تقدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس الأميركي مجدداً بقانون يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
ويسمح القانون الذي تم تقديمه أكثر من مرة خلال العقدين الأخيرين في نسخ مختلفة من دون مروره في الكونغرس، للحكومة الأميركية بمعاقبة "أوبك" أمام المحاكم الأميركية بتهم الاحتكار والتلاعب بسوق الطاقة، وبالتالي طلب تعويضات بمليارات الدولارات من الدول الأعضاء في المنظمة.
ومن غير الواضح إن كانت فرصة مرور القانون وعنوانه "قانون رفض كارتل المنتجين والمصدرين للنفط" ويعرف اختصاراً باسم (نوبك)، هذه المرة أفضل من سابقاتها أم لا، كما يخلص تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
وتقول الوكالة إن القانون لا يقتصر تأثيره في قطاع الطاقة بل يمتد إلى قطاعات مثل الصناعات العسكرية والأوضاع الجيوسياسية، ولذلك لم يحدث أن وصل إلى مرحلة التصويت عليه في الكونغرس.
وغالباً ما يلجأ المشرعون الأميركيون إلى طرح القانون المقبول من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري في حال أي خلاف مع الدول المنتجة للنفط، أو إذا ارتفعت أسعار الوقود في محطات البنزين الأميركية، وكان آخر تلك الأزمات العام الماضي حين قررت "أوبك" خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، فهددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بدعم القانون.
وقال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشك شومر إن القانون نوبك "مطروح على الطاولة"، لكن لم يحدث أن طرح للتصويت لا في مجلس الشيوخ ولا مجلس النواب في الكونغرس.
مناسبة دورية
وفي بيان له قال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري السيناتور تشك غراسلي عن ولاية أيوا وأحد أعضاء المجموعة التي تقدمت بـ "قانون نوبك"، "شهدنا أكثر من مرة كيف تتآمر ’أوبك‘ لتحديد سعر النفط عالمياً مما يؤدي إلى الاضطراب وارتفاع الأسعار للمستهلكين حول العالم، وعلى كارتل النفط والدول الأعضاء فيه أن يدركوا أننا ملتزمون بوقف تصرفاتهم الاحتكارية".
يذكر أن منظمة "أوبك" لا تحدد سعراً للنفط منذ ثمانينيات القرن الماضي، وإن كانت تقرر دورياً زيادة أو خفض الإنتاج بحسب وضع السوق، كما تؤكد على الدوام أن هدفها هو الحفاظ على استقرار العرض والطلب في السوق العالمية. ويدخل مشروع القانون تعديلات على "قانون مكافحة الاحتكار" الأميركي تلغي الحصانة السيادية التي تحمي "أوبك" وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد طرح قانون محاسبة "أوبك" مناسبة شبه سنوية، إذ لا تكاد تخلو دورة برلمانية من طرحه من دون أن يصل إلى مرحلة التصويت عليه حتى.
وتنقل وكالة "بلومبيرغ" عن رئيس مجموعة "رابيدان إنرجي" والمسؤول السابق في البيت الأبيض بوب ماكنالي قوله "يعد طرح قانون ’نوبك‘ علامة سنوية على أن فصل الربيع على الأبواب مثله مثل إزهار شجر الكرز، وبما أن فكرة القانون تروق لكلا الحزبين فلا يمكن استبعاد أنه سيمر من الكونغرس ذات يوم، لكن قانون ’نوبك‘ يتم طرحه كل عام تقريباً ولا يحدث أي شيء".
وعلى مدى العقدين الأخيرين كانت المرة الوحيدة التي صوت الكونغرس فيها على قانون "نوبك" كانت في عام 2007 بدعم من السيناتور جو بايدن الذي كان وقتها عضواً ديموقراطياً في مجلس الشيوخ، إلا أن تهديد الرئيس الجمهوري وقتها جورج بوش الابن باستخدام الـ "فيتو" ضده وأد محاولة تمرير القانون.
اعتراض الشركات
ومع كل مرة يطرح فيها القانون في الكونغرس تتضاءل فرص التصويت عليه وسط تهديدات الشركات الأميركية للنواب والشيوخ لإضرار القانون بمصالحها، فضلاً عن اعتراضات وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على القانون الذي يضر بالعلاقات الأميركية مع حلفاء مقربين.
وجاء تهديد البيت الأبيض الصيف الماضي في ذروة خلاف بين الإدارة الأميركية ودول رئيسة في "أوبك" تتقدمها السعودية التي رفضت ضغوط إدارة بايدن لزيادة الإنتاج حتى تنخفض أسعار الوقود في محطات البنزين بالولايات المتحدة، كما أن تعاون "أوبك" مع منتجين من خارجها بقيادة روسيا في تحالف "أوبك+" أثار انتقادات أميركية للمنظمة، بخاصة مع الحرب في أوكرانيا والحصار الاقتصادي على موسكو، إلا أن التهديد بطرح القانون خلال الصيف الماضي انتهى إلى لا شيء في ظل انتقادات صارخة من شركات الطاقة الكبرى في الولايات المتحدة.
ولطالما فشلت محاولات تمرير القانون من قبل نتيجة مقاومة مجموعات داخل قطاع الطاقة، مثل "معهد البترول الأميركي" الذي يعد ممثلا لمصالح معظم شركات الطاقة الأميركية، ويرى المعهد أن مشروع قانون كهذا "قد يضر بمنتجي النفط والغاز في الداخل"، فمن بين مخاوف القطاع أن يؤدي مشروع قانون "نوبك" في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج "أوبك" عن حاجة السوق مما قد يخفض الأسعار بدرجة تجد معها شركات الطاقة الأميركية صعوبة في تعزيز الإنتاج.
كما أن لدى السعودية ودولاً أخرى من أعضاء "أوبك"، بحسب خبراء الطاقة الأميركيين، أرخص الاحتياطات النفطية وأسهلها في الاستخراج، كما أنها تملك مرونة كبيرة في الإنتاج والتصدير.
وقال بعض المحللين في شهر مايو (أيار) الماضي إن الإسراع بسنّ القانون قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكان أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات زراعية لدعم الزراعة المحلية على سبيل المثال، ونقلت وكالة "رويترز" وقتها عن الزميل بمعهد "بيكر" بجامعة رايس المتخصص في شؤون الطاقة والنفط والمحلل والمدير السابق بوكالة المخابرات المركزية مارك فينلي قوله "إنها خطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حال غضب"، وذلك في إشارة إلى التصريحات النارية من البيت الأبيض ضد السعودية و"أوبك" وقتها.