ملخص
الهدر لا يقتصر على الطعام فحسب، وإن بقيت معدلاته العنوان الأبرز والدليل الأوضح على قدرة الدول والشعوب أو انعدامها على الاستخدام الرشيد أو غير الرشيد للموارد والمواد والمنتجات، وحين تكون معدلات هدر الطعام الذي يأتي على رأس قائمة الحاجات الرئيسة للبقاء على قيد الحياة، بالغة الارتفاع لا سيما في دول تعاني الفقر أو الصراع أو كليهما، فإن هذا يعني أن ثقافة القضاء على الهدر غائبة أو متوعكة.
أزمة الجوع في المنطقة العربية تتفاقم، والتحديات المتواترة والمتصاعدة في كثير من دول المنطقة تعني أن معركة البطون الخاوية تسير من سيئ إلى أسوأ، نحو 66 مليون عربي، أي 14 في المئة من العرب، يعانون الجوع، ونحو 186.5 مليون عربي لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء، أي 39.4 في المئة من العرب، وهي النسبة التي تزيد من عام لآخر ولا تقل، والأخطر من ذلك هو أن نحو 73 مليون عربي يعانون انعداماً شديداً في الأمن الغذائي، وهذا ما أورده التقرير الأحدث الصادر عن ست منظمات أممية نهاية العام الماضي.
جوع وحرب
التقرير صدر قبل تفاقم الجوع في غزة، وقبل إعلان الأمم المتحدة أن السودان في قبضة المجاعة، وقبل توثيق أثر الجوع المتفاقم في أهل اليمن أكثر من أثر الصراع.
حالياً، جميع سكان غزة يعانون منذ يونيو (حزيران) 2024 مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي في ظل الدمار والظروف التي يمر بها القطاع وموجات النزوح غير المسبوقة، ومعدلات الجوع في الدول المتأثرة بالنزاعات مثل السودان واليمن تبلغ نحو 26.4 في المئة، أي بما يزيد بأربعة أضعاف على الدول المستقرة.
على رغم ذلك فالهدر على أشده، والفاقد في أعلى مستوياته، والنفايات تقول كثيراً عن تبديد موارد بلا رشد واستهلاك مواد بلا حكمة.
ولا يقتصر الهدر على الطعام فحسب، لكن معدلاته تظل العنوان الأبرز والدليل الأوضح على قدرة الدول والشعوب، أو انعدامها، على الاستخدام الرشيد أو غير الرشيد للموارد والمواد والمنتجات، وحين تكون معدلات هدر الطعام، الذي يأتي على رأس قائمة الحاجات الرئيسة للبقاء على قيد الحياة، بالغة الارتفاع، لا سيما في دول تعاني الفقر أو الصراع أو كليهما، فإن هذا يعني أن ثقافة القضاء على الهدر غائبة أو متوعكة.
بمعنى آخر، معدلات الهدر مقياس لدرجة أداء ووعي وذكاء وحصافة سكان الأرض في ما يختص بالموارد والمواد المتاحة، فكيف يُحدد ذلك؟ إنها النفايات.
أين نفاياتك؟
قل لي معدل إنتاجك من النفايات، ومحتوياتها، والنسبة القابلة لإعادة التدوير منها، وقيامك بإعادة التدوير فعلاً، يخبرك حكماء الأرض بموقعك على قائمة الدول الأكثر أو الأقل هدراً، إنها القائمة التي تثير الجدل في مثل هذا اليوم من كل عام، الـ30 من مارس (آذار)، اليوم الدولي للقضاء على الهدر.
تقول الأمم المتحدة إن الأرض تواجه أخطاراً عدة بسبب استمرار وإصرار أهلها على اعتماد أساليب إنتاج واستهلاك غير مستدامة، في كل عام تنتج الأسر والشركات الصغيرة ومقدمة الخدمات العامة بين 2.1 و2.3 مليار طن نفايات صلبة.
