Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حملة شرسة غير مسبوقة في تونس على المحتكرين

مهنيون يؤكدون سيطرة المافيات التجارية على قطاعات استهلاكية وسط موجة غلاء ومضاربة على الأسعار

توقع خبراء تواصل حملة محاربة المضاربين والفاسدين في الفترة المقبلة (أ ف ب)

ملخص

وصف الرئيس التونسي #قيس_سعيد المضاربين بالفاسدين معتبراً أن التوازنات الحقيقية تستوجب محاربة #الفساد والمتلاعبين بقوت الشعب

تشهد تونس حملة لمواجهة الاحتكار والمضاربة، وهي استمرار لبرنامج أعلنت عنه السلطات منذ أكثر من سنة، وتمت بمقتضاه توقيفات في صفوف تجار جملة ورجال أعمال واجهوا خلالها تهم ممارسة الاحتكار والمضاربة بإخفاء مواد وتخزينها. وسجلت توقيفات جديدة في الأيام الأخيرة شملت رجال أعمال وجهت إليهم تهم التآمر على أمن الدولة الغذائي، وأطلقت وزارة التجارة حملات رقابية في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لمقاومة المضاربة والاحتكار في المواد الأساسية، وكشفت عن كميات من المحجوزات التي تمثلت في أطنان من السلع بمخازن في محافظات مختلفة، في حين وصف الرئيس التونسي قيس سعيد المضاربين بالفاسدين معتبراً أن التوازنات الحقيقية تستوجب محاربة الفساد والمتلاعبين بقوت الشعب، واتهم المحتكرين بالتواطؤ مع أطراف معلومة لتجويع التونسيين بهدف إحداث اضطرابات اجتماعية.

يذكر أن سعيد أصدر أمراً رئاسياً، رقم 117 لسنة 2021، لمقاومة المضاربة غير المشروعة ولتأمين التزويد المنتظم للسوق ومسالك التوزيع. ويعد، بمقتضاه، جريمة مضاربة غير مشروعة، كل تخزين أو إخفاء للسلع أو البضائع أياً كان مصدرها وطريقة إنتاجها، ويكون الهدف منه إحداث ندرة فيها واضطراب في تزويد السوق بها، وكل ترفيع أو تخفيض مفتعل في أسعارها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط.

وأردف بمرسوم ثان، وهو عدد 14 مؤرخ في 20 مارس (آذار) 2022، يتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، ويحدد عقوبات مشددة لمرتكبيها إذ يعاقب بالسجن 10 سنوات، وبتعويض مالي قدره 100 ألف دينار (31.8 ألف دولار)، كل من قام بأحد الأفعال المجرمة بموجب هذا المرسوم باعتبارها مضاربة غير مشروعة. ويكون العقاب بالسجن 20 سنة وبتعويض مالي قدره 200 ألف دينار (63.7 ألف دولار) إذا كانت المضاربة غير المشروعة تتعلق بمواد مدعمة من ميزانية الدولة أو بالأدوية وسائر المواد الصيدلية.

في المقابل، ووجهت هذه الحملة بتشكيك من قبل ملاحظين ومنظمات تونسية، ووصفت حملة التوقيفات التي حصلت بموجبها، بالعشوائية وغير المستندة إلى قرائن قانونية، وهناك داعون إلى معالجة جذور هذه الظاهرة التي تمر عبر تنقيح القوانين وتحرير الاقتصاد لقطع الطريق على المتحكمين في سوق السلع بخاصة منها المواد الغذائية والأدوية.

توقيفات ومحجوزات

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، هذا الأسبوع، عن تعهد إحدى فرقها بالبحث مع صاحب إحدى الشركات المتخصصة في بيع وتزويد الأسواق بمادة القهوة، الذي تعلقت به قضيتان، الأولى "تتعلق بالتآمر على ما أطلقت عليه أمن الدولة العام الغذائي باحتكار مواد غذائية استهلاكية وعدم تزويد السوق المحلية بها"، والثانية من أجل "شبهة تبييض أموال والتوريد من دون إعلام بضاعة خاضعة لقاعدة إثبات المصدر والتعامل بين مقيم وغير مقيم بعملة أجنبية من دون الحصول على موافقة البنك المركزي وعدم التصريح بمكاسب قصد التهرب الضريبي".

واعترف باتفاقه مع صاحب شركة متخصصة في بيع وتزويد الأسواق بمادة القهوة على عدم تزويد السوق المحلية بالمادة المذكورة، وبإجراء عمليات التفتيش والمراقبة على مقار الشركتين المذكورتين بمشاركة فرق تابعة لوزارة التجارة وتنمية الصادرات، وتم حجز 50 طناً من مادة القهوة تقدر قيمتها المالية بـ1.7 مليون دينار (541 ألف دولار)، وتم الإذن بضخها بالسوق.

وتكشف وزارة التجارة وتنمية الصادرات تباعاً على نتائج عمليات الحجز التي تأتي في إطار ما أطلقت عنه البرنامج الوطني لمكافحة الاحتكار والمضاربة، وقامت مصالح المراقبة الاقتصادية، في عدد من المحافظات، بحجز مواد غذائية متنوعة بمخازن قانونية أو عشوائية على حد سواء بغرض الزيادة غير القانونية في أسعارها، وتتنوع بين الدقيق والمعجنات والسكر والمياه المعدنية والقهوة والغلال، وأعلنت عن تتبع المخالفين طبقاً للتشريع الجاري به العمل.

