ملخص
قسمت قضية أوروبا #حزب_المحافظين البريطاني منذ خمسينيات القرن الماضي فهل ينهي اتفاق #سوناك حول #إيرلندا_الشمالية هذه الانقسامات؟
قسمت قضية أوروبا حزب المحافظين منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما طرح البريطانيون للمرة الأولى فكرة الانضمام الى مجتمع اقتصادي أوروبي جديد. في البداية، عارض المحافظون هذا المفهوم، ثم غيروا رأيهم ليصبحوا حزب أوروبا في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20، قبل أن يبدلوا موقفهم مرة أخرى في العقد الثاني من القرن الحالي، لينتهي بهم الأمر كحزب بريكست.
مع إنجاز ريشي سوناك الآن صفقة كانت مستبعدة مع الاتحاد الأوروبي حول بروتوكول إيرلندا الشمالية، ما يعني أن شيئاً ما يشبه السلام في نزاعات المحافظين الداخلية الأبدية قد يكون على قاب قوسين أو أدنى. ولكن لا يزال هناك عدداً من الأسئلة التي تنتظر الإجابة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف يبدو إطار عمل وندسور الذي وضعه سوناك مقارنة مع جهود أسلافه؟
إنه إنجاز أصغر بكثير من، على سبيل المثال، معاهدة روما [انبثقت في سنة 1957 وشكلت نواة التكتل الاقتصادي الأوروبي] (التي صادقت عليها المملكة المتحدة في 1972) ومن معاهدة ماستريخت (1993) [التي تشكل عقبها الاتحاد الأوروبي]، أو اتفاق التجارة والتعاون بين الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة لعام 2021 (الذي يعد بروتوكول إيرلندا الشمالية جزءاً منه)، لكن البروتوكول أثبت أنه أكثر جوانب بريكست صعوبة.
ولم يتم حتى الآن حل كل التناقضات وتبديد كل الغموض، ولكن يبدو أن سوناك ومسؤولي الاتحاد الأوروبي قد اقتربوا بالقدر الممكن من ضمان تفكيك المعضلة. والمفارقة هي أن سوناك، خلافاً لبوريس جونسون مخلص ومؤيد قديم العهد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد نجح حيث فشل جونسون، ووضع العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على أسس أكثر وداً وأماناً.
هل انتهت حرب المحافظين الأهلية حول أوروبا؟
لا [لم تنته]. فالترتيبات الحالية، في نظر بعضهم، غير مرضية بشكل جوهري، وذلك بسبب الترتيبات الخاصة بإيرلندا الشمالية والالتزامات المتبقية التي تشتمل عليها معاهدة بريكست، مثل أحكام "تكافؤ الفرص" بشأن البيئة. وإن القطيعة التامة مع الشروط التجارية لمنظمة التجارة العالمية، إضافة إلى الحدود الاقتصادية الصارمة التقليدية في جزيرة إيرلندا [بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا في الجنوب]، وحدهما ستكونان جيدتين بما فيه الكفاية.
هل كان جميع رؤساء الوزراء أو القادة المحافظين متشككين في أوروبا؟
قطعاً لم يكونوا جميعاً كذلك. تعامل معظمهم مع أوروبا وحاولوا إنجاحها. وكانت مارغريت تاتشر أبرز مثال على هؤلاء. فعلى رغم مشاحناتها مع قادة [أوروبيين] آخرين حول الموازنات، والتشكك الفطري في أوروبا [الذي اتسمت به]، فقد قامت بحملة من أجل بقاء المملكة المتحدة في أوروبا في استفتاء عام 1975، والأهم من ذلك أنها دعمت إنشاء السوق الموحدة، من عام 1986 وحتى اكتمالها الجزئي في عام 1992.
واشتمل ذلك على تخفيف صرامة حق النقض الوطني. لقد كانت مساهمة المملكة المتحدة في المشروع الأوروبي ثابتة، على رغم أن معارضي التكامل مع أوروبا يشتمونه اليوم.
كان تيد هيث، الرجل الذي أدخل بريطانيا أخيراً إلى أوروبا، مع إيرلندا والدنمارك، في عام 1972، وهو أبرز "أوروبي" في السياسة البريطانية وأكثرهم تفانياً على الإطلاق. وقد كرس حياته السياسية للقضية [الأوروبية]. وهو فهم أوروبا على أنها مشروع سياسي، من النوع الذي كان ضرورياً للحفاظ على السلام في قارة شهدت حربين عالميتين في النصف الأول من القرن الـ20.
