ملخص
تراجعت حدة التدخل الجوي في السودان أمام لجوء الدعم السريع إلى التخفي والاختباء وسط المناطق المأهولة والمكتظة بالسكان
دخلت معارك الخرطوم أسبوعها الثاني ويومها الـ 11 من دون أن تتوقف أو يعلن أي الطرفين نصراً حاسماً على الآخر، على رغم أنه عندما بدأت الحرب كان الرهان على ترجيح سلاح طيران الجيش كعنصر حاسم في كسب المعارك في وقت أقصر بكثير مما صارت إليه الأمور حالياً، فما الذي أخّر حسم المعارك على رغم تدخل سلاح الطيران في وقت باكر من المعارك؟
شلل باكر
وكان سلاح الجو السوداني هاجم منذ أول أيام الحرب معسكرات الدعم السريع في كل مواقعها بالخرطوم، فضلاً عن برج الدعم السريع المخصص للاتصالات، وأعلنت القوات المسلحة السودانية قيام القوات الجوية بعمليات نوعية منهجية ومهنية محكمة هدفها "حسم التصرفات غير المسؤولة لقوات الدعم السريع المتمردة".
وفي السياق قال الباحث الأمني أرباب عبدالرحيم عثمان إن الضربات الجوية شلت بالفعل حركة الدعم السريع وأربكت كل خططه، فبدأ معركته متخبطاً منذ اليوم الأول بعد أن فقد مقاره وإمداداته ومخزوناته العسكرية والغذائية والطبية، وقد بدأ أثر الضربات موجعاً في تشتيت القوات وفقدان الاتصال لا سيما بعد تدمير الطيران برج الدعم السريع ومقر قيادته في وسط الخرطوم.
ورأى عثمان أن "أثر الغارات الجوية الموجعة التي سددها سلاح الطيران ظهر بشكل واضح في ترجيح كفة ميزان القوة باكراً لمصلحة القوات المسلحة، باعتبارها من الميزات التي لا يمتلكها الطرف الآخر، والذي بدأ جلياً أنه تأذى منها بشدة، مما دفعه في اليوم الثالث للحرب إلى استخدام المدافع الرباعية ومضادات الطيران لصد هجمات الطائرات الحربية من داخل الساحات والأحياء في مدن الخرطوم".
تكتيك جديد
ويقول الباحث الأمني إنه "منذ اليوم الأول للاشتباكات قصد الجيش استخدام الطيران الحربي بشكل مقيد بضربات نوعية بهدف تدمير قدرات العدو القتالية في كل مقاره ومعسكراته الكبيرة في أطراف ولاية الخرطوم، مما مكنه بسرعة فائقة من السيطرة عليها وتسلمها جميعاً على رغم انتشارها في مناطق عدة حول الولاية مثل الصالحة غرب أم درمان وطيبة الحسناب وكرري والجيلي وحي النصر وجبل سركاب والمظلات بحري وكافوري ببحري والري المصري، فضلاً عن مكاتبه بوسط الخرطوم ورئاسة هيئة العمليات في الرياض وعدد من مقارهم في الولايات المختلفة".
ويردف عثمان أنه إزاء ضغط وقسوة الضربات الجوية عمدت قوات الدعم السريع إلى تغيير نوعي في تكتيكاتها بالتغلغل والتشتت بعرباتها المقاتلة داخل مدن الخرطوم والمرافق الإستراتيجية والخدماتية وسط الأحياء والشوارع الفرعية والأزقة الضيقة، مما صعب لاحقاً مهمة الطيران الحربي في ملاحقتها هناك وقصفها، مما دفع الجيش بدوره إلى تغيير إستراتيجيته بإجراء عمليات تمشيط بقوات متنوعة بهدف إعادة إخراجهم وإبعادهم من المدنيين الذين حولتهم إلى دروع بشرية، الأمر الذي نجح في إبطاء عمليات حسم المعارك من جانب الجيش.
درع المدنيين
ويضيف الباحث الأمني، "صحيح أن الجيش كان يعول على سلاح الطيران في حسم المعركة بسرعة لكن لجوء الدعم السريع إلى التخفي والاختباء وسط المناطق المأهولة والمكتظة بالسكان وبعض المرافق الحساسة بات مقيداً لحركتها، ولولا ذلك لكانت الحرب حسمت خلال ثلاثة أو أربعة أيام لمصلحة الجيش، وعلى رغم كل ذلك فقد أفقد التدخل الجوي الباكر قوات الدعم السريع توازنها وحرمها عنصري القيادة والسيطرة، كما قطع أمامها كل خطوط الإمداد سواء بالذخيرة أو المؤن والعتاد والوقود، وكذلك قدرتها على التعامل مع جرحاها وقتلاها بعد أن فقدت معيناتها الخاصة بذلك".
ويرى الباحث الأمني أن طول فترة المعارك يشكل أيضاً نوعاً من الاستنزاف لقدرات قوات الدعم السريع، باعتبار أن الذخيرة والمؤن والبترول تقترب من النفاد وقد لا تكفيهم لأكثر من ثلاثة أو أربعة أيام أخرى، وتمنح في الوقت نفسه العناصر الاستخباراتية الفرصة للتتبع وكشف مخابئ قادتهم وتحركاتهم.
صدمة وزعزعة
وعلى الصعيد نفسه أكد المحلل الأمني في مركز الدراسات الدولية اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن "التدخل الباكر لسلاح الطيران في المعركة دمر معظم حصون ومقار السيطرة والقيادة للدعم السريع، مما أحدث لها صدمة شلت حركتها وزعزعة صفوفها".
لكن الفعالية الحاسمة والرادعة لسلاح الطيران بكل أنواعه، وفق مجذوب، تتمثل في قدرته على مطاردة وتدمير المركبات القتالية في الأماكن المفتوحة، مشيراً إلى أنه على رغم تحول القتال بعد الضربات الجوية الأولى إلى الشوارع والمناطق السكنية على طريقة حرب المدن، لكن خروج كثير من القوات بعد ذلك إلى المناطق الطرفية جعل استهدافها من الجو أكثر سهولة.
ووصف المحلل الأمني النتائج التي حققتها تدخلات سلاح الطيران حتى الآن بأنها "جيدة ومهدت الطريق لتحقيق النصر المطلوب"، متوقعاً أن يستمر وجود القوات الجوية ضمن المعارك حتى نهايتها، وفق تقديرات محددة ومحدودة لحسم تهديدات بعينها في حدود ضيقة وفي أماكن محددة مناسبة لذلك.
أخطار متزايدة
ولفت مجذوب إلى أن أخطار القصف الجوي تزداد على المدنيين والأعيان المدنية عند استخدام المقاتلات الحربية خلال حرب المدن والشوارع التي غالباً ما يكون مسرحها وساحتها مناطق السكنية، مما يهدد بوقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين والمؤسسات الحيوية والخدماتية والبنى التحتية المهمة والإستراتيجية.
وأشار إلى أن تطورات المعارك تدفع بالجيش إلى استخدام أسلحة نوعية مغايرة لتلك التي بدأ بها الحرب أو اللجوء إلى تكتيكات أخرى قد يقتضيها مسار المعارك وفق الطريقة التي سيحددها الجيش لفرض الأمن والاستقرار.
وإثر تداول الناس على نطاق واسع أنباء وصوراً أمس الإثنين لسقوط قذائف صاروخية خلال عملية قصف جوي قيل إنها استهدفت تجمعاً لتمركز قوات الدعم السريع في منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، لكنها دمرت في الوقت نفسه ثمانية منازل سكنية وأوقعت قتلى وجرحى وسط المواطنين، سارع الدعم السريع إلى اتهام الجيش بقصف المدنيين الأبرياء.
الجيش يرد
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورداً على اتهامات الدعم السريع قال الجيش في بيان له إن "القوات المسلحة تؤكد على أنها لا يمكن أن تستهدف مواطنيها الذين ارتبطت بهم طوال تاريخ السودان بتدمير منازلهم وضربهم بالقوات الجوية، وشعبنا يعلم ذلك".
وأضاف البيان، "ظلت القوات المسلحة تتجنب الدخول في معارك كبيرة وسط الأحياء السكنية في مقابل طول أمد المواجهات من أجل المحافظة على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، في وقت اتخذت القوات المتمردة من هذه الأحياء والمناطق المكتظة بالسكان ملاذاً لنشر قواتها وعرباتها متخذة منهم دروعاً بشرية".