بحسب الأمم المتحدة، إذا وضع سكان الأرض نفاياتهم الصلبة البلدية الناتجة خلال عام واحد في حاويات شحن ورتبناها واحدة تلو الأخرى، فسيبلغ طولها ما يعادل الالتفاف حول الكرة الأرضية 25 مرة.
يشار إلى أن أنظمة إدارة النفايات في العالم عاجزة عن استيعاب هذا الكم، إذ يفتقد 2.7 مليار شخص خدمات إدارة النفايات، ولا تعالج سوى نحو 60 في المئة من نفايات بقية العالم في منشآت منظمة.
مواد عديمة النفع
النفايات الصلبة هي مواد عديمة النفع وقد تكون خطرة، وهي ذات محتوى منخفض من السوائل، وتشمل النفايات الصناعية والتجارية وتلك ناتجة من العمليات الزراعية وتربية الحيوانات والأنشطة المرتبطة بها، إضافة إلى نفايات الهدم والتعدين.
والقمامة أو النفايات بصورة عامة تتكون من العناصر اليومية التي نستخدمها ثم نتخلص مما يتبقى منها، مثل أغلفة المنتجات وقصاصات الحشائش والمزروعات والأثاث القديم والزجاجات وبقايا الطعام والصحف والأوراق والأجهزة والدهانات والبطاريات والملابس المستعملة.
هذا العام وقع اختيار المنظمة الأممية على الملابس والمنسوجات لتكون موضوع اليوم الدولي للهدر، أو بالأحرى اليوم الدولي للقضاء على الهدر، لماذا؟ لأن قطاع النسيج ينتج سنوياً بين اثنين وثمانية في المئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، ويستخدم 215 تريليون ليتر من المياه، أي ما يعادل 86 مليون حمام سباحة أوليمبي.
هستيريا الملابس
كالعادة، فإن الدول الأكثر تضرراً من هستيريا إنتاج وبيع وشراء واستهلاك الملابس والمنسوجات هي دول الجنوب، الأقل إسهاماً أو استفادة في هذه الهستيريا، لكنها الأكثر مشاركة في التصنيع.
في الفترة بين عامي 2000 و2015 تضاعف إنتاج الملابس، في كل عام ينتج العالم نحو 92 مليون طن من النفايات النسيجية، أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس تحرق أو تودع في مكبات النفايات كل ثانية.
قبل ساعات من تذكير العالم بـ"اليوم الدولي للقضاء على الهدر" هذا العام، وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة لسكان الأرض قال فيها، إن التركيز على الأزياء والمنسوجات هذا العام في محله، معتبراً أن الأرض أصبحت ضحية لصناعة الأزياء التي تستخدم آلاف المواد الكيماوية، وكثيراً من المواد الأخرى التي تضرب الناس والبيئة.
وقال "صناعة المنسوجات تبدد الموارد وتتسبب في انبعاث غازات الدفيئة، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ، ومع ذلك تُنتج الملابس بمعدلات مذهلة، وكمية المنسوجات التي تهدر ضخمة، نحن في حاجة إلى تبني نهج مختلف يفي بالتزام الوارد في أهداف التنمية المستدامة للإنتاج والاستهلاك المستدامين".
على حساب الكوكب
وأشار غوتيريش إلى ميثاق صناعة الأزياء من أجل العمل المناخي، وكذلك ميثاق الأزياء الذي وضعته حكومة فرنسا، باعتبارهما نموذجين يجب احتذاؤهما، وفي الوقت نفسه دعا إلى بذل مزيد من الجهود لكفالة تحقيق التغيير المنشود، وذلك من طريق توعية المستهلكين، ودعم جهود الشباب والمجتمع المدني العاملة في مجال التوعية من أخطار الهدر في الملابس، ومساندة الحكومات عبر وضع لوائح تعزز الاستدامة وشركات الأعمال التي تتبنى مبدأ الاقتصاد الدائر والحد من الهدر، وتعضيد كفاءة الاستخدام عبر سلاسل الإمداد الخاصة بها.
