هذا الشهر في الرياض ما قال إنه "مواقفه الثابتة وقرارته السابقة في شأن إدانة استمرار احتلال إيران للجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة للإمارات العربية المتحدة".
وجدد التأكيد على "دعم حق السيادة للإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الإمارات العربية المتحدة"، معتبراً أية قرارات أو ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث "باطلة ولاغية ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية التي تجمع على حق سيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث".
ودعت قمة دول المجموعة في بيانها إيران لحل القضية من طريق "المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية".