Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيش الصحافة الجزائرية رهان الانتقال إلى الاحترافية؟

قانون الإعلام الجديد أثار الجدل بسبب المادة 22 الخاصة بالوسائل الأجنبية وإشادات بتعزيز حق الصحافي بالوصول إلى المعلومة وحماية مصادره

يترقب الوسط الإعلامي في الجزائر إقرار قانون يعزز حرية التعبير (الموقع الرسمي لوزارة الاتصال الجزائرية)

ملخص

#الجزائر تترقب قانونا للإعلام يراعي ضمان ممارسة إعلامية محترفة التوازن بين #الحرية_الصحافية والمسؤولية المهنية من خلال وضع ضمانات تكرس حق الصحافي في #حرية_التعبير

أقرت الجزائر قانوناً جديداً للإعلام أثار كثيراً من الجدل منذ الكشف عن مضامينه في أواخر العام الماضي، إذ دافع عنها البعض معتبرين أنها تهدف إلى "تنظيم" القطاع، بينما انتقدها آخرون، وقالوا إنها تستهدف "التضييق" على حرية الإعلام في البلاد.

وصوت مجلس الأمة، الغرفة العليا في البرلمان الجزائري، الخميس 13 أبريل (نيسان) الجاري، على مشروع قانون الإعلام بعد عرضه للنقاش والمصادقة من طرف المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان)، ومن المنتظر أن ينشر في الجريدة الرسمية، موقعاً من طرف الرئيس الجزائري، قبل أن يدخل حيز التنفيذ، غير أن مجلس الأمة تحفظ على المادة 22 من نص القانون العضوي والمتعلقة بتحديد آجال اعتماد الوسائل الإعلامية الخاضعة للقانون الأجنبي بـ30 يوماً، إذ رأت لجنة الثقافة والإعلام والشبيبة والسياحة أنها غير كافية، ومن ثم جمدتها لاحتوائها على تناقض يتنافى والغرض الذي تنشده أحكامها، فمن جهة تشترط حيازة الصحافي الذي يعمل بالجزائر لحساب وسيلة إعلام خاضعة للقانون الأجنبي على اعتماد وتحدد أجل 30 يوماً من تاريخ إيداع طلبه، ومن جهة أخرى تحيل هذه المادة كيفيات تطبيق أحكامها أو إجراءاتها إلى التنظيم، فضلاً عن أن اللجنة ترى آجال 30 يوماً غير كافية.

وسيتم التكفل بمسألة المادة 22 محل التحفظ والتجميد طبقاً لمقتضيات أحكام المادة 145 من الدستور الجزائري التي تنص "في حالة حدوث خلاف بين الغرفتين يطلب الوزير الأول أو رئيس الحكومة، بحسب الحالة، اجتماع لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء من كلتا الغرفتين، في أجل أقصاه 15 يوماً، لاقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف، وتنهي اللجنة نقاشاتها في أجل أقصاه 15 يوماً".

وصادق مجلس الحكومة أربع مرات على مسودة قانون الإعلام وأحاله إلى مجلس الوزراء برئاسة تبون، لكن الأخير كان يقرر في كل مرة تأجيل المصادقة عليه، ويطلب تعديلات جديدة.

إصلاح شامل

وأثناء عرضه أمام أعضاء مجلس الأمة، قال وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني إن القانون "يندرج في إطار الاستجابة الحتمية لتحيين المنظومة القانونية لقطاع الاتصال بما يتوافق مع المستجدات، لا سيما ما تعلقت بالمادة 54 من دستور 2020، المرتبطة بالإعلام والرامية إلى تكريس حرية الصحافة وتعدديتها واستقلاليتها وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة". وأوضح أن هذا النص يهدف إلى "تلبية تطلعات المواطن في الولوج إلى المعلومة الموثوقة وذات صدقية والاستجابة إلى حاجة مهنيي الإعلام في تنظيم المحكم لنشاطهم"، معتبراً أن "مواجهة المشهد الإعلامي الوطني لتحديات الإمداد الإعلامي لن يكون دون إصلاح شامل لأساليب عمل المنظومة من خلال إرساء قواعد قانونية جديدة توازن بين الحرية والمسؤولية".

وفي مجال الصحافة المكتوبة والإلكترونية، يتضمن القانون، بحسب الوزير، "إرساء النظام التصريحي الذي يقوم على التطبيق المبسط لإنشاء وسائل الإعلام بدلاً من نظام الاعتماد المعمول به حالياً"، إضافة إلى إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية التي تعد "هيئة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي وتضطلع بمهام ضبط نشاط الصحافة المكتوبة والإلكترونية".

ولفت الوزير إلى أن هذا النص القانوني "راعى ضمان ممارسة إعلامية محترفة التوازن بين الحرية الصحافية والمسؤولية المهنية من خلال وضع ضمانات تكرس حق الصحافي في حرية التعبير والبحث عن المعلومة"، إلى جانب "منح الصحافي الحماية القانونية لأعماله وحفظ حقه في عدم نشر أو بث أي خبر أو مقال أو عمل أدخلت عليه تعديلات جوهرية دون موافقته".

وأضاف أن هذا القانون "يعزز حق وصول الصحافي للمعلومة وحماية مصادره من خلال إقرار حقه في السر المهني وإلزام الهيئات بتسهيل ولوجه للمعلومة". وأبرز الوزير أن النص تضمن "تجريم كل شكل من أشكال العنف أو الإهانة أثناء تأدية الصحافي لمهامه"، إضافة إلى إلزام الهيئة المستخدمة باكتتاب خاص على كل صحافي يرسل إلى مناطق قد تعرض حياته للخطر ومنحه الحق في رفض العمل في غياب ذلك دون أن يشكل رفضه إخلالاً بواجباته المهنية.

وبخصوص التصدي للممارسات غير المسؤولة، فإن نص القانون يقترح استحداث مجلس أعلى للآداب وأخلاقيات المهنة تؤول إليه مسؤولية الضبط والتدخل وإعداد ميثاق يقتدى به للارتقاء إلى ممارسة إعلامية مسؤولة ويسهم في ترقية الضبط الذاتي.

وتم التركيز أيضاً على "استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في مجال الإعلام بإلزام وسائل الإعلام التصريح بمصدر الأموال المستثمرة لتسيير المؤسسات وإثبات حيازة رأسمال وطني ومنع التمويل والدعم المادي المباشر أو غير المباشر من أي جهة أجنبية". وتضمن قانون الإعلام 55 مادة تنص على عقوبات مالية تفوق 15 ألف دولار لمن يتلقى تمويلاً أو إعانة من "جهة أجنبية"، مع إلزامية إثبات مصدر أموال الاستثمار في مجال الإعلام والاتصال. كذلك، ينص مشروع القانون على إلزامية الحصول على "اعتماد" من أجل العمل في الجزائر لصالح وسائل إعلام أجنبية، كما يفرض على الصحافي التصريح بمصدره أمام القضاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومشروع القانون ينص كذلك على غرامة مالية تصل إلى مليون دينار (نحو 7.7 آلاف دولار) "لكل شخص يعمل لحساب وسيلة إعلام خاضعة للقانون الأجنبي من دون الحصول على الاعتماد". وفي المقابل، يكفي التصريح بإنشاء "الصحف والمجلات" من دون انتظار اعتماد من وزارة الاتصال، بحسب النص. وسيتم بموجب مشروع القانون الجديد إنشاء "سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية" إلى جانب سلطة ضبط النشاط السمعي بصري، الموجودة حالياً والمكلفة مراقبة عمل القنوات التلفزيونية.

وشهدت جلسة مناقشة مشروع قانون الإعلام داخل المجلس الشعبي الوطني نقاشاً حاداً حول مواد القانون الذي اعترضت عليه الكتلة البرلمانية لـ"حركة مجتمع السلم" (إسلامي معارض) وصوتت ضده وأرجعت ذلك إلى "عدم توسيع الاستشارة، وتكريس الأحادية، ورفض معظم الاقتراحات"، إضافة إلى "التضييق على الممارسة الإعلامية" من خلال ما وصفتها بـ"إجراءات بيروقراطية معقدة".

وفي هذا السياق، قال النائب البرلماني عبدالكريم بن خلاف في تدخل له أثناء جلسة المناقشة "بعد عشر سنوات من الانتظار كان الأجدر قبل مناقشته إشراك أهل الاختصاص في وضعه كي يستجيب لتطلعاتهم التي انتظروها طويلاً".

وأضاف "نحن في حاجة إلى قوانين تطبق على أرض الواقع كي لا يقع لها ما وقع لقانون الإعلام لعام 1990 ولقانون 2012 ليغرق القطاع في الفوضى العارمة التي أدت إلى اختفاء كثير من الجرائد والقنوات وضياع حقوق كثير من العمال، ما نتمناه أن يوضع حد لهذه المآسي التي يعيشها قطاع لم يواكب التحولات العميقة التي تعرفها البلاد".

قانون مرحلة

يرى الأكاديمي المتخصص في الصحافة وعلوم الإعلام سمير عرجون أن المشرع الجزائري سن قانون الإعلام الجديد وفق مقتضيات المرحلة التي تمر بها البلاد بصفة عامة، وحرص على تحديد المصطلحات بدقة خلافاً للمرحلة التي مرت بها البلاد سابقاً.

ويقول سمير عرجون لـ"اندبندنت عربية" إن هذا القانون جاء لمنح قطاع الصحافة في الجزائر مزيداً من الاستقرار، ولو بشكل نسبي، مشيراً إلى أن قانون الإعلام الجديد مرحلي قد يعمر لفترة أربع أو خمس سنوات تماشياً مع السياسة العامة التي تبنتها الحكومة لمحاربة مظاهر الفساد في جميع القطاعات.

ويضيف أن الحكومة ستلجأ إلى سن أو تعديل القانون الحالي مستقبلاً، تماشياً ومستجدات المرحلة المقبلة سواء على المستوى المؤسساتي للدولة أو للتطورات المرتقبة في قطاع الإعلام والصحافة بشكل عام.

وأشار المتحدث إلى أن قانون الإعلام الجديد يأتي في مرحلة النضج التي يمر بها القطاع حالياً، مقارنة مع القانون السابق الذي تم إقراره عام 2012، مضيفاً أنه ستتم مراجعة الجوانب التنظيمية لهذا القانون مستقبلاً.

وأوضح أن القانون على رغم منحه بعض الامتيازات للعمل الصحافي الميداني وحماية الصحافيين ومصادرهم، وكذا في مجال الحريات، فإنه يبقى دون تطلعات الصحافيين الذين كانوا يتوقعون مزايا أكثر مما جاء في بنود هذا القانون.

وذكر سمير عرجون بأهمية الممارسة الأخلاقية الإعلامية في الجزائر، ووجوب خضوع الصحافي الجزائري لدورات تكوينية في هذا المجال، إضافة إلى إنشاء مجالس لأخلاقيات المهنة لكل نوع من أنواع الصحافة، مشيراً إلى أن المجتمع الجزائري تقليدي ولا يزال الصحافي يمتلك صوتاً مؤثراً داخله.

إشكالية التطبيق

ويقول رئيس الاتحاد الوطني للصحافيين والإعلاميين الجزائريين قديري مصباح، إن القانون العضوي للإعلام، جاء بعد مدة طويلة من الانتظار، حرصاً من الرئيس عبدالمجيد تبون، على تنظيم القطاع وتلبية مطالب أصحاب مهنة المتاعب.

وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن القانون الجديد يهدف لمعالجة المشكلات وإنهاء الفوضى التي شهدها القطاع خلال الـ10 سنوات الماضية في جميع التخصصات الإعلامية المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية، حيث تم اشتراط معايير جديدة في التوظيف، من خلال إلزام المؤسسات الإعلامية بأن يكون ثلث الطاقم العامل بقاعات التحرير، من فئة "الصحافيين المحترفين"، في مسعى لضمان نوعية الإنتاج الإعلامي.

واعتبر مصباح أن "ذلك يعد مكسباً كبيراً للقطاع، بخاصة أن كثيراً من المؤسسات الإعلامية، لا يوجد ضمن طواقمها صحافيون محترفون، بل تعتمد على الطلبة أو المتربصين فقط، تجنباً منها لدفع مستحقات مالية مرتفعة، مما نتج منه منتج إعلامي سيئ جداً ودون المستوى المطلوب من طرف الجمهور".

ويشير مصباح إلى أن النص يعيد الاعتبار للصحافي المحترف، حيث يشترط معايير محددة للحصول على البطاقة، أهمها الشهادة الجامعية لتنهي حالة الفوضى وتزيح الدخلاء عن المهنة، مضيفاً أن الصحافة الجزائرية تعيش الآن رهان الانتقال إلى الاحترافية والتفتح على التخصصات الجديدة ومعالجة الاختلالات التي أثرت سلباً في القطاع.

ويؤكد المتحدث أن مشكل القطاع لا يكمن في صياغة القوانين، إنما في التطبيق والتجسيد الفعلي لها، مشيراً إلى ضرورة تحسين الوضعية الاجتماعية والمهنية للصحافيين التي لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب.

وتحتل الجزائر المرتبة 134 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" في 2022.

المزيد من تقارير