وأنهى الأمين العام رسالته بالقول "في اليوم العالمي للقضاء على الهدر هذا العام، دعونا نلتزم بضمان ألا تأتي مواكبة آخر صيحات الموضة والأزياء على حساب مصلحة الناس والكوكب".
قبل بضعة أعوام، حذرت الباحثة في تصميم الأزياء ماغي يونغ من تفاقم نسب الهدر في صناعة المنسوجات والأزياء، وقالت أثناء مشاركتها في ملتقى "تنوين" الإبداعي (الذي أطلقه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء") إن التزايد الخطر في هدر الأنسجة بدأ منذ عام 1980، وتضاعف نحو 10 مرات، وهو ما يتطلب النظر إلى مستقبل الأنسجة والطرق المثلى لاستخدامها بصورة مختلفة.
يشار إلى أن صناعة الأزياء تشارك بنحو 10 في المئة من الإجمال العالمي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتنتج نحو 20 في المئة من مياه الصرف عالمياً، وتستهلك كمية من الطاقة تفوق ما يستهلكه قطاعا الطيران والنقل البحري معاً.
على سبيل المثال لا الحصر فإن تصنيع بنطلون الجينز الواحد يتطلب كيلوغراماً من القطن، وزراعة هذا الكيلوغرام تحتاج إلى ما بين 7500 و10 آلاف ليتر ماء.
عدو أم صديق؟
وحين اعتقد البعض أن الحل يكمن في الألياف الصناعية مثل البوليستر، التي يصنع منها نحو 65 في المئة مما يرتديه سكان الأرض حالياً، اتضح أن مصانعها تستهلك نحو 79 مليون برميل نفط سنوياً، والمثير أن إنتاج القميص البوليستر الواحد ينجم عنه ضعف انبعاثات الكربون الناجمة عن قميص القطن، كذلك فإن تحلل البوليستر حيوياً يستغرق مئات الأعوام، وقد تتسرب أليافه الدقيقة إلى الأرض ملحقة الضرر بها.
في اليوم الدولي للقضاء على الهدر، والمخصص هذا العام لهدر الملابس والمنسوجات، تقف المنطقة العربية في خانة ملتبسة، فغالب الدول العربية بعيدة من قوائم أكثر الدول تصنيعاً للملابس، وهي القوائم التي تسيطر عليها الصين ودول الاتحاد الأوروبي ثم بنغلاديش وفيتنام وتركيا والهند وماليزيا وإندونيسيا.
في الوقت نفسه تقف الدول العربية ذات الدخل المرتفع في القلب من قائمة الدول الأكثر استيراداً للملابس والمنسوجات، في حين تتبوأ بقية الدول العربية ذات مستويات الدخل المتوسط والمنخفض والمنخفض جداً مكانات متقدمة على قوائم الدول المستوردة للملابس المستعملة والمسماة بـ"البالة".
نعمة ونقمة
في اليوم الدولي للقضاء على الهدر، والموجه للملابس هذا العام، يقف العالم على جبهتي نقيض في ما يتعلق بالملابس المستعملة، الأولى تعدها ذات تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي للغاية، إذ إنها تقلل انبعاثات الكربون وتوفر كثيراً من الموارد والمياه والطاقة، والثانية متشددة إزاء آثار الملابس السيئة، بما فيها المستعملة، في البيئة والموارد وخير الكوكب وسكانه، وهناك من يناشد عملاء الملابس المستعملة شراء قطعة واحدة بدلاً من قطعتين كل عام، إذ إن ذلك يؤدي إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يزيد على ملياري رطل.