وكان هيث كبير المفاوضين [الذي عينه رئيس الوزراء] هارولد ماكميلان [لمتابعة] الطلب الأول للانضمام إلى أوروبا في عام 1961 الذي لقي الفشل عندما اعترض عليه الرئيس الفرنسي شارل ديغول. وكان ديغول يشعر بالريبة من أن البريطانيين سيكونون بمثابة "حصان طروادة" للأميركيين، وأن انضمامهم سيشكل تهديداً لقيادة فرنسا السياسية لأوروبا التي كانت آنذاك مجموعة أصغر مؤلفة من ست قوى أوروبية غربية.
وكان لا بد من انتظار خروج ديغول من الساحة، ووصول هيث إلى رئاسة الوزراء في عام 1970، لكي يصبح من الممكن إقناع القادة الأوروبيين بأن المملكة المتحدة ستكون دولة عضو مخلصة ومؤمنة بالاندماج [مع الدول الأعضاء]، وليست زميلة دائمة التذمر في رحلة نحو الوحدة الأوروبية التي لم تؤمن بها بريطانيا حقاً.
ما الذي تدور حوله الحجج المطروحة داخل حزب المحافظين؟
التوقعات والمال والسلطة. من الناحية التاريخية، فإن المملكة المتحدة، بإمبراطوريتها. والكومنولث، و"العلاقة الخاصة" [التي تمتعت بها] مع الولايات المتحدة، ناهيك عن تقاليدها البحرية والسياسية والقانونية المميزة، لم تنظر في كثير من الأحيان إلى "القارة" فحسب، بل اعتبرت العالم كله مسرحاً لها. وجاء في اقتباس ينسب غالباً إلى ونستون تشرشل، أنه إذا كان على بريطانيا أن تختار، فستختار دائماً البحر المفتوح.
ولنقل بشكل أقل شاعرية، أنه تم إنشاء الاتحاد الأوروبي الأصلي لحماية المزارعين الفرنسيين والألمان، في حين كانت بريطانيا تحصل بشكل تقليدي على السلع الغذائية والمواد الخام من أنحاء العالم كافة. كانت الضرائب على المواد الغذائية المستوردة وهيكل الموازنة الأوروبية يؤديان إلى جعل بريطانيا، التي لم تكن بأية حال من الأحوال أغنى دولها، تقدم مساهمة صافية ضخمة. ومن هنا جاء الزعم الشهير المبالغ على "حافلة بريكست" [حافلة استخدمت للترويج لحملة بريكست] بأن العضوية في الكتلة "تكلف" 350 مليون جنيه استرليني (421 مليون دولار) في الشهر.
ثم إن هناك مسألة السلطة، أو بالأحرى "السيادة". إن هذا الإيمان بالسيادة الوطنية والبرلمانية المطلقتين هو شيء تمدد ليشمل الأحزاب كلها، وكان أقوى في الماضي في حزب العمال، حيث كان توني بن ومايكل فوت من المؤمنين الرومانسيين بالتفويض الديمقراطي لمجلس العموم.
ولا تزال الحجج نفسها التي تعود إلى عقود ماضية تتردد اليوم في أوساط المحافظين، ومفادها بأنه لا يمكن لأحد، وحتى لو كان رئيس وزراء أو كان برلماناً، التخلي عن الوضع التاريخي والدائم، وعن حقوق وامتيازات مجلس العموم. أما شخصيات مثل هيث والمؤيدين لأوروبا دعوا إلى السيادة المشتركة أو "المجمعة"، بمعنى أنه بينما كان "لأوروبا" كلمة أقوى بشأن ما يحدث في بريطانيا، كان لبريطانيا بدورها كلمة أقوى بخصوص ما يحدث في أوروبا.
المفارقة الكبرى هي أنه بحلول الوقت الذي أجري فيه استفتاء عام 2016، كان الاتحاد الأوروبي اتخذ شكلاً يلائم الأجندة البريطانية من نواح عدة. فقد قام بتعميق السوق الموحدة، ورحب بانضمام دول الشمال الأوروبي وأوروبا الشرقية (التي غالباً ما انحازت إلى البريطانيين في النزاعات)، وكان الدافع على [إقامة] "اتحاد أكثر تقارباً من أي وقت مضى" يتباطأ، حين تمكن ديفيد كاميرون من التخفيف من أثر ذلك كله في محاولته الفاشلة عام 2016 من أجل "إعادة التفاوض" [عبر خسارته الاستفتاء].
وكانت المملكة المتحدة قد تفاوضت بشأن الانسحاب من أجزاء مشروع الاتحاد الأوروبي التي كرهتها أكثر من غيرها، مثل اليورو، فضلاً عن اقتطاعات في الموازنة. واجهت منطقة اليورو مشكلات كبيرة، لكن المملكة المتحدة كانت بمعزل عن أسوأ آثارها. وبشكل عام، كانت صفقة جيدة جداً، وكانت "الدولة العظمى" الفيدرالية المخيفة احتمالاً أقل واقعية من أي وقت مضى.
كم عدد رؤساء الوزراء المحافظين الذين ساهمت المسألة الأوروبية في إسقاطهم؟
ساهمت بدرجة أكبر أو أقل في اسقاطهم جميعاً تقريباً، بدءاً من هارولد ماكميلان. كان قد وضع نصب عينيه عضوية المجموعة الأوروبية الديناميكية سريعة النمو كطريقة من أجل عكس التراجع النسبي لبريطانيا. لقد كان التوجه الأوروبي حقاً حجر الزاوية في الاستراتيجية الاقتصادية لحكومته، ولذلك فإن الفيتو الفرنسي عام 1963 حطم حكومته فعلياً. وقد ساهم الإذلال الواضح للغاية على يد ديغول في هزيمة حزب المحافظين عام 1964.
أما في حالة تيد هيث، فقد كان لخروجه من منصبه في عام 1974، ومن زعامة الحزب بعد عام، علاقة في الغالب بسلسلة من الكوارث الاقتصادية، ومن العدل أن نقول إن الانضمام إلى المجموعة الأوروبية (أو "السوق المشتركة") لم يكن يحظى بالشعبية في الأوساط كلها. ولكن كان تدخل إينوك باول، الذي أشار على ناخبي حزب المحافظين بالتصويت لحزب العمال لأنه كان يطرح استفتاء على البقاء ضمن المجموعة الأوروبية، وهو ما أدى إلى تذبذب كاف في مقاعد هامشية في مناطق وست ميدلاندز لصالح حزب العمال الذي حرم هيث من الفوز بالانتخابات.
كانت الانقسامات حول السياسة الأوروبية وخيار الانضمام إلى عملة أوروبية موحدة جديدة، هي التي ساعدت في تجريد مارغريت تاتشر من منصبها في عام 1990. وتمكن جون ميجور من النجاة من الانقسامات العميقة بشأن معاهدة ماستريخت، لكن الصراعات من أجل تمرير المعاهدة أدت إلى إضعافه، وفي إحدى جلسات تصويت، كان عليه أن يعتمد على بادي أشداون والديمقراطيين الليبراليين لمنع سقوط حكومته.
بدت إدارة ميجور وحزبه منقسمين بشكل ميؤوس منه، وربما زاد هذا من وقع الهزيمة التي تعرض لها في عام 1997، وزاد عليه تدخل "حزب الاستفتاء" Referendum Party بزعامة جيمس غولدسميث، مما أفضى إلى إثارة مزيد من المتاعب.
وأنهت خسارة الاستفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016 مسيرة كاميرون بشكل مفاجئ، أما فشل تيريزا ماي في تنفيذ بريكست فقد أدى بها إلى خسارة أغلبيتها [البرلمانية] في انتخابات 2017 المبكرة. وكانت ستنهي ولايتها في "داونينغ ستريت" في عام 2019.
ومن المفارقات أن جونسون هو رئيس الوزراء المحافظ الذي جير أوروبا لصالحه، وشن هجومه على مؤسسة الحزب في الاستفتاء كما استغل الوعد بـ"تنفيذ بريكست" من أجل الفوز بأغلبية شبه ساحقه في انتخابات 2019. ومع ذلك، ربما كانت صفقته [الخاصة ببريكست] الفاشلة هي التي جلبت أخيراً نهايته.
هل سيدمر الاقتتال الداخلي حول هذه القضية سوناك؟
الغريب أنه لا ينبغي أن يفعل ذلك، لا بل قد يعزز سمعته ويساعده في الواقع في البقاء كزعيم. إنه محظوظ إلى حد ما لأنه جاء الى السلطة بعد ست سنوات من الحرب الأهلية المستمرة إلى حد ما في حزبه والنقاشات المريرة التي شهدتها البلاد في كثير من الأحيان.
لقد ضاقت بريطانيا ذرعاً ببريكست بكل ما في الكلمة من معنى، ولا تريد شيئاً أكثر من بعض الهدوء والسكينة. ومن المرجح أنه حتى أولئك الذين يكرهون صفقة سوناك سيتحملونها لفرط الإرهاق وعدم وجود بدائل. هذا هو السبب في أن إعلان مجموعة عادية نوعاً ما من التغييرات المفصلة والمتواضعة نسبياً في الترتيبات التجارية في إيرلندا الشمالية، يصبح موضع ترحيب في عدد من الأوساط كما لو كان يوم النصر [في الحرب العالمية الثانية].
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يكون أقل سعادة من جونسون، الذي فشل حيث نجح سوناك. من الصعب القول إلى متى سيستمر السلام النسبي [في أوساط حزب المحافظين]. ستبدأ المحادثات حول حصص الصيد [البريطانية - الأوروبية] من جديد في غضون عامين...
© The Independent