ومضى البيان قائلاً، "نطمئن شعبنا الصابر بأن قواته المسلحة التي ظلت تناصره في جميع المواقف التي مرت بالبلاد ستستمر في بذل ما يلزم لحماية خياراته في إقامة دولة مدنية راشدة على أساس صحيح وسليم، ولن تسلم البلاد لقمة سائغة لأشخاص وضعوا هدف الاستحواذ على هذه البلاد لتحويلها إلى ملكية خاصة، ولو بذلت في سبيل ذلك أنهاراً من دماء أبنائها من رجال الجيش".
"الدعم السريع" تتهم الجيش
وفي مواجهة عمليات القصف الجوي ظلت قوات الدعم السريع تكرر الاتهامات الموجهة إلى الجيش بمواصلته قصف المدنيين بشكل عشوائي، معتبرة أن "ما قام به يخالف القوانين والأعراف الدولية والفطرة البشرية السليمة ويستوجب إدانة الأسرة الدولية ومحاسبة المسؤولين عنه".
وقالت قوات الدعم السريع في أحد بياناتها حول العمليات الحربية، "امتداداً لخروقاتها المستمرة للقانون الدولي والإنساني منذ اندلاع المعارك يوم السبت الـ 15 من أبريل (نيسان) الجاري، وجهت قيادة القوات المسلحة ضربة عسكرية بالطيران الحربي للدائرة الطبية لقوات الدعم السريع التي تقع داخل نطاق وجود المدنيين في حي شمبات بمدينة بحري شمال الخرطوم".
وذكر البيان أن طيران الجيش استهدف في هجومه أسرى القوات المسلحة والمصابين من الطرفين والمدنيين الذين يتلقون المساعدات الطبية والإنسانية داخل مستشفى الدائرة الطبية.
وكان قائد قوات الدعم السريع أكد خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التزامه الثابت بحماية المدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرته.
وفي بيان منفصل أوضح الجيش أن "التحركات العسكرية للدعم السريع تواصلت حتى أمس الإثنين داخل ولاية الخرطوم للاستيلاء على بعض المرافق الخدماتية الإستراتيجية وتخريبها، وتم التعدي على دار الهاتف في الخرطوم وقطع اتصال الإنترنت بشبكة سوداني، إلى جانب محاولة الاستيلاء على مصفاة الجيلي في إطار سياستهم التي تقوم على محاولات ابتزاز الدولة".
توسيع التأمين
وعلى صعيد متصل قال الجيش في بيانه اليومي حول الموقف الميداني أمس الإثنين إن العمليات مستقرة بشكل ملحوظ، وتستمر قواتنا في توسيع نطاق تأمين منطقة الخرطوم بالتدرج لتجنب إلحاق أضرار بالمناطق السكنية، وإن قوات الدعم السريع تبعثرت على نطاق واسع بالخرطوم وأجزاء محدودة من الخرطوم بحري وسط الأحياء للاحتماء بهذه التجمعات السكنية واتخاذ المواطنين دروعاً بشرية.
وجدد الجيش نداءاته لأفراد الدعم السريع بأن "مؤسساتهم السابقة لم يعد لها مكان ضمن المنظومة الأمنية في البلاد بعد تمردهم"، ودعاهم إلى الانضمام لصفوف القوات المسلحة السودانية والخروج من دائرة التمرد على الدولة، عبر التبليغ وتسليم أنفسهم إلى أقرب وحدة عسكرية، مع التعهد باستيعابهم في جيش البلاد اعتباراً من تاريخ التبليغ طبقاً لقرارات القائد العام للقوات المسلحة.
ونفى الجيش ما وصفه بـ "الأكاذيب" التي ظل يبثها من سماهم بـ "الأبواق الإعلامية" لقوات الدعم منذ اليوم الأول في شأن الاستيلاء على مراكز القيادة العسكرية والقصر الجمهوري ومدينة جياد الصناعية ومراكز إستراتيجية أخرى.
وكذلك اتهم الجيش "الدعم السريع" بمواصلة القصف المدفعي لبعض المناطق المحيطة بالقيادة العامة، واعتراض حركة المواطنين بإقامة نقاط التفتيش في بعض مناطق العاصمة، والعمل على نشر الفوضى باقتحام بعض السجون وإجبار الشرطة على إطلاق سراح النزلاء وبينهم محكومون بجرائم خطرة.