تقرير صادر عن "كريدنس ريسرتش" المتخصصة في بحوث واستشارات السوق عن الملابس المستعملة، يؤكد أنه بحلول عام 2027 ستتضاعف قيمة هذه السوق لتصل إلى 350 مليار دولار، وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يتوقع أن ترتفع قيمة سوق الملابس المستعملة من 1.6 مليون دولار عام 2023 إلى 3.3 مليون دولار بحلول عام 2032.
والتقرير يفسر ذلك في ضوء وعي المستهلك في هذه المنطقة بمبدأ الأزياء المستدامة، وأهمية ارتفاع قيمة الدخل المتاح للإنفاق على الاستثمار، أو الادخار أو شراء منتجات أو خدمات أخرى أكثر منفعة أو حتى التبرع، وأصبح المستهلك في هذه المنطقة أكثر قبولاً لفكرة ارتداء الملابس المستعملة، وهو ما أسهم فيه انتشار صفحات على منصات الـ"سوشيال ميديا" تروج للفكرة وتشجع عليها أو تعرض ملابس مستعملة للبيع بصورة جذابة، بل تحول البعض إلى اعتناق "تريند" الأناقة المختلفة والمتفردة عبر اقتناء الملابس القديمة، ويبقى هناك عامل أقوى وهو العامل الاقتصادي الذي يدفع أعداداً متزايدة في الدول العربية ذات الدخل المنخفض إلى اللجوء لسوق الملابس المستعلمة كمخرج من ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الفعلية للدخل، وبالطبع الفقر وضيق ذات اليد.
أزياء في صراعات
الدول العربية الواقعة في براثن الصراع ليست بعيدة من عالم الملابس والأزياء، تقارير عدة تتحدث عن معضلة كبرى تواجه سكان غزة منذ بداية الحرب، لا سيما في الشتاء، شح الملابس وعدم القدرة على شراء الجديد أو حتى القديم منها، لا سيما في ظل النزوح المستمر وعدم إمكان حمل محتويات خزانات الملابس مشياً على الأقدام عشرات وربما مئات الكيلومترات، أدت إلى بزوغ مشكلة شح الملابس، ومن ثم استحالة هدرها، ووصل الأمر إلى درجة اضطرار بعضهم إلى صناعة ملابس شتوية من البطاطين والأغطية الصوفية القديمة.
في اليمن، وفي ظل أعوام الصراع الممتدة يعاني أهله شح الملابس لا هدرها، وجاء اللجوء للملابس المستعملة، لا حفاظاً على البيئة بل حفاظاً على الكرامة، وإعادة تدوير الملابس الموجودة في البيت الواحد حيث يتوارثها الصغار عن الكبار.
وضع مشابه يعانيه أهل السودان الممزق في حرب تأبى أن تنتهي، فمن لجوء إلى الملابس المستعملة إلى اعتماد على الملابس التي تأتي ضمن قوافل المساعدات، أو إعادة تدوير المتاح لدى الأسر، يظل السودان بعيداً من شبهة هدر الملابس.
هدر الطعام للجميع
وإذا كانت الملابس غير مهدرة في غالب الدول العربية، لأسباب اقتصادية تحول دون الإفراط في اقتنائها أو اتباع هوس الموضة أو الإذعان لإلحاح مواقع الإنترنت وتأثير الـ"سوشيال ميديا"، فإن الهدر العربي حاضر في مجالات أخرى أبرزها الطعام.
هدر الطعام عربياً يساوي بين الغني والفقير، الغني يهدر الطعام شراء واستهلاكاً، وكذلك الفقير، بصرف النظر عن مكونات وأسعار الطعام المهدر، الغني يهدر الطعام الغالي والفقير يهدر الطعام الرخيص.
في اليوم الدولي للقضاء على الهدر يرفع غالب الدول العربية راية الهدر الغذائي. عادات الأكل وتقاليد الشراء تضع بعض دول المنطقة ضمن الأكثر هدراً للطعام، بين هذه الدول الأعلى دخلاً والأقل دخلاً، مما يعني أنه لا الغنى أو الفقر يؤثر سلباً أو إيجاباً في معدلات هدر الطعام.