انتقادات

في المقابل، انتقدت منظمة "أنا يقظ" (مستقلة) الحملة التي كانت قد انطلقت منذ إصدار المرسوم المذكور، وشككت في اقتران غياب المواد الأساسية بالاحتكار والمضاربة وإخفاء هذه المواد وتخزينها، متهمة السلطات بتضخيم عمليات المضاربة والتمسك بتشديد الخناق الأمني والقضائي على الموقوفين الذين وصفوا بالمجرمين. وكشفت المنظمة عن أن الإحصائيات التي تحصلت عليها تفيد بأن الملاحقات الأمنية للمواطنين والتجار والتوقيفات التي وصفتها بالعشوائية في صفوفهم، أفضت إلى إطلاق سراح نحو 92 في المئة من المظنون فيهم والمتهمين بممارسة الاحتكار والمضاربة خلال الأشهر السبعة الأولى التي تلت إصدار مرسوم الاحتكار بالرائد الرسمي، وتم إطلاق سراح 2318 شخصاً من أصل 2542 مظنون فيهم في الفترة الفاصلة بين 11 مارس 2022، والسابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وهي إحصائيات تدل على الطابع العشوائي لهذه التوقيفات وفشل تحقيق الهدف الذي وضع من أجله المرسوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر أن الحملة قوبلت بموجة من الانتقادات من قبل المهنيين في القطاع التجاري، وذكر نبيل العيادي رئيس الغرفة الجهوية لتجار المواد الغذائية بالجملة بتونس العاصمة (هيئة نقابية مستقلة)، أن المداهمات الأمنية للمخازن كانت لها نتائج عكسية وتسببت في مشكلات التزود بالمواد الأساسية في الأسواق التونسية، بسبب عدم تنفيذ عمليات الرقابة بشكل ناجع، وتم اعتبار السلع المخزنة بقصد توزيعها مواد محتكرة، وإيقاف عدد من تجار الجملة تحت طائلة مرسوم مكافحة الاحتكار الأمر الذي خلق خوفاً دفع البقية إلى التفريط بالسلع، ما هيأ لنقص في السوق.

في المقابل، استحسن خميس عفية رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة (منظمة مستقلة) "انتهاج السياسة الردعية الحالية لمواجهة الاحتكار والاقتصاد الريعي"، داعياً إلى وضع استراتيجية متكاملة لمعالجة حلقات الإنتاج والتوزيع تنطلق من مراجعة كراس الشروط (القانون المنظم) ونظام الرخص البالي، على أن ينتهج منوالاً أكثر تحرراً يوسع مساحة ممارسي النشاط التجاري ويخفض من حجم الأداءات التي كرست احتكار السوق من قبل اللوبيات المسيطرة عليه، والمتحكمة في الأسعار ونسق تدفق السلع، وتوقع عفية تواصل حملة محاربة المضاربين والفاسدين في الفترة المقبلة متوقعاً سقوط رؤوس كبيرة، وفق تعبيره.

مافيا

في حين اعتبر علي العبيدي نائب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة (مستقلة) أن إصلاح القوانين، وحسب، يمهد للتخلص من الفساد الذي يعم حلقات التوريد والتوزيع في تونس ويمر بالأساس عبر حذف الرخص التي مكنت عائلات محدودة من احتكار السوق بتحوزها على رخص التوريد والتوزيع وقطعها الطريق على المنافسين بحكم تنفذها واقترابها من أوساط السلطة طوال عقود. ولا يرتبط ذلك بالمواد الغذائية، وحسب، بل يتجاوزه إلى الأدوية ومواد البناء والتجهيزات الإلكترونية قائلاً "لكل قطاع المافيا التي تمسك به"، وقد تعمقت هذه الممارسات في السنوات الأخيرة التي استفرد فيها أفراد بحركة توريد السلع في تونس وتوزيعها ما أدر عليهم أموالاً طائلة وكرس هيمنتهم على الأسواق، والإصلاح، وفق العبيدي، يتطلب سحب البساط من تحت أقدام هؤلاء بتنقيح القوانين وبالتحديد حذف الرخص ومراجعة الأداءات وتطوير قانون الصرف "المتخلف" وتحرير الاقتصاد.

وبخصوص الأدوية، تتواتر التحذيرات من احتكار أسر بعينها قطاع الصيدلة في تونس، ولم يتجاوز عدد الصيدليات الخاصة الألفين منذ عقود، بسبب توارث الرخص، في حين نفى هشام البوغانمي عضو الجامعة العامة للصحة المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) تهمة الاحتكار وتخزين الأدوية على الشركات المصنعة أو الموزعين.

وأشار، في المقابل، إلى أساليب مختلفة للتحكم في سوق الأدوية في تونس تمر عبر معاملات مشبوهة بين المصنعين والموزعين، وهي تصنف بالمنافسة غير الشريفة بين المصنع العمومي الوحيد للأدوية و48 مصنعاً خاصاً، ويسيطر القطاع الخاص على سوق الأدوية باعتماده أساليب تسويق غير قانونية تعتمد خلق علاقات تجارية قائمة على معاملات مشبوهة تتسم بالمحاباة والتبجيل مع الموزعين تمكنهم من خنق السوق، الأمر الذي أدى إلى تهديدات جدية لصحة التونسيين في الفترة التي نفذوا فيها إضراباً احتجاجاً على حذف امتيازات جبائية (أداءات)، وسجلت الصيدليات نقصاً فادحاً في الأدوية منذ شهرين، ما يحتم اعتماد مراقبة لصيقة لقطع دابر المنافسة غير القانونية وخلق التوازن الضروري للسوق ضماناً إضافة إلى دعم القطاع العمومي وتطوير الجهاز التسويقي لديه.

اقرأ المزيد