مؤشر هدر الطعام في العالم يشير إلى أن كميات الهدر للشخص الواحد عربياً تتباين تبايناً كبيراً، فالحد الأدنى هو 84 كيلوغراماً مهدراً من الطعام في ليبيا، و207 كيلوغرامات في محافظة قنا المصرية وحدها.
بحسب معدلات هدر الطعام الأحدث على موقع "بوبيولايشين ريفيو"، أهدرت السعودية 3.8 مليون طن طعام في 2024، والصومال 1.6 مليون، وتونس 2.1 مليون، والأردن 1.1 مليون، و701 ألف طن في لبنان، و451 ألفاً في عمان، و1.1 مليون طن في الكويت، و251 ألف طن في قطر، و18.1 مليون طن في مصر.
يشار إلى أن معدل هدر الطعام السنوي في الصين يبلغ 108 ملايين طن، وفي أميركا 60 مليوناً، وينبغي وضع تعداد السكان في كل بلد على حدة في الاعتبار.
على هدر واحد
الغريب واللافت أن هدر الطعام ليس مشكلة الدول الغنية، بل تشترك معها الدول ذات الدخل فوق المتوسط والأدنى. عام 2022 أهدرت عائلات الأرض أكثر من مليار وجبة يوماً، في وقت كان 783 مليون شخص يعانون الجوع، وثلث البشرية تقريباً تواجه انعدام الأمن الغذائي.
في اليوم العالمي للهدر ما زال الطعام هو أول ما يرد على البال لدى الحديث عن الاستخدام غير الرشيد، وحين تؤكد التقارير أن الفقراء يهدرون الطعام بالوتيرة نفسها التي يهدر بها الأغنياء، فإن الأسباب والتعليلات تراوح ما بين حصول بعضهم على مقررات غذائية على سبيل الدعم الحكومي أو المساعدات من جهات مختلفة، وربما يكونون في غير حاجة إليها مما يدفعهم إلى التخلص منها، وهناك من يشير إلى عامل حرارة الجو في الدول التي تعاني نسبة من سكانها الفقر وعدم قدرتهم على حفظ الطعام في أماكن صالحة لذلك مما يدفعهم إلى التخلص من كميات كبيرة من الطعام الفاسد.
يضاف إلى ذلك عوامل نفسية تتعلق بالرغبة في تعويض الحاجة إلى مسكن جميل مريح، أو إمكانات ترفيه، أو فرصة تعليم جيد، وغيرها من الأحلام غير الممكنة، ويكون ذلك عبر الإفراط في شراء الطعام "الرخيص" الذي يفوق الحاجة، كذلك فإن الكرم المرتبط بالعرب لا يفرق بين غني وفقير، وهي العادة التي تدفع البعض إلى المبالغة في شراء الطعام، لا سيما بغرض إكرام الضيف.
وهناك عامل الوعي وثقافة الترشيد واعتياد تجهيز وشراء الطعام بحسب الحاجة لا القدرة المادية فحسب، مع مراجعة برامج دعم الفئات الأكثر احتياجاً بكميات ونوعيات طعام قد لا تكون هي الأمثل.
الهدر الرمضاني
من المظاهر والظواهر الغريبة المرتبطة بالهدر العربي في الطعام وارتفاع معدلاته، وبعضها بصورة جنونية، ما يحدث في شهر الترشيد والتعبد والروحانيات والبعد من الماديات.
وعلى رغم الأوضاع الإقليمية الملتهبة، وارتفاع مستويات الجوع وانعدام مستوى الأمن الغذائي في كثير من الدول، والأوضاع الاقتصادية الصعبة في دول أخرى، فإن الهدر ما زال واضحاً في رمضان.
بحسب كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة "فاو" (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة) في أعوام سابقة، فإن بين 25 و50 في المئة وأحياناً ترتفع النسبة إلى 60 في المئة، مما يعد من طعام لموائد رمضان يُهدر ولا يُستفاد منه.
الأعوام الماضية شهدت كثيراً من المبادرات الرسمية والأهلية لتقليل الهدر، لا سيما في رمضان، وذلك عبر التوعية من جهة، وتوجيه الطعام الزائد على الاحتياج والصالح للاستهلاك إلى المحتاجين.
في مصر، تنشط حملات "بنك الطعام" لتوعية المصريين بالترشيد، ويعمل على إطعام أكثر من مليون ونصف المليون أسرة خلال الشهر مما يفيض من مأكولات الفنادق. مبادرات مماثلة تُطلق في رمضان، بالتعاون بين جمعيات خيرية وفنادق وقاعات مؤتمرات، إضافة إلى حملات التوعية بأضرار هدر الطعام.
ويشهد المغرب والأردن وتونس والإمارات وغيرها من الدول العربية أنشطة مماثلة في الشهر الكريم، بهدف التوعية وإطعام الفئات الأكثر احتياجاً.
ويبقى الهدر في يومه العالمي ثقافة، فمن يهدر الطعام يهدر المياه والطاقة والأشجار والملابس، والعكس صحيح، أي عدم الإهدار، وتحديداً في ملف الملابس الذي يحتفى به اليوم يحتاج إلى تحول منهجي يرتكز على تبني ممارسات إنتاج واستهلاك مستدامة وحلول دائرية.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن نهج "صفر نفايات" هو حجر الزاوية لهذا التحول، ويمكن للمستهلكين الإسهام في تقليل الآثار البيئية بتبني أساليب إعادة الاستخدام والإصلاح وإعادة التدوير، والابتعاد عن الموضة السريعة، والاستثمار في الملابس المتينة والعالية الجودة، مما يحافظ على الموارد ويعزز مبادئ الاستدامة.
خطوات منع الهدر
ويقع على عاتق القطاع الخاص مسؤولية كبيرة، تتمثل في تصميم منتجات متينة وقابلة للإصلاح وإعادة التدوير، مع اعتماد نماذج أعمال دائرية تسهم في الحد من التلوث الكيماوي، وتقليل الإنتاج واستخدام مواد مستدامة والمساعدة في استعادة التنوع البيولوجي.
سفيرة النيات الحسنة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفنانة الماليزية ميشيل يوه، تقول في مناسبة اليوم الدولي للقضاء على الهدر "أصبحت الأزياء متاحة للجميع، ولدينا كثير منها، لكن الكلفة الفعلية أعلى وأكثر تدميراً مما نعتقد، فلنكن مستهلكين مثقفين مطلعين".
تدعو يوه إلى اتباع خطوات عدة قبل شراء الملابس والأزياء، منها قراءة الملصق على قطع الملابس جيداً والتحقق من مكوناته، هل هي صديقة للبيئة وداعمة للاستدامة أم لا، والسؤال "من صنع ملابسي؟" للتأكد من أنها علاقات عمل طيبة لا تسلب فيها حقوق العمال، والتأكد من أن المصنع أو الشركة المصنعة تلتزم مواثيق الموضة المتفق عليها عالمياً مثل تقليل الانبعاثات ومواجهة التلوث وغيرهما، ومقاطعة الملابس التي لا يلتزم مصمموها أو مصانعها مبدأ عدم الإضرار بالبيئة الطبيعية في دولة المنشأ، وفي حال لم تتوافر المعلومات أو توافرت ولكن جاءت غير مرضية، فربما يجدر بالمشتري أن يعيد تدوير قطعة ملابس قديمة لديه، وهو ما يفعله الغارقون في الفقر، والواقعون في براثن الحرب من دون انتظار اليوم الدولي للقضاء على الهدر.